Menu

الأمينة العامة لحزب العمال الجزائري لويزة حنون "للهدف" دعمنا لكفاح فلسطين غير مشروط

نشرت في العدد 24 من مجلة الهدف الرقمية

* هناك مقاومة شرسة وعملية انقلابية ضد إرادة الشعب الجزائري وضد الثورة الشعبية الثانية.

* من الواضح الآن أن عودة الثورة الثورة بكل أشكالها هو المخرج.

* دعمنا كحزب عمال للثورة والقضية الفلسطينية غير مشروط، ونؤكد دائمًا أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تموت.

* بعد مرور عامين على الحراك الجزائري، كيف تقيّمين وضع الجزائر اليوم، وهل من أفق لإكمال أهداف الحراك خاصّة فيما بتعلّق بالحرية والعدالة الاجتماعيّة؟

** بالنسبة لنا في حزب العمّال، لا يتعلّق الأمر بمجرّد حراك، لأنّ مصطلح حراك يعني أنّ هناك مطالب لها سقف محدود، وهذا المصطلح كان لدى أشقائنا في المغرب منذ أربع سنواتٍ خلت في انتفاضة كانت في منطقة معينة إثر استشهاد شاب على يد قوات الأمن في تشابه مع قصة البوعزيزي في تونس، ولكن لم تأخذ حجماً وطنياً ولا طرحت مسألة الحكم، لكن نحن في 22 فبراير 2019 انقطعت شعرة معاوية ما بين الأغلبية الساحقة والنظام الموجود آنذاك؛ بسبب تراكمات كانت موجودة لعقود من الزمن في الجانب الاجتماعي وتقييد الحريات وتدهور الوضع السياسي والاجتماعي، ومنذ البداية مباشرة تم رفض العهدة الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة، ومن ثم تم رفض التأجيل لسنتين من أجل الانتخابات وطرحت مسألة رحيل النظام برمته وليس فقط رئيس الجمهوريّة أو حتى الباءات "ابن صالح وغيره...إلخ"، أي كبار المسؤولين، بل كل النظام بمؤسساته ورموزه وسياساته وممارستاه المقيتة، ولكن كما تعلمون بالنسبة أيضاً للثورة الفلسطينيّة وأي ثورة حقيقيّة أصيلة تُعاني من الرجعيّة والثورة المضادة، أي لا يتم تسليم مفاتيح الحكم بسهولة، بل هناك مقاومة شرسّة وعملية انقلابيّة ضد إرادة الشعب وضد الثورة الشعبيّة الثانية، مباشرةً بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة أصبح الصراع مفتوحاً ما بين الأغلبية التي كانت متمسكة بالمطلب الجوهري المركزي المتمثل برحيل كلّ النظام وما بين الحكم الذي فرض نفسه آنذاك والسلطة التي فرضت نفسها صاحبت برنامج إنقاذ النظام الموروث عن نمط نظام الحزب الواحد الذي فرض نفسه على الجزائر منذ الاستقلال، وهذا بغض النظر عن السياسة والمواقف التي تكون أحياناً إيجابيّة جداً مثلاً تجاه القضيّة الفلسطينيّة وغيرها من القضايا، ولكن بالأساس سيادة الشعب الجزائري لم تُمارس منذ الاستقلال بل صودرت كلياً، والإشكاليّة المتعلّقة بالتمثيل السياسي الشعبي للشعب الجزائري من خلال مجالس منتخبة ومن خلال مجلس شعبي وطني حقيقي ظلّت غير موجودة؛ بسبب طبيعة الانتخابات وطبيعة النظام الذي فرض مساراً انتخابياً يرمي لإنقاذ النظام من الزوال وفرض استمراريته، بينما الأغلبيّة ظلّت متمسّكة بطلبها وتخرج في مسيرات، وبدأ العنف والقمع الشديد من قِبل السلطة منذ صيف 2019، ولكن المسار الثوري عرف نوعاً من الغربلة، لأنّ الأمر يتعلّق برحيل نظام، وكانت هناك مسيرات مليونيّة تجمع كل الأطياف السياسية وكان الهدف المشترك هو رحيل النظام حتى من قِبل الأغنياء الذي كانوا يواجهون مشاكل من هذا النظام لأنّه كان يقوّض مصالحهم، وحتى الانتخابات الرئاسيّة في 2019 لم تُخرج الجزائر من الأزمة الثوريّة، بل عقّدتها، لأنّه كان واضحاً للأغلبية الساحقة أنّ ما يجري عبارة عن مناورة ترمي للحفاظ على النظام، ثم فرض تعديلات دستورية قاطعها 88% من الهيئة الناخبة، أي الأغلبيّة الساحقة من الشعب الجزائري رفضت الرزنامة الانتخابيّة وكل ما جاء من عند السلطة، وبصراحة كان موقف الأغلبيّة رائعاً وبكل هدوء منقطع النظير ولم يذهب أحد للاستفتاء دون أي تنسيقٍ مسبق.

