Menu

عصبة مكافحة الصهيونية ونقض الرواية "الإسرائيلية" (الجزء الأول)

عبد الحسين شعبان

(قراؤنا الأعزاء سنبدأ من اليوم السبت 11/2/2023، نشر وعلى أجزاء متلاحقة، آخر إصدار/كتاب؛ للمفكر والباحث العربي العراقي عبد الحسين شعبان، الموسوم بعنوان: عصبة مكافحة الصهيونية ونقض الرواية "الإسرائيلية". هذا الكتاب الهام والصادر في يناير من العام الحالي بعدد 92 صفحة، بحجم ورق من القطع المتوسط؛ الصادر عن دار البيان العربي للطباعة والنشر والتوزيع؛ نضعه بين أيدي قرائنا آملين أن تتم الاستفادة المرجوة منه في موضوعه المحدد وعلاقته المباشرة؛ بشعار/دعوة/مبادرة/ضرورة: "اعرف عدوك" ومواجهة تجسيداته العملية إلى جانب ما يسمى: راويته التاريخية..

نوجه شكرنا الكبير وتحياتنا العالية إلى المفكر القدير عبد الحسين شعبان، على جهده الفكري والمعرفي المتواصل، وعلى خصه بوابة الهدف بنشر كتابه على أجزاء عبر موقعها الإلكتروني).

استهلال وحيثيات

"هذه هي الصهيونية سافرة عارية، ولكن الصهيونية ككل حركة استعمارية رجعية تشعر

ببشاعة شكلها وقبح معالمها فتقنّع نفسها بأقنعة جذّابة وأثواب جميلة فضفاضة تخفي وراءها

بشاعتها وقبحها. ولذلك فنحن بوصفنا يهودًا وطنيين واعين نتقدم بطلبنا هذا لغاية السماح لنا

بتمزيق القناع عن وجه الصهيونية الحقيقي أمام الجماهير اليهودية وغير اليهودية".

من رسالة الهيئة المؤسسة لعصبة مكافحة الصهيونية

بغداد 13/ 9/ 1945

        حين طلب مني الصديق د. وليد سالم المشاركة في مؤتمر "نقض الرواية الصهيونية" الذي سينعقد في جامعة الدول العربية، أول ما خطر ببالي وأنا أختار "موضوع عصبة مكافحة الصهيونية"، التي تأسست في العراق العام 1945، الصديق د. عباس شبلاق  الذي سلّط الضوء الكاشف على المزاعم الصهيونية بشأن هجرة يهود العراق "القسرية" إلى "إسرائيل"[1]، ثمّ استعدت كتاب الصديق د. عبد اللطيف الراوي الموسوم "عصبة مكافحة الصهيونية في العراق" والصادر عن دار وهران في مطلع الثمانينيات والذي تناول فيه دور اليهود اليساريين العراقيين في الكفاح ضدّ الصهيونية وفي إدانة ارتباطها بالإمبريالية. [2]

 ولكن الموضوع لا يكتمل إلّا بشحذ الذاكرة ونحن نتناول الرواية "الإسرائيلية" والصهيونية فما بالك حين يكون على لسان يهود ضدّ الصهيونية، وهنا توقّفت عند علاقتي بعادل مير مصري[3] وشقيقته عميدة مير مصري[4]. ولعلّ ذلك يمكن أن يشكّل مدخلاً لحديثي عن عصبة مكافحة الصهيونية، وما كابده اليهود المعادون للصهيونية.

