Menu

معركة القدس: مواجهة السقوط والتعاون

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

تفصح معركة فلسطين في مدينة القدس عن جوانب جديدة تتصل بعمق هذه المعركة واتصالها بمعنى الصراع مع المنظومة الصهيونيّة بمعناه الشامل، فبجانب جرائم الطرد والتهجير والهدم، يُدير العدو سياسة لا تقتصر على استهداف وجود الفلسطينيين في المدينة والعمل على إنهائه، وتمتد لمحاولة إخضاع هذا الوجود وجعله نموذجًا لقدرة العدو على فرض هيمنته حتى على هوية الفلسطيني ووعيه، وذلك من خلال سياسات ترمي لاستخدام البنى والمؤسّسات الفلسطينيّة كأداةٍ لهذا الاخضاع.

قبول بعض المدارس والمؤسّسات التعليميّة الفلسطينيّة بفتح فصولٍ دراسيةٍ تقوم بتدريس مناهج العدو، يمثل واحدًا من مسارات الهيمنة وصناعة نموذج الاخضاع الصهيوني للفلسطينيين، إذ تلعب عمليات ضخ التمويل والتسهيلات والامتيازات للمتعاونين دورها في سقوط مواقف العديد من المؤسّسات الفلسطينيّة، فإنّ الخطاب والسلوك السياسي الوطني الفلسطيني الذي يختزل الصراع في القدس في بعض جوانبه دون غيرها يشكّل أرضيّة يستفيد منها أصحاب المواقف المتساقطة والمتعاونين مع سياسة العدو وخططه.

خلال الأعوام الأخيرة لم تكن القدس تشكو من قلةٍ في الاهتمام الفلسطيني أو حتى تجنيد الموارد في خدمة صمود ونضال أهلها، وقد خاض الشعب الفلسطيني وفي مقدمته أهالي المدينة جولات من الاشتباك العنيف مع العدو في المدينة وحول قضاياها، ولكن هذا الاشتباك عادة ما كان يتصل بما تتسلّط عليه العدسة، وما تلعب وسائل الإعلام بأجنداتها المختلفة دورها في إبرازها كقضايا مركزيّة ومفصليّة في معركة القدس والصراع اليومي مع سياسات العدو فيها، الإشكال هنا ليس في وجود أهميةٍ حقيقيةٍ وجوهريةٍ لهذه القضايا، لكن بالأساس في الوعي بالنضال الفلسطيني وهويته وموضعه في هذا الصراع وأدوات تشكيله، فما يواجه العدو منذ بداية هذا الصراع هو الإرادة الفلسطينيّة بالاشتباك وعدم الاستسلام، وعلى وقع هذه الإرادة والانحياز تتحدّد معادلة الاشتباك وموازين قوته وفرص الصمود وهزيمة العدو، فما يمتلكه الفلسطينيون في هذه المواجهة ليس جيوش جرارة أو قوات نخبة تنتظر تكليفها بأهدافٍ محددة-على أهمية وجود هذه الأخيرة- ولكن بنى مجتمعية تنتج فعلاً مباشرًا في مواجهة العدو، وتفرز أجسامًا نضالية تخوض مهمات المواجهة وتنظم كفاح الشعب، وهو ما يعني أنّ حفظ وتطوير شبكة النضال الفلسطيني هو الأداة الرئيسيّة في المواجهة، وأن أي تقدّم في أيٍ من ملفات المواجهة ومحاور الصراع يحتسب بالمعنى الإستراتيجي بكونه تطوّر في قدرة النضال الفلسطيني وأدواته أو العكس كونه نجاحًا للعدو في اسقاط مزيدٍ من البنى الفلسطينيّة وتحويلها لأدواتٍ تخدم شبكة هيمنته، وبالتحديد هذا جوهر العمل المعادي في قضية المناهج الدراسيّة في القدس والذي يعكس ما يتجاوز سطح الصراع لعمقه، فما يدور على السطح من معارك اخضاع رمزي ترمي لقهر الفلسطينيين معنويًا، ويتصل بهذه الممارسات العميقة الهادفة لاستخدام "الهزائم المعنوية" في تقويض الصمود الفلسطيني بل واسقاط كثير من بناه وتجنيدها كأدواتٍ في خدمة العدو.

إنّ معركة الوعي والهوية لا تنفصل إطلاقًا عن الاشتباك اليومي العنيف مع قوات الاحتلال ومظاهر هيمنتها وبطشها في القدس أو في أي موضعٍ على أرض فلسطين، فمن نفّذ عمليات الفداء في القدس وغيرها انطلقوا من وعيهم بهذا الصراع وايمانهم بهويتهم، وكذلك من اعتصم واشتبك في ساحات القدس ضد قوات العدو دفاعًا عن هويتها وعروبتها وهويته وعروبته.

إنّ التصدي الشجاع من قبل الفعاليات المقدسيّة الوطنيّة لهذا السقوط من عديد من المؤسّسات، لا يغني عن موقفٍ وطنيٍ عام، تتحمّل مسؤوليته البنية الرسمية كما القوى السياسيّة الفلسطينيّة وفي مقدمتها فصائل العمل الوطني، فلا يمكن أن يكون السقوط والتعاون مع العدو بلا ثمن، أو أن نستسلم لمنطق المزاد، بحيث تبيع بعض البنى الفلسطينيّة مواقفها لصاحب الموازنة الأكبر، تارة للمحتل وتارة للوصاية، وأحيانًا لتحصيل بعض الموارد التي يقدمها الشعب الفلسطيني من قوت ودماء أبنائه.