Menu

العدوان الصهيوني وغزة الشهيدة

عبد المجيد بن شاوية

 ما أن تنتهي الحركة الصهيونية من ترجمة مخططات سيناريوهات مقالب التفكير الأيديولوجي الصهيوني على أرض الواقع في فلسطين المحتلة، إلا وتبدأ في نسج خيوط سيناريوهات أكثر جذرية بأبشع أساليب العنف والتدمير وأشرس المخططات العدوانية والاستئصالية، الشيء الذي يدعو كل متأمل في القضية الفلسطينية أن يعيد كل حساباته في قراءاته لها من منظور أخر يتسم بتجذير النقد  في حيثيات الصراع الدائر بين حركة تتوخى تدمير كل قيم السلام الإنساني وخلخلة الأمن العالمي، وبين كيان له كامل الحق المطلق في الوجود بحكم التاريخ، مغلوب على أمره، يتعرض لأبشع ممارسات سياسات الغاب من القريب والبعيد، كيان أريد له أن يعيش محنه التاريخية ونكباته الوجودية السيزيفية، حتى بات الصورة الأكثر حضورًا في كل الأذهان بكل المعطيات المخزية للضمير الإنساني، خاصة أنه لم يعد الأمر مقبولًا من قبل كل الضمائر الحية في كل بقاع العالم، رغم اختلاف المرجعيات والمذهبيات والأيديولوجيات.

    إن العدوان الصهيوني على غزة الباسلة والمقاومة، رمز التحدي والصمود في وجه أعتى القوى عنصريةً وتدميرًا وفتكًا بالأرض والعباد، عدوان على شعب بأكمله، سلب كل مقومات الوجود الشرعية، إذ يأتي في إطار سياسات منتهجة ومحبوكة بشكل دقيق من قبل حركة عنصرية استئصالية، مدعومة من طرف قوى الشر، حيث تآمر عليه كل العدوانيين للحق والشرعية، وخذل من قبل العرب والمسلمين حكامًا وشعوبًا، فكان ولا زال ورقة في يد كل من أراد أن يلعب لعبة النفاق السياسي في عمليات إدراجه على طاولة اللعب الشيطانية، سواء في علاقات الأنظمة والدول فيما بينها، أو في علاقات المجموعات والتكتلات الإقليمية والدولية، أو فيما بين التنظيمات السياسية والأيديولوجية والاقتصادية، بل الأجدر بالتأمل هو مدى حضور القرار العربي والإسلامي في القضية الفلسطينية التي تعتبر بالنسبة للحكام العرب قضية محورية في هندسة كراسيهم المتربع عليها، ولوحة فنية في مشاهدهم السياسية النظامية، تختزل كل ألوان الانتماءات المزعومة لديهم، حيث لا صلة تربطهم بها عدا القمار السياسي والأيديولوجي والتشدق بخطابات انتزاع الحقوق المشروعة للفلسطينيين، والاكتفاء بقول التنديد والشجب للممارسات الإرهابية العدوانية الصهيونية على غزة الأبية وباقي الكيان الفلسطيني، فلا غرابة، إذن، في مواقف البعض منهم من حرمان الفلسطينيين والغزاويين خصوصًا من الإمداد المادي والمعنوي للمقاومة الفلسطينية، حيث تقطع الطريق أمام المساعدات الغذائية والطبية وغير ذلك، ليترك الفلسطينيون في مواجهة العدوان الصهيوني الغاشم وكأننا في لحظة فرجة ومستملحات نتلهى بها، إذن، فأين نحن من الممارسات العدوانية الصهيونية على غزة  في هذه اللحظات بالذات وسابقاتها ؟

    فإن كانت الغيرة لدى عقول يقظة وضمائر حية من غير بني جلدتنا، تجعل منها أيقونات نضالية خالدة في تمثل الفلسطينيين وكل أحرار العالم، نصرة للقضية الفلسطينية العادلة، صادحة بأصواتها بكل ما أوتيت من قوة في وجه الآلة الصهيونية المترامية الأطراف عبر العالم، فاضحة عنصريتها المخزية، كاشفة عن مخططاتها الجهنمية في تقويض السلام والأمن العالميين، واقفة إلى جانب الفلسطينيين في إحقاق حقوقهم المشروعة، كاشفة عن حجم الدمار الإنساني الذي يلحق بالكيان الفلسطيني، في كل مجالاته، مبرهنة بالدلائل والحجج عن عدالة القضية المغتصبة ظلما وعدوانا، في حين أن العرب والمسلمين بعد أن فقرتهم الأنظمة الحاكمة ومرغتهم في أوحال الجهل والأمية وسيجتهم بثقافة القطيع والاستعباد، لم تعد لهم تلك النخوة العربية والإسلامية المعهودة، ولا تلك النظرة المتميزة في النقد والتأمل، ولا ذلك الإحساس الثوري في مواجهة الأعداء والمخاطر المحدقة بهم، أما حكامهم  يكتفون بخطابات التسويف والبحث عن أنصاف حلول لصالح الصهاينة، والاستمرار في مساعدتهم على إبداع وابتكار السيناريوهات المستقبلية للمزيد من تكريس السياسات الصهيونية على أرض الواقع الفلسطيني والواقع العربي والإسلامي عمومًا، وفسح المجال بشكل أوسع أمام القوى الإمبريالية للتحكم في مصائر الشعوب العربية والإسلامية، حفاظًا على مصالحهم عبر ورقة فلسطين في لعبة مكشوفة أمام أعين كل القوى الحية عبر العالم، وإن لم يكن الأمر على غير هذه المشاهد المستنبتة لآليات الأيديولوجية الصهيونية والغربية معًا، فبماذا يمكننا تفسير الوساطات العربية والإسلامية إن لم تفِ بالمطلوب الشرعي للفلسطينيين، من جهة، وإعادة بناء وإعمار ما دمرته الآلة الصهيونية بثروات شعوبهم المتحكم فيها عقب كل عدوان ظالم، يأتي على الأخضر واليابس، من جهة أخرى؟

 إن غزة الآن وكل الفلسطينيين، في مواجهة الصهاينة، في حرب عدوانية، لا تكافؤ في القدرات الحربية والسياسية فيما بينهما، فقط القدرة على تحمل الآلام وتكبد الخسائر المادية والمعنوية، والتضحية بأرواح الشهداء، واسترخاص الغالي والنفيس، إيمانًا بقضيتهم العادلة، بشجاعة وبسالة لا مثيل لهم من جانب كل أم ورجل وطفل وشاب وشيخ فلسطيني مقاوم، في حين أن الصهاينة، رغم جبروت حيوانيتهم، وقواهم التدميرية العاتية، وتصوراتهم الموغلة في التوحش والهمجية، لم ينتزعوا ولو بصيص أمل في ربح رهان الحرب العدوانية، بل لم يكسبوا أية نتيجة في إمكانية استسلام الغزاويين والغزاويات الأحرار والشرفاء، وبهذا نجزم، مهما كان لدى العدو الصهيوني من قوة ووسائل كيف ما كانت طبيعتها لن تنال من الفلسطينيين في شيء، ولن يتم تركيعهم بأي ثمن كان، لذا فكل مقالب الأساطير الأيديولوجية الصهيونية ستبوء بالفشل الذريع والنكوص على عقبيها اندحارًا وهزيمةً تاريخيةً لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإنساني.