Menu

​مناقشة تجربة اليسار الفلسطيني وإخفاقاتها وآفاق التوحيد

غزة _ بوابة الهدف

ناقش مشاركون/ات في ورشة حواريّة تجربة اليسار الفلسطيني، وإخفاقاتها وآفاق التوحيد، وسط وجهات نظرٍ متباينة، بين من يرى أن سبب عدم توحيد اليسار وفشله في أن يكون قطبًا ثالثًا يعود إلى صراع أيديولوجي وفكري، وبين من يرى أن المصلحة الحزبية، وفي بعض الأحيان الشخصية، كانت تطغى على أولوية التوحيد.

ودعوا إلى ضرورة أن تكون هناك قواسم مشتركة بين القوى اليسارية حول القضايا السياسية والاجتماعية والديمقراطية، وإلى الاهتمام بالتثقيف الحزبي، ومن ثم بالقيم اليسارية.

وتطرقوا إلى أسباب فشل تجربة التجمع الوطني الديمقراطي، وغيره من التجارب في بناء تيار ثالث ديمقراطي بين قوى اليسار، إضافة إلى مناقشة الفشل في تشكيل ائتلافات انتخابية مشتركة.

جاء ذلك خلال الورشة الحوارية البؤرية الثانية ضمن ورشات المؤتمر السنوي لمركز مسارات، وخصصت لمناقشة مسودّة ورقة بحثية أعدّها د. حسن أيوب، أستاذ السياسة الدولية والسياسات المقارنة في جامعة النجاح الوطنية، بعنوان "اليسار الفلسطيني وسؤال التوافق"، بمشاركة 20 سياسيًا وباحثًا وناشطًا من الجنسين من مختلف التجمعات الفلسطينية. وأدار الحوار د. رامي الشرافي، عضو مجلس الإدارة في مركز مسارات.

وقال الشرافي إن هذه الورشة هي الثانية ضمن فعاليات المؤتمر السنوي الحادي عشر "رؤى إستراتيجية: فلسطين 2022.. التحوّلات المحلية والإقليمية والدولية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية"، الذي سيعقد تتويجًا لهذه الورشات يومي السبت والأحد 3 و4 كانون الأول/ديسمبر 2022، وسيكرس لمناقشة تقرير إستراتيجي يستند إلى مخرجات أوراق العمل والورشات الحوارية.

ونوه إلى أن هدف تنظيم الورشات البؤرية إشراك متخصصين وأكاديميين في مناقشة أوراق العمل وطرح الملاحظات لإغنائها بما يسهم في تطويرها وطرحها للنقاش في المؤتمر.

واستعرض أيوب الورقة، مشيرًا إلى أنها تنطلق من افتراض منهجي يعدّ اليسار الفلسطيني حالة فكرية تتجسد في خيار سياسي متمايز أيديولوجيًا وكفاحيًا عن القوى السائدة على الساحة السياسية الفلسطينية. وهذا الافتراض يهدف إلى أشكلة القضية الرئيسية للورقة، وهي قضية توافق اليسار وإمكانات نهوضه بوصفه تيارًا ثالثًا.

وأوضح أن الورقة تنقسم إلى أربعة أقسام مترابطة جدليًا، بوصفها العوامل المفسرة لفشل اليسار الفلسطيني في تكوين قطب ثالث ديمقراطي، وعدم قدرتها على بناء تحالفاتها الانتخابية الخاصة؛ حيث تناول القسم الأول تاريخ علاقات قوى اليسار مع بعضها من جهة، ومع النظام السياسي الفلسطيني من جهة ثانية، بغرض الاستدلال على العمق التاريخي لهذا الفشل، ثم ناقش القسم الثاني السياقات العالمية والإقليمية لتأثيرات العولمة على النظم السياسي وعلى اصطفافات القوى الاجتماعية، لكي نلاحظ تراجع اليسار وصعود اليمين وتأثيراته المحلية، ثم تطرق القسم الثالث إلى تحولات البنية التنظيمية والسياسية للنظام السياسي الفلسطيني، وخُتمت الورقة بالقسم الرابع الذي تناول العوامل الذاتية عند قوى اليسار.

