Menu

ممالك الأوهام

بوابة الهدف الإخبارية

لا تتأثر المنظومة السياسية الرسمية الفلسطينية بالمتغيرات كثيرًا؛ خصوصًا إذا كانت هذه المتغيرات تتعلق بشعبها، وليس بالأطراف الدولية المانحة وغيرها، فلا زالت تدور في ذات الفلك الذي تكفل بإنتاج الخيبات طيلة السنوات الماضية.

"فضيحة اللقاحات الثالثة" هي آخر ما أنتجه الجسم الحكومي للسلطة الفلسطينية، حيث تورط في شراء لقاحات شارفت صلاحياتها على الانتهاء من العدو الصهيوني، ليتضح لاحقًا كونها منتهية الصلاحية، واللافت في هذا أن أي من الفلسطينيين لم يعرف بالأمر إلا حينما تكفل العدو وإعلامه بالنشر حوله، وإلا لكانت هذه اللقاحات تسري في أجساد الفلسطينيين الآن، أما الأهم في هذا الجانب كان اصرار الاحتلال على فضح صفقة هي في مصلحته ومن تصميمه، وبصيغة تحقيرية واضحة، وكأنه يريد رد اعتباره أمام الفلسطينيين بالقول لهم "أنتم أدنى وألقي لكم بنفاياتي"، ذلك بعد أن كسرت الهبة الأخيرة أنف المحتل أمام عموم الفلسطينين والعرب وأحرار العالم، وفضحت هشاشته وزيفه.

بالطبع يسير هذا الملف للكنس تحت طاولة السلطة الفلسطينية كغيره، فلا محاسبة ستحدث أو حتى مراجعة جدية للمسؤولين، ولا داعي لنذكر أن التفرد في رأس الهرم السياسي بات غطاء لجزر من النفوذ يتفرد في كل منها آمر ناهي، وبؤر لمراكز قوى سيعاني شعبنا للخلاص منها في سبيل بناء مؤسسات وطنية حقيقية قادرة على اعانته في معركته لأجل التحرر الوطني.

سياسيا لم تنتهِ المنظومة الرسمية الفلسطينية من رهاناتها البائسة على خيار المفاوضات، ويبدو أن كل ما أحدثته الهبة العارمة لشعب فلسطين لا يقع ضمن حسابات السياسي الفلسطيني، حيث تتنامى اخبار عن مسعى جديد لمفاوضات استكشافية، وهو ما كان محط لاستنكار وطني في هذه المحطة وسابقاتها.

إن الرهان اليوم على تعديل أو اصلاح لهذا المسار يعادل الجنون والوهم والهلوسة، فلا أفق لبناء سياسي منفصل عن الجماهير وحراكها، لا يستلهم الهبة الشعبية والفعل الوطني المتصاعد، ولا يسعى لخدمة جماهير هذا الشعب، أو يمتثل لإرادتها في قتال العدو الصهيوني، أو في البناء الوطني لمؤسسات تستحق الاحترام وتعمل في خدمة شعبها لا في امتصاص دمه وخدمة عدوه وإعاقة مسيرته النضالية من خلال الفساد وسوء الإدارة والتفرد، فعلى ما يبدو وفرت ظروف التكلس السياسي والافتقاد للبوصلة الوطنية لدى البعض فرصة ممتازة لبناء ممالكهم الخاصة في فضاء ووطن يسيطر عليه الاحتلال ويعاني شعبه يوميًا في مواجهة ما يفرضه من أشكال التنكيل.