* في ضوء ما أطلقتِ عليه الثورة الجزائرية الثانية، وفي الوقت الذي يجري التحضير للانتخابات النيابية.. هل سيشارك حزبكم فيها؟

** الثورة اليوم بكل مضامينها استعادت كل أنفاسها وانتعشت، وبمناسبة الذكرى السنوية لاندلاع الثورة الجزائرية الثانية تشكّل هذه الثورة راهنية الثورة التحريرية من أجل الاستقلال وتحرير الانسان سياسياً في ظل تواصل القمع السياسي وتكميم الأفواه وتكميم الإعلام، ولقد اخترنا وبكل وضوح معسكر الثورة أي رحيل النظام وليس ترقيعه أو محاولة بائسة لإنقاذه من خلال الانتخابات التشريعيّة القادمة التي يجري التحضير لها، بل بالعكس هذه الانتخابات ستزيد تعمّق الأزمة ونحن اتخذنا قراراً بعدم المشاركة في هذه الانتخابات، استخلصت اللجنة المركزيّة أنّه لا يمكن بتاتاً التعايش مع السلطة الحالية والأحزاب التي تمثلها، والتي تسعى لإنقاذ نظام بالٍ يشكّل أكبر خطر على الأمّة.

* اليسار المغاربي صاحب تجربة خاصة ومتمايزة عن اليسار في المشرق العربي.. هل يمكن لحزب العمال أن يُساهم في وحدة اليسار لديكم، ومن ثم وحدة اليسار العربي؟

** المشكلة المطروحة اليوم استقلالية ما يُسمى باليسار، وصحيح أن اليسار تأثّر بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي وتقهقر في البلدان العربية وغيرها، ونحن حزب عمالي نختلف عن الأحزاب التقليديّة ومواقفنا معروفة وحزب مستقل، لذلك نحن صمدنا، والآن لو نأخذ رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني جماهيرياً، وأغلبية الشعب المغربي ضد هذا التطبيع، ولكن النظام في المغرب وظّف ظروف الحجر وظروف الكوفيد 19 من أجل قمع كل الوقفات والمظاهرات الرافضة للتطبيع، وفي تونس أيضاً الموقف الرسمي واضح لغاية الآن وهو رافض للتطبيع، بل هناك حديث عن قانون لتجريم التطبيع.

لو أردنا الحديث عن الخليج، صحيح أن هناك بلداً واحداً فيه تقاليد يساريّة وهو البحرين، ولكن هناك ظلم واضطهاد مطلق هناك، ولكن عندما نشاهد اليمن والموقف المبدئي من رفض التطبيع، فهذا يثلج صدورنا جميعاً مع أنهم ليسوا يساريين، ولكن على صعيدنا نحن؛ فنحن مواقفنا مبدئية منطلقة من تاريخنا وطوال الفترة الماضية كنّا ندعم توجهات الحكومات الرافضة للتطبيع وكنّا نؤيّد ذلك لأنّ هذا هو موقفنا، ودعمنا أيضاً رفض دولة الجزائر تصنيف حزب الله بالإرهاب في القمة العربية، كما دعونا الدولة الجزائرية لرفض توقيع أي لائحة في الجامعة العربية تدين إيران وتجعلها العدو بدلاً من الكيان الصهيوني، وتحويل كفاح الشعوب خدمة للكيان الصهيوني، وكل هذه قضايا جوهرية.

