Menu

قراءة في نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية

راسم عبيدات

بداية لا بد من القول بأن المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية، التي جرت في ظل حالة من عدم التوافق الوطني والانقسام والتشظي، قد عكست نفسها على نسبة المشاركة والتركيبة التي أفرزتها تلك النتائج الانتخابية. ومن يدقق في النتائج لتلك الانتخابات يجد بأن نسبة المشاركة في البلدات المقدسية الواقعة في ضواحي مدينة القدس ، هي النسبة الأقل 28.38%، وهذا مرتبط بعدة عوامل منها بأن جزء من تلك البلدات لا تشملها خدمات السلطة الفلسطينية، وجزء آخر من سكانها من حملة هوية القدس الزرقاء "الإسرائيلية"، والذين يشعرون بأن بلداتهم المقدسية، لم تكن جزء من العملية الانتخابية، وهذا يعني بأن هناك تسليم فلسطيني من كل القوى الفلسطينية بدون استثناء، بأن التجمعات المقدسية الواقعة داخل جدران الفصل العنصري والمرتبطة خدماتياً ببلدية الاحتلال والمسماة ب"قدس 1"، وعددها 22 تجمع مقدسي، أخرجت من حسابات كل القوى الفلسطينية... وهم لم يشاركوا في انتخابات بلدية الاحتلال "القدس" من منطلقات سياسية والتمسك بهويتهم الفلسطينية وقوميتهم العروبية، وعدم شرعنة عملية الضم... ولا ننسى كذلك بأن هذه الانتخابات المجزوءة لم تأتي استجابة لرغبة داخلية فلسطينية، بل هي أتت بعد إقدام الرئيس عباس بشكل فردي على إلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية المتوافق عليها من الكل الفلسطيني، وهذا الإلغاء أدخل السلطة في أزمة مع الدول المانحة التي اشترطت إجراء الانتخابات لتقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، ولذلك كان المخرج بإجراء الانتخابات المحلية المجزوءة. هذه الانتخابات التي أشارت إلى تراجع ليس نسبة تمثيل القوى والأحزاب في تلك الفصائل، والذي مرده بالأساس عدم التوافق الوطني على إجرائها، بل تحفظ وعدم مشاركة العديد من القوى السياسية: حماس والجهاد والجبهة الشعبية بثقلها وطاقاتها في تلك الانتخابات، والنسب العالية لما يسمى بالمستقلين 70%، عكست حالة من التحالفات العشائرية، وفي بعض المناطق اختبأ التنظيم والفصيل خلف العشيرة أو تحالف معها...

لا شك بأن الكفاءات العلمية والأكاديمية والمهنية وحتى السياسية أحجمت عن الترشح أو حتى المشاركة في تلك الانتخابات، معتبرة بأن تلك الانتخابات محرقة ليس أكثر، وهي على الصعيد الخدماتي لن تستطيع تقديم خدمات جدية وحقيقية للمواطنين، في ظل سلطة تعيش أزمة مالية، وفي ظل عدم قدرة الكتل الفائزة في الانتخابات أن تحدث تغيير جدي في أوضاع الناس الخدماتية، فأغلب المجالس المحلية تتراكم عليها ديون بمئات آلاف الشواقل، إن لم يكن ملايين الشواقل، من  رسوم كهرباء ومياه وحتى رسوم نفايات وغيرها، وبالتالي هذه سيدخلها في مواجهة مع السكان.

المتغير الأهم في هذه الانتخابات تراجع البعد الحزبي والفصائلي الذي جرت على أساسه هذه الانتخابات لصالح البعد العشائري والقبلي والجهوي، وهذا نتاج لسلطة عززت من سلطة العشائر والقبائل، وهذا سيشكل مخاطر حقيقية على المجتمع الفلسطيني... وفي المآل النهائي سيخدم مشروع الاحتلال الذي عبره عنه رجل المخابرات الإسرائيلي المختبئ خلف الأكاديميا مردخاي كيدار، الباحث في جامعة بار ايلان العبرية، الذي دعا الى إحلال سلطة العشائر والقبائل في الضفة الغربية، وتحويلها إلى سبع كانتونات عشائرية تحكمها العشائر الكبرى كبديل عن السلطة القائمة.

نحن ذاهبون نحو المزيد من الشرذمة والانقسام وتكريس التجاذبات والتحالفات العشائرية والقبلية في المجتمع... وهذا يعني أننا سنشهد المزيد من الصراعات والاحتراب العشائري والقبلي، وتنامي ظاهرة العنف والجريمة وتشكل المليشيات و"المافيات" العشائرية والقبلية وتغييب سلطة القانون.

على جميع القوى السياسية الفلسطينية، أن تلتقط دعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، من أجل حوار جاد وحقيقي على أرض الجزائر، أرض المليون شهيد، وأن يرتقي فيه الجميع إلى مستوى التحديات والمخاطر التي تحدق بالقضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني، ففي ظل ما نشهد من هجمة إسرائيلية شرسة على شعبنا وأرضنا وحقوقنا وقضيتنا ومقدساتنا، وإيغال النظام الرسمي العربي في التطبيع وبناء وإقامة التحالفات العسكرية والأمنية مع الاحتلال، وحتى توقيع الاتفاقيات العسكرية، كما حصل مع النظام المغربي، والسعي لتجريد القضية الفلسطينية من حاضنتها العربية والإسلامية، فإن بقاء الحالة الفلسطينية ضعيفة ومتشظية ومنقسمة على ذاتها، سيمكن كل القوى المعادية من فرض مشاريعها ومخططاتها التصفوية على شعبنا، تخلوا عن ذاتيتكم وفئويتكم ومصالحكم وامتيازاتكم لصالح شعبكم وقضيتكم. وليجري إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، ووقف سياسة الاستئثار والهيمنة والتفرد، واستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، على أساس برنامج وطني سياسي متوافق عليه، وشراكة حقيقية في القيادة والقرار، ورسم رؤية واستراتيجية موحدتين، وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام إجراء انتخابات سياسية شاملة، تخرج النظام السياسي والفصائل والسلطتين القائمتين من أزماتهما، فكلما طال أمد الانقسام، كلما تعمقت أزمة النظام السياسي الفلسطيني، حيث عكست الانتخابات للمرحلة الأولى من المجالس المحلية والبلدية، مدى هشاشة النظام السياسي الفلسطيني وتآكل الثقة به، وكذلك حجم التراجع بالثقة بالأحزاب والقوى السياسية والمؤشر الأخطر هو، حلول التراتبية العشائرية والقبلية كقائدة بدل القيادات الوطنية السياسية، وهذا سيترك تأثيرات العميقة على وحدة المجتمع والسلم الأهلي والمجتمعي.