Menu

مع تشكّل غيوم حرب باردة جديدة

تحليلماذا في حقيبة الإمبراطور: بايدن في الشرق الأوسط ومزيد من التطبيع والقمع

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

يأتي الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط بعد أيام، في محاولة لاستعادة هيبة الإمبراطورية، مع تشكل غيوم حرب باردة جديدة في العالم، لن يترك الشرق الأوسط خارجها طبعًا، كيف يمكن هذا، وفي الشرق الأوسط "إسرائيل" والقضية الفلسطينية، وإيران، بالأحرى، أقرب حلفاء الإمبراطور وأذنابه من عرب التطبيع من جهة، والمقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية، الشوكة التي تخترق حلق الإمبراطورية من جهة أخرى.

وفي الوقت الذي يصل فيه بايدن إلى الكيان، مؤكدًا على جوهر التحالف الإجرامي، معيدًا تأكيد الضمانات الأمريكية لدولة الاحتلال، من جهة، ووصوله إلى السعودية، لضبط إيقاعها وتهذيب ولي العهد الشارد من جهة أخرى فإن مسألة التطبيع تتموضع على طاولة الزيارة، وقد سبق لبايدن أن أعلن أنّ زيارته للمملكة ليست معنية بأسعار النفط، بل بأمن "إسرائيل".

هذا ما قاله بايدن، وهو يكذب ويقول الصدق في نفس الوقت، يكذب لأن مهمته بالأساس في المنطقة من كارتيلات السلاح والصناعة والطاقة الأمريكية، هي ضبط أسعار النفط، التي لا يريد الغرب اشتعالها في ظل انقطاع الإمدادات الروسية، وبدء الولايات المتحدة في استخدام احتياطياتها الاستراتيجيّة، ورغم ذلك لن تتمكن من الإيفاء بمتطلبات حلفائها الأوربيين، الذين راهنوا على دراجة بلا عجلات وعدهم بها بايدن، مقابل التخلي عن دفء الغاز الروسي المترف والرخيص.

يصدق بايدن في قوله لأن كل شيء إمبراطوري أمريكي في الشرق الأوسط هو مرتبط بـ"إسرائيل"، فأمن "إسرائيل" يعني أمان المصالح الأمريكية في المنطقة، وإمدادات النفط، ومخلب الوحش، وأمان الأنظمة الرخيصة التابعة للأمريكي وحكامًا تابعة لشريكه الاستراتيجي الصهيوني.

استنادًا إلى ثنائية الكذب- والحقيقة، تتجه الأنظار إلى السعودية، لفحص مدى التطبيع ووقته وزمانه وشكله، ويستعد المقاومون والمعارضون للتصدي لموجة جديدة من القمع المتوحش الصهيوني-العربي التطبيعي، سواء في فلسطين المحتلة أو دول الخليج بالذات.

بالتأكيد، لن يكون لهذه الزيارة أهمية في الصراع الفلسطيني-الصهيوني، عدا عن تكريس عزلة الشعب الفلسطيني وتعميق قهره وحصاره، بل يجادل بعض الخبراء بأن الزيارة تبدو وكأنها علامة على أن واشنطن تتخلى عن أي مساهمة ذات مغزى في حل الصراع، وبدلاً من ذلك تسعى فقط إلى تعزيز العلاقات التطبيعية بين الكيان الصهيوني والدول العربية. وحسب تعبير تريتا بارسي، نائبة الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي، خلال ندوة عبر الإنترنت يوم الاثنين استضافتها مؤسسة السلام في الشرق الأوسط: "هذا مجرد إلقاء للفلسطينيين تحت الحافلة والتظاهر بأن هذا هو السلام".

في الحقيقة منذ بدء ما يسمى عصر السلام- الأمريكي الصهيوني المزعوم، والتطبيع العربي، والتخلي العربي شبه النهائي عن القضية الفلسطينية وعن الشعب الفلسطيني، يمكن بوضوح قياس ارتفاع مقياس القمع المادي والمعنوي ضد الشعب الفلسطيني، سواء على مستوى الوضع المباشر تحت الاحتلال أو مستوى حصار قطاع غزة، أو قمع وملاحقة ومحاصرة اللاجئين والسعي إلى إلغائهم، كما أن هذا الهجوم يتناسب طردًا مع تسارع وتيرة التطبيع والاستسلام العربي.

