في هذا العالم لا تقوم التحالفات بين الدول عبثا، خصوصا اذا كان هذا التحالف يحمل نوايا معلنة بفعل عملياتي عسكري.
الاعلان عن "تحالف إسلامي" بقيادة السعودية ل" محاربة الارهاب" يحمل ابعاد اشكالية متعددة، منها ما يتعلق بالمسمى فعضوية هذا التحالف بناء على مسمى ديني " إسلامي"، كما لو كنا نعيش في العصور الوسطى ويتجيش اتباع الاديان في جيوش تخوض حروب مقدسة، يهلك فيها الناس باسم الدين وعلى مذبحه لحساب الملوك ومصالحهم.
اختيار التحالف لهويته وعضويته يعبر عن اختياره لأهدافه التي يسعى لتحقيقها، والهوية والعضوية الطائفية لهذا الحلف تؤكد حقيقته كجزء من التحشيد لحرب طائفية.
بالتأكيد ليس مطلوب ان نصدق ان من يمول الفصائل الاكثر ارهابا وتورطا بقتل السوريين والعراقيين وغيرهم، ويبث الدعاية والتحريض الطائفي ينوي حقا " محاربة الارهاب"
أي عاقل في هذا العالم يدرك ان من يعبئ التكفيريين ليعيثوا ذبحا في وطننا العربي هي الدول الأساسية المشاركة في هذا التحالف، فإباحة قتل الناس او تعذيبهم او غزوهم على خلفية هويتهم الدينية ومعتقداتهم هو جوهر المنظومة التربوية والدعوية التي تستند اليها المنظومة الحاكمة في السعودية.
وإذا كانت ثمة ارادة من هذه الدول للتحالف والتشارك فمن الغريب الا تكون ضد التدخل الاستعماري المتكرر والمستمر في العديد من دول المنطقة، ابتداء من اغتصاب ارض فلسطين وزرع الكيان الصهيوني المعادي لها، مرورا بتدمير العراق واحتلاله، وعودة للعدوان المستمر على المسجد الاقصى " احد اكثر البقاع قداسة لدى المسلمين".
أي " ارهاب " الذي سيحاربونه فيما تعانق تركيا " المسلمة" الكيان الصهيوني الارهابي الاول في المنطقة وعدو شعوبها ، فيما تتقارب مع هذا الكيان دول اخرى من المشاركة في التحالف.
هنا لا نكتشف جديدا او نذيع سرا اذا قلنا ان هذا التحالف هو اصطفاف مذهبي لحماية من يخوض المعركة ضد شعوب المنطقة ويعمل على قهرها في اليمن وسوريا والعراق و فلسطين، وأن هذا الاصطفاف موجه ضد مجموعة من قوى ودول المنطقة ، لا تشمل العدو الابرز لشعوبها وهو الكيان الصهيوني.
إن السير في نهج الاصطفاف والتجييش الطائفي وابتداع حلف ينظم المشاركين في هذا النهج ، لا يحرف البوصلة عن الصراع مع الإمبريالية والمشروع الصهيوني فحسب، بل و يفتح الباب مشرعا امام اذكاء الاحتراب الاهلي ومشاغلة من لديه الارادة لمواجهة الكيان الصهيوني.
هذا حلف من لا يرغب بقتال الكيان الصهيوني، ويرغب كثيرا في ادامة حربه ضد شعوب المنطقة، وإذكاء المجزرة الطائفية المستمرة، ولا يتورع ابدا عن قتال من يرغب بقتال الكيان الصهيوني ، والمفارقة هنا انه حينما ينشأ تحالف يضم 35 بلد عربي وإسلامي يكون ضد مصالح الامة العربية وجزء من مسار تفتيتها وذبحها.