وفي كلمة الرفيق الياس نصر الله في تأبين يعقوب قوجمان في العام 2015، استعاد دوره في مكافحة الصهيونية، ليس في العراق حسب، الذي هرب منه خشية اعتقاله بعد سجن العشرات من رفاقه، بل في داخل "إسرائيل أيضاً"، وعمل هناك لجمع شمل الشيوعيين العراقيين اليهود لتوجيههم ضدّ الصهيونية، ووقف ضدّ قيادة صموئيل ميكونس (سكرتير عام الحزب الشيوعي "الإسرائيلي" سابقاً) وزميله موشيه سنيه القياديان المتواطئان مع الصهيونية. ويصف الياس نصر الله رفيقه قوجمان بأنه: "الشخصية العربية العراقية الأصيلة" وهو ما عرفناه عنه في لندن، حيث تعرّفنا عليه وكان منزله ومكتبه مفتوحين للعراقيين. وقد حدّثني عن أنواع التمييز ضدّ الفلسطينيين في "إسرائيل"، إضافة إلى التمييز الطائفي ضدّ اليهود الشرقيين ومن ضمنهم يهود العراق.

يقول الياس نصر الله إن يعقوب قوجمان بادر إلى طباعة كتاب "بأم عيني" الذي ألّفته المحامية الشيوعية اليهودية فيليسيا لانغر وهو أول شهادة حيّة على الجرائم التي ارتكبتها "إسرائيل" ضدّ الأسرى الفلسطينيين، كما طبع كتاباً لعبد الرزاق الصافي بعنوان "كفاحنا ضدّ الصهيونية"، وكتاباً لماجد عبد الرضا بعنوان "القضية الكردية في العراق".[5]

        وفي حديث مع الصديق يحيى يخلف في منتدى أصيلة في (المغرب 2018) استفسر منّي عن كتابي "مذكرات صهيوني" [6] الذي كان قدّم له في العام 1986 بعد أن نشرته على 5 حلقات في مجلة الهدف الفلسطينية العام 1985، وقلت له أنني أعدّه للطبعة الثانية الموسّعة وأشرت إلى شيء من قصته في ما كتبته بمناسبة رحيل جورج حبش [7] وهي قصّة تستحق التوقّف عندها لما فيها من إحاطة ودلالة على التواطؤ الصهيوني مع النازية، وذلك من خلال مذكّرات إيغون ريدليخ عضو المنظمة الصهيونية ماكابي هاكير الذي كان معتقلاً في معسكر تيريزين (تشيكيا) قبل أن يتم نقله إلى معسكر أوشفيتز (بولونيا)  وكلاهما تحت إشراف الغوستابو النازي، حيث تم إعدامه، بعد أن قضى في المعتقل نحو أربع سنوات، ولعلّ ذلك وجه آخر للصهيونية، كانت العصبة قد حذّرت منه في وقت مبكّر، وكشفت بعض جوانبه.[8]

        وكان ييرجي بوهاتكا (وهو اسم مستعار لأحد كبار ضباط المخابرات التشيكية العاملة في كشف النشاط الصهيوني) هو الذي عرّف القرّاء في مجلة تريبونا بالمذكرات[9]، خصوصاً عن العلاقة السرّية بين النازية والصهيونية، فالأخيرة لا تتورّع عن استخدام جميع الوسائل لتحقيق أهدافها، ولم تترك في تاريخها وسيلة إلّا واتّبعتها لتأكيد روايتها للأحداث التاريخية، وخصوصاً الزعم بكون فلسطين وطن اليهود، وسواءً كانت تلك الأحداث بعيدة الغور في التاريخ أم قريبة وراهنة، فإن ذلك لا يمنعها من تقديم روايتها حتى وهي تدرك أنها ملفّقة، فتعيد وتصحّح فيها وتضيف إليها وتحذف منها كلّما اقتضى الأمر ذلك، بقصّ ولصق وإلغاء وإضافة، بما في ذلك استخدام وسائل التضليل الأيديولوجي والدعائي والحرب النفسية وجميع عناصر ما نطلق عليه "الحرب الناعمة"، للتأثير على الرأي العام في محاولة إقناعه بروايتها، خصوصاً حين تغيب الرواية الأخرى النقيضة.