اليسار في القارة الإفريقية ومختلف القرارات يواجه ظروفاً صعبة لأنّ بعض الأحزاب اليسارية؛ شاركت في الحكم وتصرّفت كأنها أحزاب يمينيّة، بل كأبشع من ذلك، واليوم في كل المعمورة مطروح إشكالية جديدة تتعلق بإعادة بناء تمثيل سياسي جديد للفئات العمالية والشعبية الواسعة ولا يمكن بطبيعة الحال إلّا أن يكون هذا البناء يسارياً، لأنّ الأحزاب التقليدية أفلست لكونها دعمت أنظمة ديكتاتوريّة، واليوم في كل البلدان تواجه كل الصعوبات، واليوم عندما نتحدّث عن نصرة القضية الفلسطينية ليس شرطاً أن يكون ذلك حكراً على اليسار لأنّ اليسار تم تفتيته، وأذكر عندما ذهبت ل مصر في العام 1993 صُدمت من أن الحزب الشيوعي المصري الذي أصبح عشرات الأحزاب، وعندما نرى تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، وتاريخ الحزب الشيوعي السوري أيضاً كذلك، وفي بلادنا واجهنا ولو جزئياً مثل هذه الانقسامات، لكن نحن لدينا نوع من الخصوصيّة لأن الثورة كانت تحريرية، والشيء السلبي منذ بداية الثورة أنّه فرض على الأحزاب أن تنصهر داخل جبهة التحرير لتشارك في الحرب التحريريّة كشرط، أي لم يكن باستطاعة أي حزب أن يلتحق بالكفاح المسلح كحزب، ونتيجة لذلك بعد الاستقلال تأسّس نظام الحزب الواحد.

* ما المطلوب من القوى الثورية العربيّة لمواجهة التوحّش الأميركي، خاصّة باتجاه تحصين الشعوب العربيّة في مقابل استسلام الأنظمة للمشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة؟

** الأمور الآن أصبحت واضحة، والشيء الإيجابي في هذه الضربات الأخيرة ومع أنها خنجر ضد القضية الفلسطينيّة، لكن في نفس الوقت جلبت الفرز، وأقول الآن، الصورة أصبحت واضحة أي يجب ألّا ننتظر أي شيء من هذه الأنظمة، فهي أنظمة عميلة للإمبرياليّة لا يمكن أن تخدم القضية الفلسطينية ولا تخدم شعوبها، هل ننتظر مثلاً من النظام البحريني أن يدعم القضية الفلسطينيّة وهو يضطهد الشعب البحريني برمته؟ هذا لا يمكن، كل الأنظمة التي تتسلّط وتجوّع يجب ألّا نرتكز عليها.

الإمبرياليّة أسست كيانات في المشرق حتى تكون أدوات لها لتستعملها، وفي الأعوام 1946-47-48 أصبحت الأمور واضحة وهذه الأنظمة هي التي قالت للفلسطينيين اخرجوا من فلسطين ونحن سنُحارب ونعيدكم إلى فلسطين فيما بعد، وهذا في الواقع جزء من الخيانة والتكالب على الشعب الفلسطيني رغم المجازر والإبادة، وهذا من قِبل أنظمة ادّعت دعم القضية الفلسطينيّة، والتي في عامي 1948-1967 قرّرت طرد اليهود من كل بلدانها، وأقول أن هواري بومدين كان من أكبر المدافعين عن الثورة الفلسطينيّة، ولكن أعتقد بناء على تغليط أو سوء فهم من قبل أنظمة عربية قرر طرد اليهود من الجزائر وهم جزائريين، ورحلوا إلى أين؟ إلى فلسطين والكيان الصهيوني تقوّى عددياً بالسكان، وهذا كان هدفه من الأساس استجلاب اليهود إلى الأرض المحتلة.

