بمناسبة الذكرى 55 لنكسة حزيران 1967، عقدت جلسة تقديم وتوقيع لكتاب "الدليل القومي لمقاومة التطبيع وصد التموضع الصهيوني الجديد" لمؤلفه عابد الزريعي، وبرئاسة الدكتور موديبو دانيو من مالي، وذلك يوم 4 حزيران 2022 بمقر مركز مسارات للدراسات الفلسفية والانسانيات.
وحضر التوقيع مجموعة من طلبة الدكتوراة الأفارقة من كل من السنغال ومالي وغانا وبوركينا فاسو وجزر القمور، وهم من الطلبة المبعوثين للدراسة في الجامعات التونسية، وقد كانت مناسبة لمناقشة أسباب وعوامل تمكّن الكيان الصهيوني من اختراق القارة الافريقية، خاصة وأن دول القارة كانت قد مضت باتجاه محاصرة الكيان وطرده من افريقيا بعد حرب حزيران 1967، مع الادراك العميق بأن انهيار الموقف العربي الرسمي تجاه الكيان الصهيوني منذ اتفاقيات كامب ديفيد، قد لعب دورًا حاسمًا في هذا الاختراق.
كما تم مناقشة مختلف القضايا الواردة في الكتاب على مستوى المنهج والمضمون، وتم التوقف بعمق أمام كيفية الاستمرار في مقاومة التطبيع في الساحتين العربية والافريقية، بما يفرضه ذلك من بناء صيغ ضامنة لاستمرار المقاومة المجدية والمنتجة، والمهام الملقاة على عاتقهم بعد العودة إلى بلدانهم في التعريف بالقضية الفلسطينية وتعرية الكيان الصهيوني، خاصة وأنهم مؤهلين لأن يكونوا في المواقع المؤثرة في صناعة المواقف.
وكان الدكتور موديبو وبصفته رئيس الجلسة قد ألقى كلمة قدم من خلالها الكتاب إلى المشاركين هذا نصها: عند التّراكم المعرفيّ، والزّخم المعلوماتيّ، وتسارع وتيرة الأحداث، يقع الخطاب المقاوم في أزمة وجوديّة، ما لم يندرج ضمن إطار استراتيجيّ ينتقي المفردات والدّلالات ويختزل التراكيب ويحدّد السياقات. وهو التمشّي الاصطلاحيّ المطلوب في الوقت الراهن تنظيرًا وتطبيقًا. تمشّ يقتضي متابعة يوميّة للمستجدّات وتوثيقها ودراستها ونشرها. وهو بذلك عمل جماعيّ تتضافر فيه الجهود. ولكن آن للمنجزات الهامّة أن ترى النّور إذا لم تكن مبادراتٌ شخصيّةٌ منطلقَها في هذه النقطة يتنزّل كتابُ "الدليل القوميّ لمقاومة التطبيع وصدّ التموضع الصهيونيّ الجديد".
وتابع: إنّ كاتبه وهو أستاذنا الدكتور عابد الزريعي غنيّ عن التّعريف لا فقط لتعدّد مؤلّفاته وتنوّعها، وإنّما أيضًا لحضوره المتميّز في الندوات والملتقيات داخل تونس وخارجها ولمنجزاته السوسيو ثقافيّة والاقتصاديّة مثل دار حنين للنشر والتوزيع ومكتبة نورس ومركز دراسات أرض فلسطين للتنمية والانتماء، ولعلّ تميّزه في هذا الكتاب أكبر من حيث المنهج والرؤية التواصليّة والمشروع المؤسّساتيّ، ويمكن تسميّة المقاربة المنهجيّة في هذا الكتاب بالبنائية لتأسيسها على جرد الأفكار فتبويبها ثمّ اختزالها في وحدات دنيا، وهي المصطلحات مع إقامة شبكات وسائطيّة بين مصطلحات كلّ فكر وسياقاته ثمّ تأريخ السياقات قدر الإمكان. ليتمّ بعد ذلك دراسة استراتيجية للأفكار قوامها التوجيه البرغماتيّ لخدمة أهداف لمدى قريب ومتوسّط وبعيد، ويدرك قارئ "الدليل القوميّ لمقاومة التطبيع وصدّ التموضع الصهيونيّ الجديد" العلاقة العضويّة بين شكل الموضوع وهندسة المضمون.
