قد يسهل الحديث حول خطورة الخطاب والتعبئة الطائفية على المشهد العربي اجمالا، في ضوء ما افضى اليه من تشظي واحتراب اهلي، والمؤكد ان خطورة استحضار هذا الخطاب في الساحة الفلسطينية او على مستوى تناول القضية الفلسطينية وقضية الصراع مع المشروع الصهيوني واضحة من حيث ما تحدثه من ارباك وتفتيت للاجماع حول فلسطين وحول العداء للمشروع الصهيوني، لحساب اصطفافات طائفية قد تضع الكثيرين من اصحابها في خانة التحالف مع الكيان الصهيوني .
تصاعد هذا الخطر بدا واضحا في التعامل مع حدث استشهاد سمير القنطار بنيران العدو الصهيوني، فالادانات المركزة والممنهجة ضد من قام بادانة العدوان الصهيوني الواضح، وادانة نعي الشهيد بما له من ماض نضالي لاجل فلسطين واستمراره بعد التحرر من الاسر في القتال ضد المحتل، لم تكن مجرد اعراض جانبية لهذا التحريض، بل هي تعبير عن جوهر هذا المشروع، مشروع تشويه الوعي العربي وتحويله لاصطفاف طائفي، ومشروع شطب الصراع مع المحتل الصهيوني من جدول اولويات الانسان العربي.
انضمام البعض الفلسطيني الذي يعيش حالة التماس المباشر مع المحتل الصهيوني للمحاولات المستميتة لتغييب القضية الفلسطينية ورفض اعتبارها قضية العرب المركزية، لا يعكس طرح مشوه مضاد لفكرة الوحدة الفلسطينية والعربية في مواجهة المشروع الصهيوني فحسب، بل ويحيل الصراع مع هذا المشروع لهامش يمكن الاختلاف او الاتفاق عليه، فيما تصبح المسلمة الاساسية والهوية الصراعية بموجب هذا الخطاب هي الطائفة، حتى وان تحالف بعض من اهلها ودولها مع المحتل الصهيوني.
ما حدث يتطلب وقفة جادة ومراجعة حقيقية لخطاب التحريض الطائفي، الذي ظن البعض ان بامكانه استخدامه طوال الوقت دون حصد تبعاته السلبية المدمرة في ساحته الفلسطينية خصوصا على صعيد الموقف من المحتل الصهيوني، وقفة تحاكي تصميم الانسان الفلسطيني على ابقاء ادراكه الغريزي ووعيه المتراكم لخطر المشروع الصهيوني ووحشيته موجها اساسيا لموقفه وفعله.
فلا يمكن فهم هذا السلوك الا كنزوع للتدمير الذاتي، تدمير قيمة المقاومة وقيمة الشهادة، وكل مرتكزات الفعل الوطني الفلسطيني في مواجهة المحتل، ونعلم ان هذا سيفضي حتما الى ادانة كل فعل مقاوم طالما ان صاحبه لم يكن جزء من المشروع الطائفي، والى تبرير كل عدوان من هذا المحتل طالما ان ضحيته لم يكن جزء من "الطائفة"، وبهذا السياق قد يتشكل وعي يرى في السرطان الصهيوني مجرد دولة اخرى في المنطقة ، ومكون طائفي اخر يمكن استيعابه او التحالف معه في اطار الحرب الطائفية.
هذا المسعى التدميري يحظى بإسناد كامل ودفع واضح من قبل اطراف عربية واقليمية لطالما رعت التحريض الطائفي وغذت مشروعه، اطراف لم تشتبك مع المحتل الصهيوني يوما برصاصة واحدة، ولم تسعف من قاتل هذا المحتل بإمداده برصاصة .
فالمطلوب بالنسبة لمن يدفع المال لمئات الكتبة ويمول عشرات الابواق الاعلامية كان واضحا، تدنيس قيمة الشهادة ، وقيمة المقاومة، وقيمة فلسطين وازالتها من عقل الانسان العربي كمعايير لتقيم الفعل ، أي فعل في الساحة العربية.