Menu

"المرضى النفسيّون والعقليّون" من يحميهم منّا ؟!

بوابة الهدف_ طارق أبو اسحاق

يبتسمون قليلاً.. يبكون أكثر، وما بين هذا وذاك يتلعثمون بعبارات غير مفهومة. فراشُهم الأرض ولحافُهم السماءُ، ولو بحثتَ عن حكايتهم ستعلم أن هناكَ خطبٌ ما أوصلهم لما هم فيه،  وهي حالةٌ اختار لها المجتمع مُسمّى "الجنون".

أسبابٌ عديدة تسبّبت بمرضهم، ابتداءً من الصدمات و الضغوطات باختلافها، وصولاً إلى التعذيب من ذوي السلطة سواء الاجتماعية أو السياسية.

لكنهم جميعاً ضحايا المجتمع الذي لم يوفر لهم أبسط حقوقهم الإنسانية، من حياة كريمة ورعاية تكفل سلامتهم النفسية، وحمايتهم من أن يصبحوا مشهداً للضحك والتنكيل، والتشرّد.

"بوابة الهدف" حاولت الاقتراب من بعض هؤلاء الضحايا، ومن واقع مأساتهم.

"الحكومة هي المسئولة"

البداية كانت في مدينة غزة حيث كان يجلس أحد المرضي النفسيين وسط منطقة الساحة ،وعندما سألناه عن اسمه وهويته، ردّ بكلمات غير مفهومة وبنظرات غير مُتّزنة يملؤها الشجن، وعندما علم صاحب المقهى بهويتنا أرشدنا إلي أحد أقربائه، يُدعي أبو علي، وعلى الفور توجهنا له والتقينا به؛ لنعرف القصة.

"هذا الشاب مريض نفسي، كان يدرس الطب بالخارج، ولكنه تعرض لأزمة مع زملائه بالجامعة" يقول العم أبو علي، ويُتابع: "على إثره أصيب بحالة من الاكتئاب وبعد ذلك تطور الأمر إلي لوثة عقلية".

‏ويُكمل أبوعلي، بمشاعر مختلطة بين الشفقة والحزن: حاولت أسرته علاجه في أحد المستشفيات الخاصة منذ أكثر من‏ 7 سنوات، لكنه لم يستجب للعلاج، وكان صعب السيطرة عليه، ليكون مصره حالياً اللامكان، متنقّلاً بين الشوارع تارةً ويعود تارةً أخرى لأهله.

أبو علي ألقى باللّوم علي وزارة الصحة وكافة الجهات الحكومية في انتشار المرضي العقليين والنفسيين في الشوارع، بسبب تجاهل تلك المؤسسات لهم.

إلى المحافظة الوسطي، حيث شاهدنا رجلاً في العقد السادس من العمر، مُشوّش السلوك، وبدا تصرّفه كشخصٍ وُضع بين كثير من الأعداء. وآخراً في محافظة خانيونس رفض التعامل معنا أو حتى الكلام، خوفاً من سرقته.

"تكلفة العلاج مرتفعة"

مريضٌ آخر، قابلناه، لم يختلف حاله كثيراً عن السابقين، وبعد البحث عن عائلته، التقينا بشقيقٍ له، يُدعي عبد السلام، حيث أخبرنا أنه أخاه المريض "كان مشهوداً له بحسن الخلق والالتزام‏,‏ كما أنّه خريج جامعيّ".

وعن الذي حدث لشقيقه حتى وصل لهذا الحال، يقول عبد السلام: تعرض أخي لحادث بسبب مشكلة عائلية، أدي إلي تلف بعض خلايا المخ، حتى أصبح لا يدرك ما يقوم به من تصرفات، حسب قول الأخصائيين النفسانيين، وكثيراً ما يتحوّل لشخصٍ عنيف يعتدي على المحيطين به.

ويضيف عبد السلام: أنا المسئول عن رعايته لأن والدي متوفى، والمعروف أنتكلفة العلاج العقلي والنفسي كبيرة جدا‏ًً.

ويُتابع آسفاً: تقدمت بالعديد من الطلبات لعلاجه إلّا أن المسئولين لا يستجيبون لنا‏,‏ وكما ترَون، مصير أخي الآن في الشارع، عدا عن المشكلات التي يتسبّب لنا بها مع الجيران والأهالي هنا.

"إمكانيات محدودة"

"بوابة الهدف" التقت بالطبيب عادل عودة، مدير دائرة خدمات الصحة النفسية بوزارة الصحة في القطاع، والأخصائي في مستشفى الطب النفسي الوحيد بغزة، حيث قال: إن المستشفى تهتم بالصحة النفسية للفرد وتعمل علي إعادة دمجه بالمجتمع.

وأشار د.عودة إلى وجود 6 عيادات منتشرة في مختلف محافظات قطاع غزة، متفرعة عن المستشفى، تقوم بصرف الدواء للمرضي مجاناً ،لتشجيعهم على العلاج بسبب الانتشار الواسع للاضطرابات النفسية.

وأكد د.عودة على أن "المستشفى لا تستقبل حالات التخلّف العقلي، لإمكانياتها البسيطة والمتواضعة حيث لا يتوفر بها سوي 12 أخصائي، كما يوجد فقط قسمين للنساء والرجال وكل قسم به 10 أسرّة فقط، علماً بأن هذه الحالات تحتاج لرعاية وعلاج خاص، بتكاليف مرتفعة.

لافتاً أيضاً إلى أن الدول المانحة ترفض دعم هذا المجال لتعارضه مع برامجهم المتاحة.

وبيّن الأخصّائي في الطب النفسي أن حجم انتشار الاضطرابات النفسية زادت في الآونة الأخيرة أضعافاً مضاعفة نتيجة الضغوطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع ، بالإضافة الي الاضطرابات النفسية بسبب العدوان المستمر من قبل الاحتلال "الإسرائيلي".

وأوضح د.عودة أن المستشفى تواجه عدة صعوبات علي صعيد نقص العلاج وارتفاع ثمنه، وقلة الطواقم الطبية والإمكانيات اللوجيستية المتاحة، التي تمكنهم من العمل بالمستوي المطلوب، إضافة الي عملهم تحت الضغط النفسي نتيجة أزمة الرواتب وتأخّرها.