أؤكّد أن الأمر يتعلّق باحتلال استيطاني أقرته الإمبريالية العالميّة من أجل تعويض اليهود عن محرقة الهولوكوست، وبالتالي هذا المسعى الخاص بالقومية العربية هو الذي خلق الثورة الفلسطينيّة، لأنّ الثوار في فلسطين كانوا ينتظرون من الأنظمة العربية أن تنصرهم وتقدم لهم كل الدعم، ولكن في الواقع بالنسبة لبعض الأنظمة كان الدعم صورياً وكانوا يخططون لاغتصاب الثورة الفلسطينيّة وفلسطين وتسليمها كهدية للكيان الصهيوني وللإمبريالية الأمريكيّة وأذنابها، وأنا تتبعت موجة التطبيع الأخيرة، وكيف أنّ هناك وقاحة لا تُطاق في بعض دول الخليج، أيعقل أن يكون الانسان مفبركاً إلى هذا الحد؟ بالأمس كانوا يناصرون فلسطين وقضيتها واليوم يعشقون اليهود ويروجون للسياحة المشتركة، وهذا استفزاز كبير، ولكن في ذات الوقت هذا يوضّح للشعب الفلسطيني أنّه لا يمكنه أن يتكل على هذه الأنظمة، وصحيح أن هناك أوضاعاً هشّة وهناك بعض الأنظمة لم تنبطح بعد، والدولة الجزائرية اليوم حتى تتمكّن من مقاومة المدّ الإمبريالي والصهيوني يجب أن تقوي الجبهة الداخليّة للجزائر وتُعيد الكلمة للشعب الجزائري وتستجيب للمطالب والتطلعات في الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي حتى نتمكّن من نصرة الثورة الفلسطينيّة، وأذكر في سنة 1947 كان هناك حزب الشعب الجزائري الذي طرح مسألة الاستقلال للجزائر واجه قمعاً شرساً من قِبل المُستعمِر الفرنسي، وعندما بدأت مسألة التقسيم والتصويت عليها في الأمم المتحدة كان هناك مناضلون سافروا مشياً على الأقدام من الجزائر إلى فلسطين لنصرة الشعب الفلسطيني وللتصدي لتجزئة فلسطين؛ نحن لدينا علاقة جيّدة جداً مع فلسطين خاصّة بعد الاستقلال، وأول تصريح كان للراحل أحمد بن بلّة: لن يكتمل استقلالنا إلّا عندما تستقل فلسطين، وفلسطين جزء من قضيتنا الوطنيّة.

* كيف تقرأون تطورات الوضع في دولة المغرب على صعيد التطبيع مع العدو الصهيوني وما يجري داخلياً وعلى صعيد تونس و ليبيا لجهة الأوضاع السياسيّة والأمنيّة المطربة وفي ظل تواصل الأزمات وتأثيراتها المتوقعة على الجزائر؟

** كل هذه الأمور أثرت سلباً على الجزائر، والجزائر مستهدفة، ولكن ليس بسبب ما يتعلق بتونس، تونس كان فيها ثورة أصيلة وحقيقيّة عام 2011، ولكن التكالب الدولي عليها ومن قبل أنظمة عربية حرف هذه الثورة، وما يسمى بالثورات العربية التي فشلت وتم اجهاضها لم تفشل فقط بسبب التدخلات الخارجية، لأن هذا الطبيعي جدًا أن تتكالب الإمبرياليات والأنظمة الرجعية على الثورة؛ لأن لا تسمح لها بأن تفوز وتنتشر وترتكز عليها الشعوب الشقيقة وتصعّد وترفع من مستوى المطالب، ولكن المسؤولية هنا تقع على ما يسمى بالنخب الذين أفرغوا الثورات العربية من مضامينها الاجتماعية والاقتصادية، وحافظت فقط على مطلب رحيل الأنظمة والديمقراطية وكأنها ثورات برجوازية، وكأننا بلدان من شرق أوروبا في عهد الاتحاد السوفييتي وهذا غير منطقي بتاتاً.

