Menu

جبهة الشعب: أعوام الجمر

بوابة الهدف الإخبارية

فلسطين المحتلة - بوابة الهدف

لسنوات طويلة، وخصوصًا منذ انكفاء المشروع الوطني الفلسطيني بفعل اتفاقية أوسلو وعملية التسوية، هيمن على الخطاب والنقاش الذي يتناول الجبهة ودورها الوطني مجموعة من المقولات والأسئلة؛ تتناول الجبهة كقوة جماهيرية وكفاحية تاريخية، تعاني من أزمة، وتحاول تشخيص أسبابها وامكانيات مغادرتها.

لاحقًا توسع الإدراك، بأن هناك أزمة تعصف بالمشروع الوطني الفلسطيني برمته، وأن الفارق بين الجبهة وغيرها كونها لم تنغمس بالسلطة ولم توظف أموال وموازنات مواقع الحكم، الذي لم تقاربه في تجنيد الأنصار وحشد التأييد في سياق الاستزلام، لكن المؤكد هنا أن الجبهة عانت أيضًا من فقدان القدرة على قيادة مسار ثوري بديل، وإنتاج ذات الوزن من الفعل المقاوم الذي كانت تنتجه عبر تاريخها، وهو أمر له أسباب وعوامل كثيرة بعضها تتجاوز الجبهة وحتى فلسطين وتتصل بما لحق بالعمل السياسي الفلسطيني ككل، وبالمشهد العربي، وأدوات التأثير والهيمنة المستحدثة في نطاقاته.

لكن ماذا لو كانت الجبهة قد غادرت هذه الأزمة لحد بعيد واستعادت جزء أساسي من عافيتها وقدرتها الكفاحية ونشاطيتها السياسية بل وباتت في مرحلة توسع جماهيري؟ بالطبع سيستمر التمسك بالسردية السائدة، لأن هذا سهل بالمقام الأساس، ولأن هذا يلاءم من ينظم هذه السردية حول الواقع الفلسطيني ويهيمن على أدوات الإعلام وغيرها.

أحد أدوات الدعاية السياسية في الحالة الفلسطينية والحيز العربي هو محاولة احتكار التوصيف، وحين تتاح لك الفرصة لتوصيف منافسين سياسيين أو قوى تاريخية حملت برامج مناقضة لسلطتك القائمة أو المتوخاة، فإن تظهير صورة هذه القوة وتعريفها ك"أزمة دائمة" هو أداة رابحة، خصوصًا إذا كانت هذه الصورة/ السردية تقر بايجابيات كثيرة للجبهة أو غيرها من القوى المُستهدفة، مثلما تقر السردية المهيمنة حول الجبهة بدورها النضالي والسياسي والكفاحي التاريخي الفارق والمهم في مسيرة الشعب الفلسطيني وثورته، بل وتستخدم السردية هذا الإقرار كأداة للتصويب على واقع الجبهة اليوم وخياراتها السياسية، وهنا توجد عملة رابحة ضمن هذه العملية، وهي الحنين، حنين الرفاق للشهيد وديع حداد وعمليات الخارج، ولصوت الحكيم وصوابيته السياسية، لزمن قواعد الثورة في دول الطوق، للجحافل المقاتلة التي جندتها الجبهة، للأغاني القديمة، يصبح كل هذا كما لو كان ذخيرة ضد واقع الجبهة اليوم، لأن الحنين سلوك إنساني طبيعي.

جزء مهم من الحقيقة يتم اغفاله وطمسه من خلال هذه السرديات، أحدها أن الجبهة بالفعل تمر منذ سنوات بحالة مد سياسي ونشاطية جماهيرية وفعالية كفاحية متزايدة، وأنه خلال العامين الأخيرين بشكل خاص قد تم تصعيد الهجمة الاحتلالية ضدها، وشهد مسار استهدافها صهيونيًا قفزات هائلة، وأنها في الحيز الكفاحي قد ألحقت ضربات مهمة بالعدو الصهيوني، وباتت تحقق نجاحات مهمة وتلعب دورًا تاريخيًا في استعادة نظم بنى ومقولات معسكر الصمود والمقاومة العربية.

لم يعد اليساري الفلسطيني المنظم، على صورة رفيقه المؤسس والمقاتل في السبعينيات والثمانينيات، وبات يستخدم أدوات أكثر تعقيدًا وتغيرت مهامه لأدوار حزبية ونضالية وجماهيرية أكثر تعددًا وتفصيلًا وتخصصية، ويواجه مناضلي هذه القوة التاريخية تحديات يومهم، وليس تاريخهم فحسب، وأنماط ملاحقة أمنية أكثر تعقيدًا، كما تواجه الجبهة من موقعها المقاوم، والعروبي، وموقفها الصلب ضد العدو الصهيوني، وقوى الاستعمار والهيمنة، وصلابة سياساتها وجذريتها في مواجهة نهج التسوية والتفريط بالحقوق الوطنية، والتفرد في القرار الوطني. هذا ليس انحياز لمجاملة تاريخ الجبهة، أو رفاقها وحلفائها وأنصارها في ذكرى انطلاقتها، ولكن بالأساس مراجعة ضرورية، تقول بضرورة البحث عن نقاط القصور والثغرات وعوامل التعثر، وفقًا للواقع وما تحقق أو أخفق، والتخلص من الإدمان على سردية بات الاصطناع وتجاهل الوقائع هو ما يبقيها.

لدى الجبهة عوائق حقيقية، وعثرات خطيرة، وتتعامل مع واقع فلسطيني تهيمن فيه سياسات مصلحية ضيقة، وواقع عربي وهجمة تطبيعية هائلة لحلفاء العدوان من نظم العرب، وعليها أن تتعامل مع ذلك بروحية نقدية، وتصميم على الوفاء لشعبها العربي وحقوقه، ومسيرة طويلة من الكفاح الوطني الفلسطيني الذي كانت على الدوام في صلبه.