        تزعم الصهيونية أنها تمثّل يهود العالم وأنهم يقفون خلفها استرشاداً بالعقيدة الصهيونية، بمن فيهم يهود العالم العربي، في حين أن ما سنذهب إليه وعبر الوثائق يؤكد رؤية نقيضة للرواية "الإسرائيلية" وللمزاعم الصهيونية، بخصوص موقف نخبة متميّزة من يهود العراق التقدميين الذي خاضوا حرباً شعواء من أجل فضح المزاعم الصهيونية، بل وشنّوا كفاحاً فكرياً بين جماهير اليهود لدحض الرواية الصهيونية، فلم يكن يهود العراق وعلى العموم يهود العالم العربي في غالبيتهم يؤيدون الحركة الصهيونية، بل كان معظمهم يعتزّ بوطنيته وعروبته، وقد اقتُلعوا بأساليب ماكرة وخبيثة قامت بها الحركة الصهيونية بهدف هجرتهم إلى "إسرائيل" وساهمت بعض التوجهات القصيرة النظر والتي تعرّضت لهم لإجبارهم على الهجرة دون أن ننسى التواطؤ الصهيوني الرجعي الذي قاد إلى النتيجة العملية وهو تغذية المشروع الصهيوني بالعنصر البشري الذي كان شديد الحاجة إليه والذي يستمرّ بالبحث عنه كلّما عصفت به أزمة دولية، والأمر لا يتعلّق بفترة التأسيس حسب، بل شهدت ثمانينيات القرن الماضي وما بعدها  صفقة اليهود الفلاشا في أثيوبيا و السودان والأخطر منها خطة هجرة اليهود السوفييت عشية إنهيار الاتحاد السوفيتي.

ووصف شامير هجرة اليهود السوفييت ﺑ "المعجزة اليهودية الثانية" وهو يعني بالمعجزة الأولى "قيام دولة إسرائيل"، لأنه يدرك الأهمية البالغة لعملية الهجرة التي تستهدف مواجهة القنبلة الديموغرافية الفلسطينية التي تهدّد بالانفجار وتغيير التركيب السكاني لدولة "إسرائيل". [10]

دور ريادي

        تعرّض اليهود المعادون للصهيونية إلى حرب مزدوجة ومركّبة، الأولى من الحركة الصهيونية ذاتها التي ناصبتهم العداء، بل حاولت أن تُفشل خططهم في معاداة الصهيونية، بإثارة يهود ضدّهم والتشكيك بنواياهم وأهدافهم، ناهيك عن محاولة إثبات العكس، خصوصاً من خلال القيام بتفجير محال تجارية وبيوت وأماكن عبادة يهودية، لخلق حالة من الرعب والفزع والخوف في أواسط عموم اليهود، وبالتالي إظهار لا واقعية الحديث عن مهمات وطنية وعربية عامة، تلك التي كانت جماعة عصبة مكافحة الصهيونية تدعو لها، بالضدّ من الصهيونية ربيبة الإمبريالية.

        ومن جهة ثانية تعرّض اليهود المعادون للصهيونية لحملة قمعية من جانب الحكومات الرجعية لاتهامهم بالتواطؤ المباشر وغير المباشر مع الصهيونية عدوّتهم الأساسية، بل افتعال قضايا وكيل اتهامات لدمغهم بالعداء للعرب باعتبارهم طابوراً خامساً، وحاولت تلك الحكومات قمع حركتهم الاحتجاجية وكبت أصواتهم، بل وعرّضتهم للاعتقال والسجن وحكمت على عشرات منهم بأحكام ثقيلة، بتهم الترويج للصهيونية، بهدف ذر الرماد في العيون ومحاولة تضليل الشارع واسترضائه، خصوصاً استدرار عواطفه المؤيدة لحقوق عرب فلسطين التي كان يتطلّع إلى تحريرها من ربقة الانتداب البريطاني ومحاولات الصهيونية الاستيلاء عليها.

