Menu

انتصار طالبان في أفغانستان

ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام والتطبيع

د. نزيه خطاطبة

ما حدث في أفغانستان وانتصار طالبان في مواجهة أقوى دولة في العالم وما أعقبه من حالة فوضى في مطار كابول وصور الهاربين وهم يتسلقون عجلات وأسطح الطائرات الأمريكية وغيرها وسقوط عدد منهم أعادت للأذهان صور الهزيمة والفرار الأمريكي من فيتنام في مطار سايغون قبل 46 عاما، وصور هروب جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000 متخلين عن أعوانهم وجواسيسهم. صور الفوضى والهزيمة شكلت زلزالا أصابت ارتداداته كافة حلفاء الولايات المتحدة وأعوانها وكذلك المناوئين لها، وخاصة المؤمنين بفكر المقاومة لمواجهة الاحتلال، وخاصة امريكا وحليفتها إسرائيل.

ارتدادات الانهيار المفاجئ للجيش والحكومة الأفغانيين وسيطرة حركة طالبان على البلاد؛ دفعت بتفاقم التناقضات والاتهامات المتبادلة بين أركان الإدارة الأمريكية وبين حلفائها. وعملت الإدارة الامريكية على إلقاء اللوم على الحكومة والجيش الأفغاني الذي انهار بسرعة؛ أسرع مما كان متوقع له وسلم العاصمة كابول دون إطلاق رصاصة واحدة بعد هروب الرئيس والقادة المتنفذين، حيث أعلن رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي أنه لم يكن هناك أي مؤشر على أن الجيش والحكومة الأفغانيين سينهاران خلال 11 يوماً وأن حركة طالبان ستسيطر بهذه السرعة الفائقة على كامل أفغانستان.

وفور انتشار خبر الهزيمة الأمريكية وفيما توجهت الاتهامات للرئيس بايدن والاستخبارات الامريكية التي فشلت في تقدير الأمور، فقد ظهرت نظيريتان لدى بعض المتابعين والمحللين؛ أحداها وهي نظرية المؤامرة تقوم على تقديم فرضية وجود خطة أميركية منسقة ومتفاهَم عليها مع حركة طالبان؛ تظهر الانسحاب الأميركي وكأنه خطة متفق عليها مع طالبان بمساعدة وضغط من قطر لتسليم أفغانستان، وتجييره لحركة طالبان لتتولى إرباك المشهد الإقليمي، وتحويل أفغانستان إلى مشكلة لجيرانها وخصوصاً إيران وروسيا والصين، وبرروا الانهيار السريع للحكومة الموالية للأميركيين وجيشها بانه جاء بقرار أمريكي مقابل التسهيلات الممنوحة لطالبان لتحقيق تقدم سريع نحو العاصمة كابول. أصحاب هذه النظرية يعبروا أو ما زالوا تحت تأثير فوبيا القدرة الأميركية، واستحالة أن تهزم وتذل بهذه السهولة التي ظهرت بها مشاهد أفغانستان، خصوصاً أن تداعيات الهزيمة كبيرة ولن يكون سهلاً حصرها في أفغانستان.

في مقابل ذلك أصر البعض الآخر وهم من يؤمنون بنظرية المقاومة والصمود بأن ما حدث هو هزيمة ساحقة لأمريكا واحتلالها لأفغانستان على يد قوات طالبان التي قاتلتها 20 عاماً بإمكانيات ضعيفة، ولكن بإرادة قوية وصمدت وأثمر ذلك بانتصارها؛ مستغلة طبعاً الأخطاء الأمريكية وانتشار الفساد في أركان الحكومة والجيش الأفغاني الفاقد لإرادة القتال، والتي تدعي الإدارة الأمريكية أنها أنفقت مليارات الدولارات على بنائه وتسليحه.

لو أن أمريكا خلال فترة العشرين عاماً الماضية؛ قامت بمساعدة المجتمع الدولي لها بدور تنموي حقيقي لإعادة تأهيل المجتمع الأفغاني لما تفكك الجيش الأفغاني بهذه السرعة ولما حدثت فوضى محاولة هروب أكثر من 100 ألف متعاون، أي جاسوس لأمريكا والغرب من البلاد وتعلقهم بعجلات الطائرات. الولايات المتحدة تعمدت طيلة السنوات الماضية على إهمال وتجاهل وتهميش وإذلال وترك الأفغانيين؛ غارقين في فقرهم وتخلفهم وجهلهم، كما تفعل نفس الشيء في العراق وشمال سوريا وفي أي بلد في العالم تحتله قواتها.

