Menu

أبعد من الجامعة وأقرب إلى التغيير: قراءة متواضعة في مؤشرات انتخابات جامعة بيت لحم

حسن عبد الجوّاد

ثلاثون عاما مضت على آخر فوز لجبهة العمل الطلابي التقدمية، بمقاعد مجلس اتحاد الطلبة في جامعة بيت لحم، استنادا للنظام الانتخابي للمجلس، الذي حصر الفوز بالكتلة الطلابية التي تفوز بنسبة 51%، من أعضاء المؤتمر الطلابي العام البالغ عددهم 31 مقعدا، واستبعاد مطلق بدون وجه حق، لجميع الكتل الطلابية المشاركة في الانتخابات، بغض النظر عن حجم تمثيلها في المؤتمر العام، ما يؤكد عقم ولا ديمقراطية هذا النظام الانتخابي.

في السنوات الأخيرة جرت حوارات بين الكتل الطلابية، بين حركة الشبيبة من جهة، وجبهة العمل على وجه التحديد، لتعديل النظام الانتخابي دون جدوى. وفي الدورة الانتخابية السابقة انسحبت جبهة العمل من السباق الانتخابي لمجلس الطلبة، احتجاجا على النظام الانتخابي غير الديمقراطي للمجلس، وفازت بسبب ذلك حركة الشبيبة، بجميع مقاعد المؤتمر العام، ومقاعد المجلس.

واليوم، حصدت جبهة العمل 17 مقعد، مقابل 14 مقعدا للشبيبة الطلابية، في معركة انتخابية ثنائية افتقدت للتحالفات المعتادة، بفارق 341 صوتا، فاجأت نتائجها، لا بل صدمت الإخوة في الحركة على المستويين السياسي والنقابي، والمراقبين والمحللين من مختلف الأطراف، وخلقت تساؤلات بحاجة لتفسيرات وإجابات موضوعية مقنعة لهذا التحول، في مسار قيادة الحركة الطلابية في جامعة بيت لحم، وتداعياته المتوقعة على أية منافسات انتخابية في الواقع المحلي.

اللافت في انتخابات مجلس اتحاد الطلبة، في جامعة بيت لحم، أن السباق الانتخابي كان مقتصرا على جبهة العمل وحركة الشبيبة، ولم تشارك فيه للأسف، أي من الكتل الأخرى التي اعتاد طلبة الجامعة على مشاركتها، في السنوات السابقة، مثل كتلة الاتحاد التقدمية التابعة لحزب الشعب، وكتلة الوحدة الطلابية المحسوبة على الجبهة الديمقراطية، كما غاب دور الحركة الإسلامية عن الفعل والمشاركة، كعادتها في السنوات الماضية، وكل ذلك لأسباب لا يمكن فهمها وتبريرها، مقارنة بدورها وحضورها في انتخابات الجامعات الأخرى.

في السنوات التي سبقت جائحة كورونا، كان تحالف "كتلة وطن" يحصد 12 - 13 مقعد، وكانت هذه النتيجة في حينها تعتبر جيدة بمعايير أطراف التحالف، فيما نسبة التصويت كانت تصل إلى نسبة 75% إلى 82%، واليوم وصلت نسبة التصويت نسبة (65.36%). وكانت لازمة التحريض على تحالف "كتلة وطن"، أن الإسلاميين يدعمونها، وهي نفس الذريعة التي يستخدمها البعض على الدوام، وفي تبرير نتائج هذا العام.

بكل الأحوال، إذا كانت جبهة العمل تحرص على توظيف ما حصلت عليه من نتائج والبناء عليها مستقبلا، فيجب أن تذهب أولا باتجاه تعديل النظام الداخلي لمجلس اتحاد الطلبة وفق التمثيل النسبي، وتسجل سابقة في هذه الخطوة باتجاه تعزيز حالة التعددية والتنوع والشراكة وديمقراطية العمل النقابي الطلابي، ومنع استمرار حالة التفرد وأحادية القطبية في المجلس، كما حدث في العقود الثلاث الأخيرة، هذه الأحادية التي حرمت فيها جميع كتل اليسار من التمثيل في المجلس، رغم حصولها على ما يزيد عن 40 % من نسبة التصويت.

وبعيدا عن المبالغة السياسية والنقابية، ولغة الشخصنة وردود الفعل الفردية والعواطف والانشدادات العصبية والفئوية، وتبرير الفشل، فإن فوز جبهة العمل الواضح الملامح، يحمل مؤشرات وقراءات سياسية ونقابية ومجتمعية في الواقع الفلسطيني، أبعد من كونه فوزا يمكن حصره في إطار طلابي فقط، وإنما يشير إلى ما يعتمل في المجتمع الفلسطيني من تفاعلات وعوامل ودوافع للتغيير وحراك موضوعي، وضرورة وجود حوامل وآليات عمل تستند إلى رؤية سياسية وديمقراطية شاملة تحمل الهم السياسي والمجتمعي، شرط أن تكون بوصلتها مقاومة الاحتلال، طريقا للتحرر الوطني والاجتماعي والخلاص منه.

وأبعد قليلا من ذلك، فإن الترجمة السياسية لهذه النتائج وعودة جبهة العمل الطلابي لموقعها ومكانتها النقابية مع بداية تأسيسها، يمكن ربطه مع نتائج غير مريحة لحركة فتح في الهيئات المحلية، في المرحة الأولى، وما هو متوقع من نتائج أيضا غير مريحة في المرحلة الثانية لهذه الانتخابات في المدن الرئيسية، وذلك بالرغم أن الطابع العام السائد لمعظم القوائم، هو طابع مجتمعي وليس سياسي.

والسؤال الأهم: هل يمكن لجم هذا التردي والتراجع السياسي لدى الكثيرين، وتصويب البوصلة السياسية، بمضامين مجتمعية وثقافية أقرب إلى أولويات الشارع الفلسطيني، ووضع حد لحالة الانهيار، في مواجهة الوجاهة العشائرية، وأطماع تجار القطاع الخاص، والهاربين من تاريخهم، والمهرولون نحو تسليع وإعادة إنتاج الواقع الفلسطيني على طريقة الربيع الأوكراني والعربي..؟