Menu

المشاركة السياسية في فلسطين: لنقاتل عدونا

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

خلال الأسابيع القادمة سيفسر كل فصيل فلسطيني، نتائج الانتخابات المحلية التي جرت في الضفة الغربية المحتلة بما يلائمه، ويدّعي أنه قد حقق فوزًا فيها يؤكّد على شرعيته الجماهيرية، وللدقة فإنّ معظم هذه القوى ستكون صادقة في شق أساسي مما تدعيه، ففي الحالة الفلسطينية تمتلك الفصائل الفلسطينية رصيدًا صنعته مسيرة طويلة من العمل التنظيمي، وحتى خبرات في أدوات الحشد والتأطير الجماهيري، وارتباط عميق لعديد من الكتل والبنى الاجتماعية بهذا الفصيل أو ذاك: هل نتخيّل علاقة أسرة الشهيد بالفصيل الذي استشهد مقاتلًا في صفوفه؟

لكن المعنى الأكثر جدية والذي لا يجب إغفاله لنتائج الانتخابات هو الرغبة الواضحة للجماهير الفلسطينية في الضفة باستعادة مساحة ما لرأيها ودورها، وإذا كانت نافذة انتخابات السلطات المحلية، قد حظيت بهذا القدر من الاهتمام والمشاركة، فمن المعقول القول: إن أنماطًا أهم من المشاركة السياسية من شأنها أن تحظى باهتمام أعلى، ولكن لنتوقف قليلًا هنا: ما الذي يمنع الناس من المشاركة السياسية في الحالة الفلسطينية؟

جيش العدو الصهيوني؛ مخابراته؛ أجهزة أمنه؛ تقتل الفلسطيني الذي يشارك بما يراه معظم الفلسطينيين الشكل الأمثل للمشاركة السياسية، وهو قتال العدو والدفاع عن الأرض والأهل والحلم والقضية، وتعتقل من ينخرط في "مشاركات" أقل من حمل السلاح في هذا السياق الوطني، وتأتي المنظومة السياسية الفلسطينية الرسمية ومن خلال التزاماتها الخاصة بالتنسيق الأمني، لتعاقب وتتعقب وتعادي وتعتقل على ذات الخلفية، ثم تستبعد هذه المنظومة فصائل وقوى وجماهير من دائرة القرار الذي تستأثر به قلة، ويهيمن على هذه القلة فرد ودائرة ضيقة من المحيطين به، وفي المرة الوحيدة التي ذهب فيها الفلسطينيون لانتخابات لممارسة ما يشبه حق انتخاب جزء ممن يمثلهم داخل الأرض المحتلة، عاقبهم المجتمع الدولي بالحصار والتهديد، بسبب أن تصويتهم لم يرق له.

لن يمنح أحد للفلسطينيين الحق في تقرير مصيرهم، فمن المنطقي القول إن ثورتهم قد نشأت لأجل هذا الهدف بالذات، ومن وأن هذا الحق بما يعنيه، من خلاص جمعي لعموم الفلسطينيين من الاحتلال، فإنه يعني أيضًا حقهم في تحديد الخيارات والقرارات التي تمارس سياسيًا باسمهم، واختيار من يمثلهم، ورفض أو قبول أو محاسبة أو معاقبة كل من يعمل في شأنهم العام حسب تقيمهم لعمله.

باسم النضال والرصاص والثورة وحق تقرير المصير، ومنظمة التحرير وأجيال من شهدائها، هناك من قرر أنه وصي على شعب فلسطين وأن على هذا الشعب إلقاء السلاح، والإذعان لرهانه الأبدي على عملية التسوية والتفاوض، وأن يخضع لهذا الوصي ولا يرفع صوته في وجهه وإلا عوقب بالحرمان من "المخصصات"، أو قطع راتبه، بل ووجد هذا الوصي من ينظر لمقولاته ويبررها، ويقتل ويسجن ويقتل من يعارضها.

لم تخضع فلسطين للمحتل، لم تخضع بعد فصائلها المقاتلة، أو قواها الشعبية والمجتمعية، ولن تخضع لاستبداد الفرد أو الفصيل؛ فلسطين التي حلمت بها الثورة عند انطلاقها تحتاج لكل هذه القوى. إن الوصول لهذه الفلسطين الحلم والأمل يحتاج إلى ذلك، وبما تؤكده جماهير شعبنا يوميًا من استعدادها للقتال ودفع ثمن النضال، ومواصلة الممارسة الحيوية السياسية والمجتمعية والجدل والمنافسة والتدافع بين الطروحات؛ فما زالت هناك نافذة لبناء وتفعيل ما هو مشترك فلسطينيًا وإدارة ما هو موضع للاشتباك السياسي والتنافس بين البرامج على قاعدة الالتزام بالحقوق الوطنية والموقف الواضح من العدو لا يتجاوز الخط الذي رسمه الشهداء بالدم وتمترس عنده الشعب بالتضحية والفداء.