اليوم الثورة المضادة هي التي تنتشر، والنخب لم تلعب دورها فيما يتعلق في الأيديولوجيات، ونحن اليوم في الجزائر ترتفع أصوات من طرف ديمقراطيين وإسلاميين يطالبون بترك الإيديولوجيا جانباً، بينما هناك أطراف أخرى خفية تستعمل كل الوسائل من أجل تمرير مشروعها الرجعي، وهنا توجد خطورة كبرى، ويجب ألا نقع في فخ نظام الحزب الواحد أو في ظل نظام رجعي أكثر، ونحن كحزب رفضنا كل هذا، وهناك أطراف تتهجم علينا، حيث نؤكّد أننا لا يمكن أن نكرر الخطأ التاريخي في العام 1954 بأن تذوب الأحزاب داخل كيان غير واضح وفيه أطراف لديها الأموال الطائلة ووسائل الإعلام التي تدعمها دول في الخليج وتدعمها تركيا وتدعي الديمقراطية، نحن نعتبر أن الشعب عندما خرج كان من أجل التحرر الكامل؛ السياسي الديمقراطي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ولا يمكن أن نجزئ الثورة وأن نتوقع أن تنتصر الثورة بمحطات، فكيف يمكن لنا أن نتوجه لعامل لم يتقاضى راتباً منذ 13 شهراً أو 18 ونقول له ما رأيك في طبيعة النظام وفي كذا وكذا؟ وكيف يمكن لنا خوض معركة انتخابية وأطلب من عامل أو شاب تحول إلى البطّالة ومنبوذ وأطلب منه توقيعه حتى أصبح نائباً في المجلس التشريعي الوطني؟ أليس هذا استفزاز، بل يمهد لنفور الأغلبية عن الثورة من العمال والشباب؟

التداعيات في المغرب بما يتعلق بالتطبيع؛ نقول إن التطبيع المغربي ليس جديداً، وعلق التطبيع بقرار عربي والقمع الشرس الذي كان يمارسه الكيان الصهيوني آنذاك، ولكن لم يقطع العلاقات نهائياً، ولكن تاريخ الشعب المغربي متضامن مع القضية الفلسطينية كلياً، ونحن كحزب متمسكون جداً بتقاليد نجم شمال إفريقيا يعني علاقات التآخي والتآزر ما بين الشعوب الثلاثة التونسي والجزائري والمغربي من الاستقلالات الوطنية، ولن ننسى أبداً أن أول بلد دعمنا في الثورة الجزائرية هو المغرب الشقيق ثم تونس، ولا يمكن أن نتخندق في أي مسار يؤدي إلى حرب في المنطقة لأنّنا نرفض أن تسيل أي قطر ة دم لا جزائرية أو مغربية تحت أي ظرفٍ كان، ونحن نرى أنه يجب أن تعالج المشاكل من قبل المغاربة لأن القوى العظمى لا تريد الاستقرار في منطقتنا ولا تحب أي شعب أو حتى شعوبها، بل هي تبحث عن مصالحها، وأي حرب تنشب في منطقتنا ستخدم فقط صناع الأسلحة الإمبريالية وتفرض علينا تواجداً عسكرياً دائماً بالمنطقة، ويجب على الشعوب المغاربية وشعوب المشرق أن تتخلص من هذه الأنظمة التي تطبّع العلاقات لمصالح الإمبريالية، والتطبيع المغربي أكيد خطر على الجزائر، والكيان الصهيوني منذ أكثر من عقد من الزمن يسعى من أجل اقتحام الاتحاد الإفريقي، فهو يريد التغول إلى كل مكان، ويتلقى الدعم من كل مكان من الأموال الطائلة ليشتري فيها ذمم أنظمة أفريقية تعاني من المديونية الخارجية والفقر في بلدانها، والآن عودة العلاقات رسمياً ما بين المغرب والكيان الصهيوني يشكّل خطراً على الجزائر في إطار الابتزاز الأمريكي للجزائر، وعندما يوظّف ترامب ورقة الصحراء الغربيّة يمارس ضغطاً على الجزائر من أجل الاعتراف بالكيان الصهيوني، ونؤكّد أنّه لغاية الآن الموقف الجزائري لم يتغيّر بتاتاً.

