Menu

بايدن وأولويات إدارته

حمدان الضميري

في 20 من هذا الشهر سيتم رسميًا تنصيب جو بايدن لتسلم رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية للسنوات الأربع القادمة؛ أمامه تحدي كبير وهو تركة عهدة ترامب وهي تركة سيتعامل معها مثل السائر في حقل ألغامكثرة التحديات تلزم الإدارة الجديدة بوضع الأولويات حتى تستطيع معالجة هذا الكم من الخراب في العلاقات الدولية التي تركه ترامب؛ بسبب نزعاته الفردية ورؤيته الفوقية التسلطية والترهيبية تجاه من هم في قائمة أصدقاء أمريكا ومن من هم حلفاء لها منذ عقود..ما هي أولويات الإدارة الجديدة؟ سؤال يفرض نفسه على كل مراقب لما سيجري في مسرح العلاقات الدولية في السنوات القادمة.

أستطيع القول بأن أول التحديات تكمن بمواجهة وباء الكورونا والتعاطي مع تبعاته على الاقتصاد الأمريكي؛ ترامب تعامل مع الوباء بخفة وتتذكر،حيث تعاطى خاصة في أشهر الوباء الأولى بدرجة من الاستخفاف، والقول بعدم خطورة الوباء في الوقت الذي كان الفايروس ينتشر في الولايات المتحدة بشكل سريع؛ مصيبا آنذاك مئات الآلاف من المواطنين، هذا التوجه من قبل إدارة ترامب؛ جعل الولايات المتحدة تتربع على قمة هرم الدول في أعداد المصابين وأعداد الموتى.. نعم على إدارة بايدن مواجهة هذه الحقائق وتطمين الأمريكيين أن نهجًا آخر بدأ يثبت نجاعته؛ معطيًا حلولًا تعيد الثقة في البداية وتعالج الوباء من الناحية الطبية العلاجية.

التحدي الثاني الداخلي أمام الإدارة الجديدة وهو تحدي صعب يكمن في ردم الهوة بين فئات الشعب الأمربكي المنقسمة والمتناحرة فيما بينها؛ ترامب ولا أقول إدارة ترامب عملت كل ما في وسعها لتعميق الفجوة بين الأمريكيين، وأي مراقب لما تعرفه أمريكا من انقسام يعرف أن انقسامًا عموديًا حصل في البنية الديمغرافية الأمريكية؛ نصف الأمريكيين لا يؤمنون بالتعايش مع النصف الآخر ويعتقدون باستخدام كل الوسائل بما في ذلك السلاح لفرض رؤيتهم على النصف الآخر. معالجة هذا الانقسام يحتاج للوقت والثقافة والتربية وكل هذا يحتاج لقدرات مالية هائلة؛ أشك بنجاح إدارة بايدن النجاح السريع في التعاطي مع تداعيات هذا الانقسام العمودي القاتل، والذي سيلعب دورًا هامًا في تراجع دور الولايات المتحدة في السنوات والعقود القادمة.

التحدي الثالث يتعلق بالاقتصاد الأمريكي؛الولايات المتحدة أكبر دولة مستدينة في العالم، جزء من مصاريف الإدارة الأمريكية يتم عبر المزيد من القروض وطبع كميات إضافية من الدولار ونشرها في الاقتصاد العالمي؛ سياسة مارستها مختلف الإدارات الأمريكية؛ الخروج من هذا التحدي لا يعتمد فقط على الولايات المتحدة، بل أيضًا على قوى اقتصادية أخرى في العالم، وهذا خارج السيطرة الأمريكية. الاقتصاد العالمي يعرف تحولات هامة جدًا تنقل مركز الإنتاج الاقتصادي العالمي لمناطق أخرى والمستقبل ليس لصالح الاقتصاد الأمريكي، فيما يعرفه الاقتصاد العالمي من تحولات.

الأولوية الأخرى القادمة أمام إدارة بايدن وترتبط بتحالفات أمريكا مع قوى خارجية؛ على إدارة بايدن إعادة اللحمةللعلاقة التحالفية بين أمريكا والقارة الأوروبية؛أحدث ترامب شرخًا مع دول أوروبا وأدار علاقات بلاده معها على قادة التبعية للسياسة الأمريكية؛ مستعملًا أسلوبه المعهود بالترهيب والتخويف.. نتذكر مواقفه التي أعلن فيها عن عدم جدوى استمرار وجود حلف شمال الأطلسي، أو اجبار الدول الأعضاء بزيادة مساهماتها في ميزانية الحلف وإجبار بعضها شراء السلاح الأمريكي، خاصة الطائرات المقاتلة. استراتيجية إدارة بايدن ترى بحلف أمريكا مع دول أوروبا ممرًا الزاميًا لمواجهة كل من الصين الصاعدة وروسيا العائدة للسياسة الدولية.

التحدي القادم والمهم جدًا في إطار السياسة والعلاقات الدولية، كيف تواجه إدارة بايدن تطور الصين الاقتصادي وخطر تربعها في السنوات القادمة على عرش الاقتصاد العالمي، ثم عرقلة التحالف الصيني الروسي لخطورته، حيث تلتقي القوة الاقتصادية والقدرات العسكرية مع بعض لتشمل عالم الأقطاب التي عملت مختلف الإدارات الأمريكية، وخاصة منذ بوش الأب تفاديه، وذلك حتى تتفرد القوة الأمريكية بالتحكم بالسياسة الدولية. هنا وكما نوهت له سابقًا، ترى استراتيجية أمريكا الجديدة بالتحالف مع اوروبا وغيرها من القوى الاقتصادية ممرا لتوجيه ضربة للصعود الصيني الاقتصادي وتحالفه مع روسيا صاحبة القدرات العسكرية الهائلة .

الملف النووي الايراني آخر هذه التحديات أمام إدارة بايدن، وهنا أصبحت معالم حله واضحة وتتلخص بالعودة للاتفاق خمسة زائد واحد، مقابل توقف إيران عن زيادة مستوى تخصيبها لليورانيوم حتى لا تدخل لنادي الدول المالكة للسلاح النووي؛إيران قامت برفع مستوى التخصيب ليصل إلى 20 درجة، وهذه ورقة تستعملها بذكاء أمام الدول المشاركة في اتفاقها أي خمسة زائد واحد. أما موضوع الصواريخ الدقيقة، فهذا موضوع خارج النقاش من طرف الإيرانيين،لأنه ورقتهم المهمة غير القابلة للتفريط.. وهل منطقة الشرق الأوسط جزء من أولويات إدارة بايدن الجديدة؟

بدون تردد لا أجد جوابًا غير النفي ، لذلك علينا أن نقرأ جيدًا؛ تفكير هذه الإدارة خلال السنوات الأربعة القادمة، ولا نبني قصورًا في الهواء أو نشتري سمكًا مازال في البحر؛ أمريكا تريد الهدوء في هذه المنطقة وعلى مختلف اللاعبين فيها تفهم أنهم ليسوا ضمن أولويات الإدارة الأمريكية القادمة وحسابات القوى الكبرى تبنيها المصالح وحسابات المصالح فقط.