Menu

المقاتل الفلسطيني سياسي أولًا: سؤال الفدائي

بوابة الهدف الإخبارية

خاص_بوابة الهدف الإخبارية

مع كل تصعيد للفعل الكفاحي الفلسطيني في مواجهة العدو، أو صعود لنمط جديد من أفعال المقاومة والتصدي التي ينتجها شعب فلسطين؛ يتخذ العدو خطواته المعهودة، ويحاول القمع تصاعدًا بأدوات إجرامه، وإذا انكسرت هجمته أو تكبد أثمان لجرائمه؛ يتراجع خطوات للوراء باتجاه تسكين الوضع، ويبحث عن معالجة استراتيجية.

في الطور الحالي من المواجهة مع العدو؛ يدرك عدم وجود "معالجة استراتيجية" لمصادر التهديد وعوامل إنتاج المقاومة، لكنه لم يتخلَ عن سعيه للبحث عن بديل لمواجهة تزيد من اشتعال غضب الجماهير الفلسطينية ضده، وتنتج مزيدًا من عوامل المقاومة وتغذي روافعها وحواضنها، وفي هذه المرحلة بالذات يسعى العدو جاهدًا لتحويل التصاعد الكفاحي لمشكلة فلسطينية؛ بمعنى التأثير على إرادة الفاعلين الفلسطينيين وخصوصًا المستوى السياسي الرسمي باتجاه تبني موقف يعتبر هذا الكفاح تهديدًا، وبدلًا من التحول باتجاه دعم المقاتل/المطارد الفلسطيني؛ البحث عن سبل لاحتوائه أو قمعه.

إن تخيير المقاتل/المطارد بين المشاركة في مطاردته وحصاره وصولًا للموت وبين امكانية سجنه ل"حمايته"، ليس حماية في الحقيقة؛ فالحماية تعني توفير الحاضنة والموارد لخدمة المطارد ومجموعته وأمثاله، ولدعم هبة شعبية تشكل حاضنة له وتشتبك مع الاحتلال وتستنزف أدوات أمنه.

في جولات سابقة من التصعيد الكفاحي الفلسطيني سارع المجتمع الدولي والأطراف المهيمنة على القرار والإرادة السياسية الرسمية الفلسطينية إلى الإفراج عن ملف الانتخابات الحبيس، كطرح مفاده إذهبوا لهدر مواردكم وطاقاتكم في التنافس على انتخابات على مقاعد سلطة لا تملك من أمرها شيئًا؛ تنازعوا على التمثيل وعلى كل شيء، لكن لا تتخيلوا أبدًا امكانية استثمار حالة المقاومة كعنوان لوحدة وطنية وقاعدة تجتمع عليها بنية وطنية نضالية موحدة؛ تكون مصدرًا لشرعية الفعل السياسي كما الحدث الانتخابي، والسؤال الدائم تجاه عصا موسى وثعابين الاحتلال، هل سنذهب ذات يوم لاختيار أو انتخاب ذو صلة بهذا الفعل الكفاحي؟ هل نذهب نحو اختيار قيادة للكفاح؟ أم لصراع على تمثيلنا أمام من يقتلنا و يحاصرنا؟

يدرك الكل الفلسطيني أن هدف العدو واضح في شطب كل حضور سياسي للفلسطينيين، ومع ذلك يمضي البعض الفلسطيني لركوب موجة خطرة مع كل فعل شعبي فلسطيني، وترداد مقولات تحاول تجريد المقاوم من عمق طرحه السياسي وتسطيح فعله كما لو كان إطلاق نار غاضب أو محض انتقام؛ المقاوم الفلسطيني في الضفة المحتلة ليس شابًا بسيطًا غاضبًا، بل مقاتل مسيس؛ اختار أن يقدم موقفه من الاحتلال بدمه وبتضحيته، ولم يفعل ذلك ليحرج أحدًا، ولكن بالأساس في خدمة الهدف الاساسي للكفاح الفلسطيني وهو هزيمة الاحتلال، وهو ما يعني أيضًا أن سؤالنا لا يجب أبدًا أن يدور حول هراء الاحتلال بشأن أسباب حمل الفلسطيني للسلاح، ولكن حول كيف نهزم الاحتلال؟

برنامج سياسي مسلح بأدوات تنفيذية، وقيادة وطنية نضالية موحدة تقود على الأقل المنخرطين في انفاذه على الأرض؛ تقوم على مهمات الحشد والتعبئة والتوعية والتنظيم، دفاعًا عنه، وتعمل على تحقيق الوحدة والالتفاف الوطني الشامل حوله.

إن عزل الكفاح عن بعده السياسي يعني تسليم للعدو بالتنازل عن مستقبل هذا الكفاح، وتجريده من امكانيات استمراريته وانتصاره، وحصاره بوصمه بصفة حالة ميدانية أو شعبية مناطقية لا يمكنها التحول باتجاه الارتباط بمشروع شامل لأجل التحرر الوطني.

لقد طرح الشهداء والفدائيين في الضفة المحتلة، والمشتبكين مع العدو في معارك غزة، كما أبطال العمليات الفردية مهمة واضحة، وهي ردع الاحتلال وهزيمته؛ تحرير فلسطين هو سؤال الشهيد والأسير والمقاتل، وأي اقتطاع لهذا الفعل من سياقه لا يمكن النظر له ببراءة أو سذاجة، بل يجب التعامل معه جديًا كجزء من انزلاق لموقع مضاد.

ندرك كما عدونا أن هناك ما تغير منذ أيار ٢٠٢١، أو بالأصح أن عوامل التغيير قد نضجت لحد كبير في كثير من جوانبها، وأن مرحلة تراجع الفعل الفلسطيني، قد بدأت نهايتها، وإذ يحاول عدونا جاهدًا إعادة عقارب الساعة للوراء، واستعادة تفعيل أدوات المشاغلة، والإلهاء والإنهاك، فإن مهمة الفلسطيني المسيس المسلح وغير المسلح أن يدرك أن مهمته الدفع للأمام، نحو البناء النضالي؛ فالثبات والصمود في "الوضع الحالي" أو تخيل ديمومته يعني تسهيل مهمة الاحتلال في تطويق الفعل وحصاره واستنزاف الفاعلين فيه. إن الامتداد والتقدم والتطور، هي أدوات الانتصار، وجميعها تحتاج لتلك الكلمة التي يجب تردادها كل يوم: التنظيم؛ فالعمل الجماعي المنظم هو أداتنا في هذه المعركة؛ تجميعًا وحشدًا وتنظيمًا للإرادات والأفعال نحو اهداف محددة هو محور قوتنا في مواجهة عدو يحوز عوامل القوة المادية.

لم تكن رصاصات الفدائي في نابلس وجنين و القدس ؛ أداة لقتل جنود الاحتلال فحسب، ولكن أداة لتعبئة وحشد وتنظيم الجماهير؛ تكاملت مع أدوات الفعل الفلسطيني في استعادة الفعل والبنية القادرة على تكرار وتطوير أنتاج الفعل، هذا الدم لم يرق في معركة ثأر مقدس فحسب، ولكن بالأساس في سياق فعل لاستعادة مشروع تحرير فلسطين بكامل أدواته وعنفوانه الثوري وامتداده الجماهيري.