نحن متضامنون مع نضالات أشقائنا في تونس وفي المغرب، فهؤلاء مناضلون يقاومون التطبيع في ظل ظروف صعبة، وينددون بتوظيف كوفيد 19 لأغراض سياسيّة، حتى تطبيع العلاقات مع الكيان جاء في ظل الحجر الصحي، وفي ليبيا أيضاً هناك دور للإمبريالية الفرنسيّة ولتركيا دور وللنظام المصري دور في محاولة تمزيق ليبيا ليستحوذ كل طرف على منطقة من المناطق في ليبيا بلد الثروات، وصحيح أن نظام القذافي كان هش جداً، ولم يكن نظاماً ديمقراطياً، ولكن ساركوزي لعب دوراً كبيراً من أجل تمزيق ليبيا وإدخالها في دوامة، وهذا أيضاً يؤثّر علينا مباشرة ويهدد حدودنا، ونحن فعلاً في خطر لأن هذا السلاح المنتشر في يد المجموعات المنتشرة تشكل خطراً كبيراً علينا، وهناك خطّة أمريكيّة ترمي لتفتيت منطقتنا في إطار مخطط الشرق الأوسط الكبير الأمريكي على أسس قبلية وعرقية، ولكن لغاية الآن فشلت كل محاولاتهم، ولكن نعلم أن الإدارة الأمريكيّة لن تتخلى عن أهدافها التوسعية لأنها تريد فرض تواجد عسكري في كل مكان.

في منطقتنا الآن هناك قنابل موقوتة، والإمبريالية توظّف ملف الصحراء الغربية وتسعى من أجل تفجير الأوطان، ونحن كنّا تعساء عندما شاهدنا تمزيق السودان ، والآن الأوضاع مأساوية في كل مناطق السودان؛ لأن ثروات الشعب السوداني تصادر، وهناك مسؤول أمريكي قال: سمعت الآن أن الجزائر أصبحت أكبر بلد إفريقي، ولكن هل هذا النظام قادر على تسيير بلد بهذا الحجم؟!.. هذا معناه تهديد حقيقي للجزائر، وحاولوا في السابق عدّة مرات زعزعة استقرار الجزائر، والبنتاغون كانت تشير في تقاريرها أن الجزائر ستشتعل فيها نيران الفتنة بمناسبة رئاسيات 2014، ولهذا السبب عزز البنتاغون من وجود المارينز في عدّة مناطق تحسباً للتدخل السريع في الجزائر، لكن الشعب الجزائري تصدى لكل هذا، ولأن الشعب الجزائري بعد 10 سنوات إرهاب وقتلى وضحايا، ليس مستعداً أبداً أن يعود لهذه المرحلة الفظيعة.

نقول أنّ الدولة الجزائرية عندما تصبح قوية بنظام قوي بثقة الشعب والديمقراطية؛ تستطيع آنذاك المساعدة في تشكيل تكتل آخر، وتساعد ليس فقط الثورة الفلسطينية أكثر من الآن، بل تساعد الشعب اليمني الشقيق وتساعد سوريا أكثر رغم موقفنا المبدئي إزاء سوريا القائم إلى غاية الآن.

* أزمة كوفيد 19 أظهرت النظام الرأسمالي على حقيقته، وبيّنت جشع هذا النظام.. كيف تنظرون إلى تطورات هذا النظام ومستقبله على الصعيد العالمي؟ وما هو مصير الطبقات الشعبية والنقابات العمالية في مواجهة هذا النظام المتوحّش على مستوى العالم؟

** من الواضح أن كوفيد 19 وطريقة مواجهته ومعالجته من قبل الحكومات والأنظمة الرأسمالية والحكومات أسقطت القناع كلياً عن مدى وحشية هذا النظام الرأسمالي الإمبريالي؛ سواء في الولايات المتحدة أو القارة الأوروبية وفي كل القارات، ونقول أنّ القارة الإفريقية هي التي نوعاً ما عدد الضحايا فيها قليل مقارنةً بأمريكا وأوروبا، والوحشية الآن أصبحت واضحة، فمثلاً في البرازيل؛ هناك نظام فاشي لم يعترف بوجود المرض أصلاً ولم يقرر الحجر، وقام بتوظيفه من أجل التهجّم على كل المكاسب الديمقراطيّة والسياسيّة الاجتماعيّة، وبوادر الثورات موجودة وهناك مؤشرات انطلقت في 2019 وكان هناك وضع ثوري، بل في عدة بلدان وأماكن في المعمورة وبدأت المسيرات العمالية تنفجر، ونقول أن الفيروس أوقف هذه المسيرات، ولكنه لم يوقف التعبئات.

