Menu

التجويع والنهب

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

يأكل الجوع لحم الناس ويحفر في عظمهم، في فلسطين المحتلة ومخيمات اللجوء، بفعل إرادة دولية بتجويع هذا الشعب حد الموت أو الاستسلام، وإذا كانت مشاهد البؤس والشقاء في مخيمات الفلسطينيين في سوريا ولبنان وعموم قطاع غزة المحاصر، قد أضحت "اعتيادية"، فإن وقائع تجويع وإفقار الفلسطينيين لا تقتصر على هذه البقاع من حيز انتشارهم ووجودهم، كما إن آثاره لا تقف عند حدود فقر الدم ونقص التغذية لدى أطفالهم، أو عوزهم لمواد أساسية في حياتهم اليومية، وسقوط وتداعي شبكات الخدمات الحيوية الأساسية، هذا التجويع يقتل الناس بالقهر والشعور بالظلم والعجز عن مواجهته؛ فإطار النضال الوطني الفلسطيني بشقه المركزي، بات يعزل كل هذا عن مقولاته السياسية، ومهما بلغت جدية مقولات التحرر الوطني والصمود والمقاومة، فإن قدرتها على علاج ما هو اقتصادي واجتماعي ستبقى محدودة، طالما واصلت الانفصال عن النظر فيه كجزء محوري وأساسي من الصراع مع العدو و معركة التحرر الوطني.

إن عجز وفشل المؤسسات الوطنية الفلسطينية في حمل مهماتها الاجتماعية والاقتصادية هو فشل وطني يضاف لعجز وفشل سياسي خطير؛ استسلم لربط الفلسطينيين باقتصاد العدو بما يمكنه من خنقهم وتقويض اقتصادهم وحصارهم، كما أن هذا الفشل يضع مسؤوليات كبرى على عاتق الحركة الوطنية الفلسطينية بكامل قواها وفصائلها، وبنى المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية؛ فالتجويع الذي يتحمل المحتل وحلفاؤه مسؤوليته، لا يمكن ان يواجه بسوء التوزيع وغياب العدالة، والاستئثار بالموارد، وكل هذه الممارسات لا يمكن أن تقابل دون برنامج معارض اقتصاديًا واجتماعيًا؛ يربط النضال الوطني بالنضال الاجتماعي الديمقراطي.

هذا الإفقار مترافقًا مع سوء التوزيع ووحش البطالة الذي يفترس الشباب؛ يطلق آفات اجتماعية خطيرة، من عنف مصوب للداخل، وجريمة، وظواهر تفكك وعنف أسري، ويذخر سلاح الترمادول والحشيشة والليركا وحبوب الهلوسة، وانتشار الظواهر السلبية والمبيقات الاجتناعية التي يمكن فهمها كجزء من ترسانة العدوان على شعبنا. صحيح أن العدو لا يقوم بشكل مباشر بتشغيل كل من خطوط توزيع وبيع كل هذه العائلة المنحطة من المخدرات وغيرها، ولكن المؤكد أن فتكها بمجتمعنا يخدمه، ومظاهر الجريمة تخدمه، والعنف المجتمعي يخدمه، ودون وقوف الحركة الوطنية والبنى الاجتماعية أمام مسؤولياتها في صيانة مجتمعها، بالمساندة الجادة والبرامج الاجتماعية وإعادة النظر في كامل هيكل الاقتصاد ودوره والتوزيع ومفهوم المسؤولية الاجتماعية، دون الوقوف أمام هذه المسؤوليات؛ نسلم مجتمعنا للتفكك والضياع، أو بأدنى الأحوال سوءًا لدفع أثمان مضاعفة للحصار والعدوان.

إن إصرار قوى ومجموعات المصالح في فلسطين على استثمار مواقع السلطة، وبيئة الانقسام والحصار وشروط الاحتلال، كظروف للإثراء والنهب على حساب فقراء شعبنا، يقع في موضع العداء لهذا الشعب، ولا يبقى أمام القوى الوطنية الجادة خيارًا إلا تصعيد نضالها الاجتماعي والديمقراطي؛ دفاعًا عن حقوق أبناء شعبنا، وعن فرص صموده وانتصاره في معركة الحفاظ على الوجود الإنساني وكفاح التحرر الوطني.

لا معنى وطنيًا لصمود وجوع يوزع على الفقراء، مقابل ثراء و مراكمة مصالح الأغنياء وأصحاب رأس المال، فمعنى الصمود وطنيًا هو بناء قدرة المجتمع وتعزيزها وإشباع احتياجات الناس بالتساوي، واسناد المهمشين، ومجابهة التجويع بعدالة التوزيع، ومراكمة رأس المال الوطني المنتج والقادر على التشغيل لا نهب جيوب المواطنين بالمكوس والضرائب والغلاء لمصلحة قلة انتهازية تمتص دمهم.