Menu

الخضوع والاستسلام للعدو: السلام الاقتصادي والهيمنة الأمنية

بوابة الهدف الإخبارية

عباس وغانتس

خاص بوابة الهدف

لا يخفي العدو الصهيوني وحليفه الأمريكي وجهته الاستراتيجية وهي تصفية الحقوق الفلسطينيّة، وتثبيت وضع نهائي يقوم على معالجات اقتصادية لوضع "السكّان"، بما يعنيه ذلك من شطب لأي فرصة لقيام الدولة الفلسطينيّة أو عودة اللاجئين، والتنكّر للمطلب التاريخي للشعب الفلسطيني وحركته الوطنية وهو حق تقرير المصير.

تنسجم الوجهة الصهيونيّة الأمريكيّة والتقاطعات معها من المنظومة الإمبرياليّة والنظم الرجعيّة العربية، مع المشاريع المحضّرة منذ زمنٍ بعيد للمنطقة من قبل هذه المنظومة، والتي اعتبرت في نص وعد بلفور المشؤوم الشعب الفلسطيني مجرد مجموعة من الأقليات أو السكّان، وبذلك يصار للتخلص منهم أو معالجة أوضاعهم في رؤية أشمل تضمن هيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة العربيّة، وتثبيت المحورين الأمني والاقتصادي كمساراتٍ وحيدة للتعامل من المنظومة الاستعماريّة مع شعوب المنطقة؛ تلعب فيه القاعدة الاستعمارية المتقدمة المتمثلة في الكيان الصهيوني رأس حربة وأداة هيمنة، فيما تخضع الشعوب العربيّة لنظم متحالفة مع الكيان وتدور في فلكه، وفلك سياساته الأمنية، وتصبح الدول العربيّة مسرحًا للنفوذ والاستغلال الصهيوني. من جابه وعطّل هذا المشروع الاستعماري لأكثر من 100 عام هو الشعب الفلسطيني بكفاحه الوطني، ودعم الشعوب والقوى الثوريّة في الوطن العربي والعالم، التي رفضت الخضوع لهذا المشروع، وقدّم الشعب الفلسطيني البديل الإنساني والتقدّمي عن هذا المشروع الاستعماري، من خلال مسيرة كفاحه الوطني لأجل الاستقرار وتقرير المصير وتحقيق تطلعاته في الوحدة مع الشعوب العربيّة والانسجام والتآلف مع شعوب المنطقة.

إنّ غرق القيادة الفلسطينيّة في مسار أوسلو شكّل بداية للاستسلام والخضوع أمام هذه الرؤية، وما يحدث اليوم من لقاءاتٍ وخطواتٍ وسياساتٍ؛ تنتزع من الطرف الفلسطيني كل أفق سياسي وتربطه في دائرة الإجراءات الاقتصاديّة والأمنيّة، هو ضربة بالأساس لمشروع التحرّر الوطني الفلسطيني، وتغليب لمنطق المشروع الاستعماري، وتفتيت للجبهة الداخلية الفلسطينيّة، وصناعة لتناقضات داخلية إضافية. من المؤكّد أن كفاح شعب فلسطين طيلة هذه العقود، وما أنجزه على مستوى مشروعه الوطني، لم يكن يومًا لأجل تلقي الاملاءات من مجرمي الحرب الصهاينة، أو القبول بتقويض المشروع الوطني ومقوماته السياسيّة، ومعها الحقوق الأساسيّة والسياسيّة للشعب الفلسطيني، مقابل "إجراءات" يلقي بها مجرم حرب لا موضع له في البرنامج الوطني لشعب فلسطين إلا جره إلى محكمة جرائم الحرب. ما يفضح مدى التردي في الموقف السياسي هو العودة في الخط الزمني لنقطتين رئيسيتين؛ الأولى وهي قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي نصت بوضوح على قطع العلاقة مع العدو. والنقطة الثانية ما شكلته معركة سيف القدس من فرصة وطنية لبناء استراتيجيّة وطنيّة موحّدة للمواجهة؛ تقوم على تصليب وتوحيد البنية الفلسطينيّة في مواجهة الاحتلال، وهو ما عبّرت عنه التطلعات الجماهيريّة والفعاليات الشعبيّة آنذاك، وهو أيضًا ما ينسجم مع مسيرة هذا الشعب وتضحياته ومطالبه الإنسانيّة والوطنيّة وكفاحه الطويل لأجل تحقيقها.