هناك إشكالية حقيقيّة مطروحة لها علاقة بالتمثيل السياسي للعمال والمستقل، لأن الأحزاب التقليدية الآن أصبحت مرفوضة اليوم في كل المعمورة، وهناك أحزاب مسماة بالاشتراكية وتنتسب صوراً للاشتراكية طبّقت سياسات فظيعة وإجرامية بحق العمال، وهذا ما فتح النقاش الآن حول خلق أشكال جديدة من التمثيل السياسي المستقل، والنقابات اليوم أمام اختبار تاريخي لأن قيادات النقابة مساءلة أيضاً، ونحن في الجزائر في بداية المسار الثوري قالت النقابات المستقلة أنّه لا يجب إدراج المسائل الاقتصادية والاجتماعية وهذا خطأ، ولكن الآن راجعت مواقفها وتناقش الأمر، في وقت لم يلعب الاتحاد العام للعمال الجزائريين دوراً بشكل كامل في الثورة، بل أحدث قطيعة مع ماضيه وتاريخه سواء بعد الثورة التحريرية أو بعد الاستقلال، وهو الذي قاد المسيرات الشعبية ضد مخاطر الحرب الأهلية تحت شعار "سبع سنوات بركات" أي كفى، والكثير من التنظيمات النقابية لها مشكلة في هذا الجانب، ووضع العمال الفلسطينيين أيضاً اليوم أصعب من وضع العمال في البلدان الأخرى.

في المشرق توجد اتحادات نقابية وكأنها أجهزة لسلطات الدولة، وتوجهها مطروح على المحك، إمّا القيادات النقابية تتحمل مسؤوليتها وتطرح القضايا والانشغالات الخاصة بالعمال وتنخرط في المسارات الثورية أو أن يقوم العمال بكنس كل هذه النقابات وتأسيس نقابات جديدة، وكانت الحكومة دائماً تسعى من أجل تفتيت كل النقابات والأطر من أجل اضعافها، وهذا النقاش فُتح الآن داخل الأطر النقابية، واليوم مستقبل النقابات مرهون ومشروط في مواقفها إزاء الأوضاع التي ترتبت عن تسيير الحكومات الإمبريالية الرأسمالية والحكومات والأنظمة الموالية لها فيما يتعلق بكوفيد 19 وفيما يتعلّق بالسقوط الجهنمي في الجانب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والديمقراطي، ونحن في الواقع انطلاقاً من المعطيات التي تصلنا ومن نقاشنا المفتوح؛ متفائلون لأنّ هناك مناضلين ومسؤولين عماليين من عشرات البلدان يتبادلون الآراء حول تنظيم العمال، لأننا في بلداننا المضطهدة نختلف عن البلدان الرأسمالية التي يوجد فيها طبقات برجوازية، لأنها ليس علاقة بالصناعة وإنتاج الثروة وتكون في غالب الحالات تابعة للإمبريالية، وهناك الأغلبية الواسعة من الشعب العامل وفي مقدمته الطبقة الشغيلة. وبالنسبة لنا طبقة الشغيلة في الجزائر هي وحدها القادرة على قيادة الثورة، ولكن حتى الآن لا يوجد قيادة للثورة، وهناك أطراف تسعى من أجل تحريف الصورة وتغيير طبيعتها وحرفها نحو مسار مشروع ظلامي والإدارة الأمريكية يعجبها مثل هذا التوجه، ليس فقط في الجزائر وإنما في كل البلدان العربية من أجل القضاء على طبقة الشغيلة وعلى استقلالية النقابات باسم الدين، ولكن رغم أن هناك تيارات دينية وطنية تتصدى لهذا المد الرجعي.

بالنسبة لنا الخروج من النظام الموروث عن نموذج الحزب الواحد؛ يُطرح كضرورة أننا نتوجه نحو الجمعية التأسيسيّة، وبعد الاستقلال في سنة 63 كان هناك جمعية تأسيسيّة، ولكن مزيّفة وفرض عليها نظام الحزب الواحد، ولكن قادة الثورة رأوا في حينه أنّه لا يمكن لنا أن نمر إلا من خلال هذه الجمعية التأسيسية.