وقال إنّ الكاتب ينتقل من الخطاب التعريفيّ لمصطلح "التطبيع" في الباب الأوّل المعنون بـ «التطبيع: المبادئ والمعارف الأساسيّة" إلى خطاب توجيهيّ من أجل الفعل في الباب الثاني، الذّي يحمل عنوان "مقاومة التطبيع: الاستراتيجيات والتكتيكات" لينتهي في الباب الثالث والأخير "النماذج التطبيقيّة: المقاومة والاختراق والإدارة" إلى مأسسة الفعل بتحويله إلى مشروع يبنى على أنقاض الأخطاء السابقة. ولفت إلى أنّ هذه المقاربة المنهجيّة البنائيّة وإن كانت نتيجة تراكم الخبرات لدى المؤلّف، فإنّها حصيلة التزامه بقضيّة عادلة يعيش فيها ويناضل من أجل تغيير واقعها نحو الأفضل، ويضحّي في هذا السبيل بلا كلل، ويتواصل مع القريب والبعيد جغرافيّا وزمانيّا من أجل اكتساب الدّعم بأشكاله المختلفة، وما "الدليل القوميّ لمقاومة التطبيع وصدّ التموضع الصهيونيّ الجديد" إلاّ أداة تواصليّة تعرّف الواقع وتحفّز على العمل المنظّم لمناهضة التطبيع أو ما بات "موضة صهيوأمريكيّة" تسعى لتركيع المؤمنين بأن لا حياة لمن يقاوم، فالكتاب قراءة نقديّة موضوعيّة لمحاولات سابقة كانت تهدف إلى اقتلاع الكيان الصهيونيّ وتحرير أرض فلسطين منه، فالكتاب رؤية استراتيجية لمقاومة تطبيع العرب والعجم مع الكيان. لئن يثمّن الكاتب الجهود المبذولة لمناهضة التطبيع، فإنّه يرى "أنّ الفعل النضاليّ المقاوم للتّطبيع لم يرتق حتّى اللحظة إلى "مستوى التّحدّي المطروح". ويعلّل ذلك بأنّ "هناك مسافة واسعة تفصل بين التحدّي والاستجابة، التي كثيرًا ما تتبدّى في ردود أفعال نضاليّة مؤقتة على حدث تطبيعيّ، لا يلبث وأن يتكرّر ويتكرّس، بينما تتلاشى ردود الفعل وتخلى مكانها لحالة من التكيّف النفسيّ مع ذات الحدث"، ويردّ الكاتب هذا الفشل النضاليّ إلى النزعات التبسيطيّة وال قطر يّة والعفويّة التي تحول دون الجدّيّة والقوميّة والتنظيم. وتحدث عن قصد أو غير قصد نوعًا من الاضطراب النّفسيّ يجب معالجته لدفع عجلة المقاومة بما هي معبر ضروريّ لبلوغ المرام وتحقيق الأهداف، ولقد أدرك الكاتب أنّ قيمة مبادرته الشّخصيّة هذه تكتمل بتضافر جهود الآخرين. ولذا لم يضع للكتاب خاتمة فيبقى نصًّا مفتوحًا كما تصوّره أمبرتو إكو قابلاً لمزيد التفاعل والإسهام تبعًا لتطوّر الأحداث وثراء الأفكار، فهنيئًا بالدليل القوميّ لمقاومة التطبيع وصدّ التموضع الصهيونيّ الجديد، وإنّه ليس منشورًا في السياحة المعرفيّة، ولا معجمًا لخزن المفردات وتفسيرها بقدر ما هو عمل تنظيريّ، استطاع الكاتب من خلاله تقديم نظريّات حول التطبيع وما يدعمها سلبًا وإيجابًا من ممارسات منهجيّة. فهو يستحقّ الشّكر والتقدير.