مشاهد القمع والتنكيل التي نشرتها وسائل الإعلام لطلبة جامعة النجاح مزيفة، ليس بالمعنى الذي تقصده أجهزة دعاية السلطة للتزييف ولكن لكونها ليست تعبيرًا حقيقيًا عن الواقع، فبينما تظهر هذه المشاهد جهاز أمن جامعة يضرب مجموعة من النشطاء والطلاب والأساتذة الجامعيين، فيما الواقع أن العمل الطلابي برمته هو موضع استهداف في هذه الجامعة منذ سنوات، وأن الجامعة بطلبتها ومبانيها ومرافقها ونظامها الجامعي ومحاضريها تعرضت لواحد من أوسع وأعمق مسارات القمع والتأديب التي استهدفت الحركة الوطنية في الضفة المحتلة خلال السنوات الأخيرة، فمن باب الكذب على الذات والخضوع أن يوصف ما جرى ويجري في هذا السياق باعتباره قمعًا لحرية العمل الطلابي، أو سياسة لإدارة جامعية.
هذا الحدث ليس إلا حلقة صغيرة من حلقات البشاعة في هجوم مستمر على بنى العمل الوطني والمجتمعي، كجزء من سياسة هدفت لإخضاع وتأديب الفلسطينيين ومعاقبتهم على هباتهم الثورية ضد الاحتلال، هذا تحديدًا ما طال الجامعة كبيئة أنتجت ذات يوم فعل نضالي وكفاحي حي؛ تفجر في وجه الاحتلال وكبده الخسائر؛ فجامعة يامن فرج وأمجد مليطات وقيس عدوان هي موضع الاستهداف، وصورهم على جدران الجامعة تهديد لسياق التطويع وتغذية لإنتاج التمرد والفعل الثوري، ومحاضريها الذين تبنوا مواقفًا وطنية رافضة للاحتلال وللخضوع ولم تتمكن سجون الاحتلال من اسكاتهم، بحيث تم إعادة تنظيم الجامعة لتخرس صوتهم للأبد.
يدفع نشطاء الحركة الطلابية في جامعة النجاح ثمن قبولنا لجرهم للسجون، والتنكيل بهم، وصمتنا على ما حدث ويحدث من هجوم شامل على بنى العمل الوطني والمجتمعي، فرغم استعادة المجتمع الفلسطيني لكثير من بناه النضالية والوطنية في الأعوام الأخيرة، وما أحدثته الهبة الشعبية المزامنة لمعركة سيف القدس من مد جماهيري ووطني، ما زالت عملية بناء الأدوات النضالية الوطنية والمجتمعية بطيئة ومتلعثمة ويعوزها الكثير، وما زال الخطاب العام معرض لانتكاسات مستمرة صوب مصطلحات وتشخيص تجاوزه شعبنا بهبته وفعله الوطني الجماهيري الجامع في العديد من المحطات، وهو ما يخلق القطع المضر والمخل بين الموقف الوطني والجماهيري العام، وبين التعامل مع تفاصيل الهجوم العدواني على البنى النضالية المختلفة، ومنها هذا الاستهداف الممنهج لبيئة الجامعات وبنية الحركة الوطنية الطلابية، وشريحة الطلبة ودورها الوطني.
إنّ الواجب اليوم هو استعادة اتصال شبكات النضال الوطني والمجتمعي وتنظيمها، وإدراك الارتباط العميق بين النضال الوطني والديمقراطي والمجتمعي، في مواجهة الالتصاق بين سياسة قمع الطلبة وتحركاتهم، وبين مساعي تقويض نظام التعليم ووطنيته، والعمل على خصخصته وتحويل الجامعات لمؤسسات ربحية وقمعية في آن، وإخضاعها لشروط العدو.
للحركة الطلابية دور تاريخي معروف في النهوض بالنضال الوطني وترميم بنيته في أوقات تراجعه أو انتكاساته، وكذلك إن موجات صعود النضال الوطني تشكل متنفسًا للحركة الطلابية لاستعادة عافيتها وترميم بنيتها ورفدها بدماء جديدة ومهمات وطنية ونقابية مواكبة للظرف الوطني العام، وما التعقيد في شكل القمع وممارسات الترهيب التي تقوم بها الشريحة المرتبطة بمشروع الاستسلام، إلا هجمة عكسية على كل ملامح النهوض والتقارب الوطني.
إنّ ما يعطي هذه الهجمة شكل "الخلاف الفصائلي"، فعليًا سعي جماعات المصالح ضمن معسكر الاستسلام والإخضاع، لاستخدام بعض البنى الفصائلية كأدوات أو أغطية لقمعها، فما حدث ويحدث من هجوم يطال الحركة الطلابية باختلاف أطرها، ولو كان المحتجون في جامعة النجاح هم من أبناء حركة فتح لما قصرت قوى الاستسلام عن قمعهم والتنكيل بأجسادهم وسمعتهم الوطنية، فهذا السياق الانتهازي المستسلم والجبان والقمعي والمتحالف مع العدو في ممارساته يستهدف كل ما هو فلسطيني، حتى لو لم تكن أدواته الصغرى وحاملي عصي القمع في جامعة النجاح يدركون موضعهم فيه.