ليس هناك دلالة أكثر على كارثية وضع المشروع السياسي من إعلان اقتراض السلطة من العدو لتسديد عجز موازنتها.
800 مليون دولار هي الستارة التي يضعها عدونا فيما يقتل أطفالنا؛ ستارة يسهم في تغطيتها لمشهد الدم والقتل الطرف الفلسطيني الذي ارتضى هذه العلاقة مع العدو منذ جذورها الأولى، فما أمامنا منظومة تخضع في موازنتها وممارساتها وسياساتها للاحتلال، ويتم طمر المطالب والنضالات والعذابات الفلسطينيّة تحت تراب المصالح المشتركة بين الاحتلال والمنظومة المهيمنة على المؤسّسات الفلسطينيّة.
لا يمكن ايجاد المزيد من المبررات حتى من أكثر المتحمسين لمشروع السلطة، فلقد تم تدريجيًا تجريدها من كل بعدٍ سياسي لوجودها، وهيمنت الإدارة المدنيّة الاحتلاليّة على أدوارها وباتت ترسم حدود صلاحيّتها.
وبينما تبدو العلاقة مع العدو بهذه السلاسة واليُسر بالنسبة للشريحة المهيمنة في السلطة؛ تظهر تشددًا أكبر في كل ما يتعلق بالمصالحة الوطنيّة الفلسطينيّة، بل وتتبنى شروطًا جديدة فيما يتعلّق بهذه المصالحة، وتظهر أقصى درجات عنفها في قمع المعارضين، والاعتداء على المناضلين من أبناء الحركة الوطنيّة.
إنّ مُضي هذه السياسات المُعاكِسة للإرادة الشعبيّة يضع السلطة تحت رحمة الاحتلال فعليًا، ويرسلها لموضع نقيضٍ يلفظها فيه الجمهور الفلسطيني، وهو ما عكسته نتائج معظم العمليات الانتخابيّة التي جرت في فلسطين المحتلة خلال السنوات الأخيرة، وآخرها انتخابات نقابة المهندسين؛ فالمعطيات تقول أنّ الجمهور الفلسطيني الواعي لقضيته وحقوقه على اختلاف شرائحه، يُعاقب كل ما يرتبط بالمسار السياسي الحالي، وكل من يتولى الدفاع عن سياسات القمع أو يلتصق بها أو يستفيد منها، وكل من يُسهم في الحاق هذا الأذى بالمشروع الوطني الفلسطيني التحرري.
فلسطين دولة بناها السلاح؛ تنهض على الأرض في كل شبرٍ يتحرّر، وتنمو من بيتٍ لبيت في المُخيّمات والقرى والبلدات والمدن حيث ينتفض ثوار شعبنا، وما هذا النهج المشين في العلاقة مع الاحتلال إلا نقيضها التام، وعار يخزينا جميعًا أمام دماء الشهداء ودموع وتضحيات ذويهم، وعذابات الأسرى المناضلين الذين نكّلت بهم الأجهزة الأمنيّة، وغيرهم، وأكثر من ذلك يهدر الحق الفلسطيني ويُطيل مسيرة المعاناة التي على شعبنا خوضها لأجل انتصاره.