* المعركة مصيرية من الجزائر إلى فلسطين.. هل هناك كلمة تودين توجيهها للشعب الفلسطيني عبر مجلة الهدف؟

** نقول للشعب الفلسطيني أننا نتتبع يومياً وبكل وسائل الإعلام المتاحة أوضاع ونضالات وتطورات وكفاحكم المتواصل، وكنا أخيراً استعدنا الأمل في توحيد الشعب الفلسطيني، في كل الأحوال نحن نسجّل يومياً أن كفاحية الشعب الفلسطيني لم تتراجع بتاتاً، بغض النظر عن الأوضاع المأساوية بفعل الخيانات والحصار والتكالب العربي وغلق المخارج والمداخل والإرهاب الصهيوني، لكن نحن بالنسبة لنا هذه التطورات في السنة الماضية بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني والهرولة تجاه الكيان والإدارة الأمريكية من قبل بعض الأنظمة العربية العميلة هو عنصر فرز مهم بالنسبة للقضية الفلسطينية، وللأسف لا نتمكن من الخروج بفعل الاغلاق، ولكن دعمنا كحزب عمال للثورة والقضية الفلسطينيّة غير مشروط، ونؤكّد دائماً أن القضية الفلسطينيّة لا يمكن أن تموت لأنه لا يوجد ما يخسره الفلسطينيون داخل فلسطين أو حتى في المخيمات في الخارج، والمخرج الوحيد للشعب الفلسطيني الذي سيحرره من الكيان الصهيوني هو العودة إلى ميثاق منظمة التحرير الذي يطرح المخرج الديمقراطي الحقيقي الدولة الفلسطينيّة الواحدة على كامل التراب الفلسطيني لكل فلسطيني بغض النظر عن الديانة والعرق والثقافة والأصل، لأن كل التجارب الأخرى فشلت وباعتراف الجميع، ونحن من بين الأطراف التي لم تدعم بتاتاً أو كان لديها أوهام بما يتعلق باتفاقات أوسلو، بل نقول أن الشعب الفلسطيني دفع ثمناً باهظاً، وهناك تقهقرات عدة في قضيته، ولكن لا يضيع حق ورائه مطالب، والثورة الجزائرية انطلقت منذ أن وطأت أقدام المستعمر أرض الجزائر في عام ،1830 وأخذت مختلف الأشكال من ثورات ومقاومات وانتفاضات، ثم تشكّلت الحركة الوطنية الجزائرية من نقابات وأحزاب وتنظيمات، وعندما لم ينتزع الشعب الجزائري حريته واستقلاله بالنضال السياسي؛ اضطر إلى أن يلجأ للكفاح المسلح، ولكن الثورة الفلسطينية عرفت مساراً مختلفاً عكس المسار الجزائري، ومن الواضح الآن أن عودة الثورة الفلسطينية بكل أشكالها هو المخرج، فللشعب الفلسطيني أجيال من القيادات التي لديها الخبرة والحنكة، ونحن على يقين أنه مثلما انتصر الشعب الجزائري ودفع الثمن الباهظ؛ اليوم يدفع الشعب الفلسطيني ثمناً أيضاً.

أن الكيان الصهيوني زادت وحشيته لأنه يرى مقاومة الشعب الفلسطيني داخل أراضي 1948 بالذات ورأى هذا الكيان أنه لا يستطيع أن يقتل الثورة الفلسطينية، لأن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق وسيستعيد حقه في يومٍ من الأيام، ونحن نتتبع التطورات داخل أراضي 48 وكيف يتخبط الكيان الصهيوني في مشاكل وأزمات لا تحصى لها علاقة بالفساد وأزمة كوفيد؛ إذن نؤكّد أن هذا الكيان مصيره الزوال، والثورة الفلسطينية سوف تنتصر وسوف يستعيد الشعب الفلسطيني أراضيه وسوف يعود كل اللاجئين من المهجر إلى بلادهم ليلتم الشمل من جديد وليؤسس الشعب الفلسطيني الدولة الفلسطينية المطابقة لتطلعاته بالمؤسسات التي تسمح له بممارسة سيادته بالكامل، ونتمنى أن نكون على قيد الحياة لنتمكّن من زيارة فلسطين.

أجرى الحوار: د. وسام الفقعاوي

تحرير: أحمد بدير