Menu

في ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: ما العمل؟

جمال واكيم

نشر في العدد 21 من مجلة الهدف الرقمية

في العام 1967، كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد أعلنت عن انطلاقتها وذلك بعملية قامت بها مجموعة فدائية عبر الحدود ضد الكيان الصهيوني. كانت الجبهة الشعبية تتويجاً لنضال شبابٍ عربي في الخمسينيات؛ استجاب لتحدي نكبة فلسطين، وشكلت مجموعة شباب الثأر النواة الأولى لانطلاقة حركة القوميين العرب بقيادة جورج حبش ووديع حداد وأحمد اليماني وغيرهم.

ترافقت حركة القوميين العرب، الحاضن الأساسي للجبهة الشعبية، مع الزخم الذي ميّز الحركة القومية العربية في الخمسينيات والمتمثل بقيادة جمال عبد الناصر لحركة التحرر في العالم العربي والعالم الثالث، والتي تمخضت عن تحرير معظم الأراضي والبلدان العربية من الاستعمار القديم الفرنسي والبريطاني بين العامين 1960 و1970؛ خلال هذه الفترة تغيرت الخارطة العربية كثيراً، فهذا الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، والذي كانت تعلوه أعلامٌ فرنسية أو بريطانية أو غيرها، تحول إلى دولٍ مستقلة استطاعت أن تتحرر من الاستعمار، بالتالي فلقد كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي نتاج كل هذا المخاض على الصعيد العربي، وعلى صعيد الساحة الفلسطينية، ليتوج رصاصاً يُطلق ضد الصهاينة؛ معلناً عن انطلاق الجبهة في العام 1967 وحركة الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني.

طوال خمسة عقود ويزيد؛ شكلت الجبهة الشعبية الحركة الوطنية الفلسطينية الأكثر تمسكاً بالمبادىء وبخيار تحرير الأرض الفلسطينية كاملة من دون مساومة، وقد أدى هذا إلى رفض قيادات الجبهة لاتفاقات "أوسلو" في العام 1993 بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، معلنةً أن هذه الاتفاقات ستؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية ولن تُعطي أي مكسبٍ للشعب الفلسطيني.

ولقد كانت قيادة الجبهة الشعبية المتمثلة بالحكيم جورج حبش وبنائبه أبو علي مصطفى هي الأمينة على الخيار الوطني الفلسطيني المتمسك بالقضية والمنطلق من رحم حركة تحرر عربية، ولم يكن التراجع الذي اعترى القضية الفلسطينية في العقدين السابقين؛ إلا نتاج الضرر الكبير الذي لحق بحركة التحرر العربية، والناتجة عن آثار الهزيمة في العام 1967، وانحراف نظام السادات في مصر وتوقيعه اتفاقية "كامب ديفيد" مع العدو الصهيوني؛ خارقاً بذلك الإجماع العربي ومعاهدات الدفاع العربي المشترك.

الآن تقف القضية الفلسطينية أمام تحديات كبيرة، يتمثل التحدي الأول بحالة الانهيار العربي الشامل الذي نشهده منذ غزو العراق على يد القوات الأمريكية أو الولايات المتحدة في العام 2003. كما يتمثل التحدي الثاني بتسواوية القيادة الفلسطينية قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية المنبثقة عن اتفاقات "أوسلو" وتعاونها مع الاحتلال. أما التحدي الثالث فهو في غياب استراتيجية مواجهة واضحة من قِبَل قوى فلسطينية معارضة للاتفاقات، وعدم اتفاقها على عمل برنامج موحد.

هنا، يُطرح السؤال أمام الجبهة الشعبية، ما العمل؟ وقد تكون هي الحركة الأكثر قدرة على تشكيل نواةٍ أو عصبٍ بديلٍ وطني فلسطيني؛ يستطيع بالإرث الذي تمثله الجبهة الموقف الوطني أن يجمع الجميع حولها، إذا تم صياغة برنامج مواجهة، ليس مع الاحتلال فقط، ولكن أيضاً مع المتعاونين مع الاحتلال، وبالدرجة الأولى السلطة الفلسطينية المتمثلة بأبو مازن وأعوانه. أما التحدي الرابع أمام الجبهة فيكمن في أن تكون هي أيضاً في قلب حركة تحرر عربية، يمكن أن ترفد القضية الفلسطينية بدعمٍ كبيرٍ على كافة الصُعد، ويمكن أن تُشكل حاضنةً لهذه القضية، خصوصاً أن المشروع الصهيوني لا يستهدف فلسطين فقط، بل هو ينطلق من فلسطين ليستهدف الأمة العربية بأجمعها.

يبقى التحدي الخامس وهو في وعي قيادة الجبهة في أن قضية فلسطين هي أيضاً تُمثل جوهر الصراع التحرري لبلدان العالم الثالث من الإمبريالية الغربية، فهنا الإطار الخامس الذي يجب أن تعمل عليه الجبهة هي في أن تكون في صلب حركات التحرر في العالم الثالث التي يمثل تراجع الغرب والأزمات التي يمر بها فرصة لحركة التحرر في العالم الثالث للإنطلاق من جديد وتحقيق إنجازات شبيهةٌ بتلك التي حققتها في الخمسينيات والستينيات؛ لجهة تحرير بلدان العالم الثالث من الهيمنة الغربية.