وأشار إلى أن اليسار الفلسطيني يعاني من أزمة متفاقمة ومركبة تجد جذورها في تاريخ علاقات قوى اليسار الفلسطيني مع بعضها البعض من جهة، ومع النظام السياسي الفلسطيني من جهة أخرى. وعوضًا عن استخلاص عبر ودروس هذه العلاقات، أعاد اليسار الفلسطيني إنتاجها، وبصورة أكثر تهديدًا لاحتمالات نهوض قطب ثالث يساري ديمقراطي يمثل حالة متماسكة تنظيميًا وسياسيًا، وقادرة على الاستقطاب كفاحيًا واجتماعيًا، وعلى لجم التفرد السياسي، والفئوية والخيارات السياسية المتهالكة التي أصبحت تميز النظام السياسي الفلسطيني.

وبيّن أن تحولات البنى الاجتماعية الفلسطينية أفضت إلى نشوء نظام سياسي فلسطيني جديد بخصائصه البنيوية وسياساته وتحالفاته. وكان من أبرز علامات هذا النشوء تحول مركز ثقل صنع القرار السياسي من منظمة التحرير وهيئاتها ذات العلاقة، إلى السلطة ومؤسساتها وأولها مؤسسة الرئاسة. بذلك تكون الحاضنة الرئيسية لوجود اليسار، التي أمنت الحد الأدنى من توافقه في مراحل معينة على خلفية المواقف المشتركة من سياسات حركة فتح، قد تغيرت بعمق، وداهمت اليسار وهو في حالة من انعدم الوزن لم يستطع التعامل معها.

وأوضح أن القدرات الذاتية والبناءات التنظيمية لليسار لم تمتلك الحركية والإبداع اللازمين للتعامل مع هذه التغيرات، بل إن بعض الخصائص الذاتية لليسار الفلسطيني ذات الصلة باللاتحديد وانعدام الوزن السياسي والفكري قد جعلت من اليسار قوة بلا هوية سياسية متمايزة، إضافة إلى السمات التنظيمية لهذا اليسار التي حولته إلى حد بعيد إلى كيانات تتسيدها صفوة حزبية بلا قواعد، وغالبًا مرتبطة بالأحوال المتقلبة لنظام سياسي ينزع أكثر فأكثر نحو الفئوية.

واستعرض أهم متطلبات نهوض اليسار وبناء قطب ثالث، ومنها: وضع رؤية فكرية تتعلق بالموقف من السلطة الفلسطينية، وتمسكها بخيار الدولة المستقلة، وعلاقة هذه الدولة بمحيطها، وخياراتها السياسية والاقتصادية-السياسية المرتبطة بالعولمة، وكذلك التخلي عن المركزية الديمقراطية التي باتت تعكس هيمنة العقلية التقليدية التي تؤمن بالدور الرئيس للقيادة التاريخية، والتقدم بمبادرات قاعدية وشعبية من شأنها أن تشكل البديل لحالة اللاتسييس (أو التفريغ السياسي) التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، إضافة إلى إطلاق عملية مراجعة ونقد ذاتي جدية وممأسسة وذات مغزى تشمل التوجهات السياسية، والعجز الفكري والتنظيمي، والبناء الداخلي لقوى اليسار الفلسطيني، فضلًا عن الاستثمار الفكري والسياسي في فشل وصفات الليبرالية الجديدة التي طبقت في الضفة الغربية وما نتج منها من إقصاء الكثير من الشرائح الاجتماعية.

وقدم المشاركون/ات مجموعة من الاقتراحات والأسئلة من أجل تطوير مسودة الورقة، لجهة أن تتطرق بصورة أعمق إلى تشخيص أزمة اليسار، والبحث في الأسباب التي أدت إلى فشل تجارب توحيد اليسار، وكيفية العمل على توحيد القوى اليسارية، إضافة إلى ضرورة تناول الورقة لليسار التقليدي، ونظرية التحول إلى الحزب العمالي التي كان يتبناها عدد من الفصائل اليسارية، وتطرقها إلى المقاومة، وكذلك إلى محور المقاومة.