تجربة طالبان تقدم خبرة جديدة لحركات المقاومة قوامها أنه ليس ضروريا مطاردة العدو حتى الرحيل قتالياً ليتحقق النصر، بل أن الصمود وحده يمكن أن يصنع نصراً عندما يزرع اليأس في عقول العدو عن امكانية تغيير الواقع، حيث لخص الرئيس الامريكي بايدن المعادلة، بقوله "لو بقينا عشرين عاماً أخرى فإن شيئاً لن يتغير". ولكي نستطيع أن نصل إلى ما وصلت إليه حركة طالبان، وأن نحقق ما حققته، ونحرر أرضنا، ونجبر العالم كله على الاعتراف بنا، يجب أن نكون مثلها ثباتا على الموقف، وإصراراً على الحق، وتمسكاً بالبندقية، وألا نتنازل عن ثوابتنا، أو نفرط في أي جزء من أرضنا مقابل تحسينات معيشية ومساعدات اقتصادية ومالية، وأن نحافظ ونقدس وحدتنا مهما اختلفنا حول القضايا الثانوية التي يمكن تأجيلها لمرحلة ما بعد التحرير.

صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية نشرت مقالاً للكاتب، سيث فرانتزمان، يقول فيها “إن الانهيار السريع لأفغانستان والطريقة التي صُدم بها المسؤولون السياسيون والعسكريون الأميركيون؛ فضلاً عن الخبراء من مختلف مراكز الأبحاث، من سرعة الانهيار، هو رمز لتحدٍّ أكبر تواجهه الولايات المتحدة اليوم. بعد أفغانستان؛ سيتعين على الولايات المتحدة طمأنة الحلفاء والشركاء بأنها ستبقى في مكانٍ ما في العالم”. ويتابع “بأن المخاوف بشأن دور الولايات المتحدة في العراق وسوريا تشغل بال الناس أيضاً؛ هل ستؤدي أفغانستان إلى تآكل المزيد من الثقة بواشنطن وادعاءاتها بأنها ما زالت ملتزمة تجاه المنطقة؟”.

المخاوف بشأن دور الولايات المتحدة في العراق وسوريا تشغل بال الناس أيضاً؛ هل ستؤدي أفغانستان إلى تآكل المزيد من الثقة بواشنطن وادعاءاتها بأنها ما زالت ملتزمة تجاه المنطقة، وسوف يحفز انهزامها المقاومة في هذه البلدان و فلسطين لتصعيد مقاومتها وتحديها للمحتل؛ فقد سارع السيد نصر الله يوم الخميس على تحدي الولايات المتحدة وإسرائيل وأعوانهما بإعلانه إبحار أول سفينة من إيران محملة بالمازوت؛ مهدداً أمريكا وإسرائيل قائلاً: «هذه السفينة منذ اللحظة التي ستبحر فيها ستصبح أرضاً لبنانية»؛ السفينة الآتية من إيران أقول للأمريكيين وللإسرائيليين هي في أرض لبنانية، ولا تدخلوا معنا في تحدٍ يرتبط بعزة شعبنا وإذلال شعبنا..

وعن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؛ اعتبر السيد نصر الله أن «مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين تبقى في رأس أولويات المقاومة».

نعي بأن الولايات المتحدة التي أصيبت بغرورها وكبريائها وسمعتها لن تتخلى بسهولة عن افغانستان ونفوذها في المنطقة وسوف تحاول لملمة المعارضين لحكم طالبان لنشر الفوضى والاقتتال الأهلي، لعدم تمكين طالبان واستقرار البلاد ولجر دول الجوار، وخاصة الصين وإيران إليها وإعاقة تنفيذ مشاريع تطوير المنطقة، وخاصة طريق الحرير والغاز عبر أفغانستان. إن مواجهة خطتها يعتمد على وحدة حركة طالبان وموقفها وسياستها في إدارة البلاد وعلاقتها مع دور الجوار؛ مستفيدة في ذلك من تجربتها السابقة واعتبار أفغانستان لكل الأفغانيين، وليس حكراً على جماعتها، والحفاظ على الحريات المدنية وإعطاء المرأة حقوقها ونشر سياسة التسامح.