يشير تقدم التطبيع أيضًا إلى التحالف البوليسي القامع الذي يتم إنشاؤه بين الكيان والدول المطبعة، هذا الذي ابتدأ عبر شركات التكنولوجيا وتقنيات التجسس، تجاريًا ليرتفع إلى مستوى التخطيط بين الدول، لدرجة لا يستبعد كاتب هذا المقال، أن يكون الاتجاه حاضرًا بقوة نحو ليس فقط ناتو عسكري عربي- إسرائيلي، بل نوع آخر من ناتو أمني داخلي، (أف بي آي) أو (كمبيوتر واحد) إن صح التعبير لكن يشمل عددًا من الدول، يهدف لكتم الأنفاس وقمع المقاومين والمعترضين وهندسة رأي عام مواتٍ لمصالح الكيان والأنظمة الحاكمة. خصوصًا في ظل تسجيل أغلبية حقيقية في دول التطبيع العربي معارضة للتطبيع والعلاقات مع الكيان الصهيوني، ولكن يتم تغييبهاـ وقهرها حرفيًا في ظل سرد إمبراطوري- أمريكي إمبريالي يريد تمهيد الطريق أمام قطار الغرب المتوحش الذي سيسحق جميع الهنود الحمر الذين يحاولون التصدي له.

التطبيع السعودي

التطبيع السعودي ليس جديدًا ولن يكون مفاجئًا، فالأسرة الحاكمة هي عميل تاريخي للغرب والمستعمر، ولم يكن التطبيع ليجري في البحرين والإمارات دون ضوء أخضر منها، وما كان التطبيع التاريخي الناعم مع عمان ليتم السكوت عنه دون إرادة سعودية، ولكن النظام السعودي، يعين مصالحه أيضًا، ويريد أن يحصل على ثمن ما من تطبيعه، ثمن له علاقة بضمان أمن واستمرار الأسرة الحاكمة، وله علاقة بتبييض وجهها ومنحها بعض الشرعية عبر تطبيع "مشرف" لا نعرف في الحقيقة أي شرف فيه، عدا أنه تم التمهيد له في المجتمع السعودي، عبر القهر والقمع وعبر الحرب الشاملة على وعي هذا المجتمع لقطع علاقته مع القضية الفلسطينية.

في هذا السياق لا يفاجئنا تصريح زعيم المعارضة الصهيونية بنيامين نتنياهو، الذي أشاد بدور محمد بن سلمان لي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في التفاوض على اتفاقيات التطبيع بين الكيان والدول العربية ونتنياهو كان على رأس الحكومة الصهيونية، ويريد العودة إليها ولا أحسبه يغامر بإغضاب السعوديين بقول ما لم يحدث، بل حدث فعلاً، وكان محمد بن سلمان هو الذي أعطى الضوء الأخضر للتطبيع، وسحق الفلسطينيين في مقابلته مع مجلة اتلانتيك، وبالتالي فإن وعد نتنياهو بتحقيق "سلام" شامل مع السعودية بمجرد عودته إلى الحكم ليس غريبًا، ولا خارج النص، بل هو استكمال لما انقطع بسبب الأزمة السياسية "الإسرائيليّة" الداخلية. وفي الحقيقة كان نتنياهو محقًا عندما أشار إلى أن طائرة بايدن التي ستسافر مباشرة بين الكيان والسعودية هي دليل على عمق إنجازه في الشرق الأوسط، دون أن ننسى بالطبع زيارته السرية في تشرين ثاني/ نوفمبر 2020 بعد ثلاثة أشهر من توقيع اتفاقات إبراهيم إلى نيوم السعودية، للقاء محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو. وبحضور رئيس الموساد في حينه يوسي كوهين.

تصريحات نتنياهو، تتكامل مع تصريحات وزير المالية الصهيوني أفيغدور ليبرمان، الذي قال يوم الاثنين إنه يأمل أن تؤدي زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة هذا الأسبوع إلى إنشاء سوق شرق أوسط مشترك. وفي مؤتمر اقتصادي استضافته صحيفة "كالكاليست"، ناقش ليبرمان آفاق تكامل الاقتصادات في المنطقة: "لقد حان الوقت لإنشاء سوق مشتركة جديدة في الشرق الأوسط". ووضع ليبرمان السعودية، بالإضافة إلى الأردن ودول الخليج الأخرى، كأعضاء محتملين، وقال إن إنشاء مثل هذه الكتلة الاقتصادية لا يزال "تحديًا كبيرًا". يأتي هذا في ضوء حقيقة فشل دول مجلس التعاون الخليجي المزمن، في إنشاء اتحاد جمركي أو سوق خليجية مشتركة.

في ظل هذه التحديات، وفي ظل هجمة إمبريالية-صهيونية-عربية مطبعة، يغدو لزامًا على جميع قوى المقاومة والاعتراض، التوحّد خلف برنامج مقاومة واحد، والكف عن اللعب بالكلمات، والصراعات الفئوية، والمصالح الخاصة الضيقة، مطلوب اليوم أجندة للشعب الفلسطيني، والأمة العربية، واضحة ومفهومة وغير مرتبكة الكلمات، أجندة "معاركة" بالإذن من الشهيد المعلّم غسان كنفاني .