        وتعتبر عصبة مكافحة الصهيونية أحد النماذج المشرقة ذات البعد الأممي والتضامن الإنساني في فضح الرواية الصهيونية وفي الانتصار لعرب فلسطين، باعتبار أن قضية الحريّة والتحرّر لا تتجزّأ، وأن الصهيونية هي عدوة العرب واليهود في آن، وهي محاولة جريئة وشجاعة ورؤيوية، خصوصاً حين نستعيد بعض تفاصيلها لنرى كم كانت مبادرة رائدة ومقدامة؟ وكم كان القائمون عليها يمتلكون حسّاً وطنياً عالياً وإنسانية راقية ونظرة تقدمية؟

التاريخ وسبل المواجهة

        الزمن يسير منتصب القامة حسب شكسبير، ولكن التاريخ ماكر حسب هيغل، بل ومراوغ أيضاً، ولهذا لم تكتفِ الحركة الصهيونية بالرواية التاريخية وتزوير الحقائق، بل امتدّت إلى التراث ورسم الخرائط وأعمال المسح الميدانية محاولة عبر الصورة والمعلومة والأسطورة والخرافة والكتابة تأكيد الوجود اليهودي وشرعيته في فلسطين، بغضّ النظر عن اختلاق وتلفيق بعض "الحقائق" التي حاولت تعميمها عبر وسائل متنوّعة وبلغات متعدّدة، الأمر الذي أصبح من الواجب عدم الاكتفاء بالثقة في النفس عربياً وفلسطينياً باعتبار فلسطين عربية في الوجدان والضمير والواقع والتاريخ، بل مواجهة آلة التضليل الإعلامي والأيديولوجي والتاريخي الصهيوني، بفضحها وتقديم الرواية الفلسطينية والعربية على نحو مقنع وعلمي وبمنهجيّة جديدة تأخذ بنظر الاعتبار وسائل الحرب النفسية وأساليب الدعاية وجميع عناصر الحرب الناعمة، فالحقيقة تخجل حتى الشيطان على حدّ تعبير شكسبير، وذلك بالتوجه إلى الرأي العام العالمي  لإزاحة القناع عن الصهيونية وأعمالها العدوانية وسياستها العنصرية الشوفينية الاستيطانية الاجلائية.

لم يعد الاكتفاء بالردّ باللغة العربية ومخاطبة أنفسنا كما يقال لإقناعها بعروبة فلسطين، بل نحن نحتاج إلى جهد فلسطيني وعربي منظّم دبلوماسياً وقانونياً وتاريخياً وسياسياً وإعلامياً واقتصادياً وثقافياً وفنياً ورياضياً وفي جميع المجالات واللغات، وكان في مبادرات المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد وعدد من المثقفين والمؤرخين الفلسطينيين والعرب بمن فيهم عبد الوهاب المسيري دوراً في ذلك، فالحقائق مهما تكن دقيقة وصحيحة، لكنها تحتاج إلى ترويج وإقناع ووسائل للوصول إلى عقول الناس وقلوبهم، ليس للأصدقاء حسب، بل لمن يقفون على الحياد أو حتى من يؤيدون الطرف الآخر، أولاً لنقض ما يقال ودحضه بالوقائع الملموسة والحسيّة والمنطقية والمدعومة علمياً وإنسانياً، وثانياً لتأكيد صحة الرواية العربية والفلسطينية، أي استخدام ما يسمّى "بالضدّ النوعي" لتأكيد حقوق عرب فلسطين ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

        ومنذ ثيودور هرتزل الأب الروحي للحركة الصهيونية، فإن الرواية التي كان يتم الترويج لها تقدّم أشياءً وتؤخّر أخرى تقول ما تريد وتخفي ما تريد بما يخدم هدفها التضليلي. ويعتبر ذلك نهجاً للحركة الصهيونية سار عليه ورثته من بعده لمواصلة مشواره، بل زادوا عليه أحياناً في تضخيم مزاعمه وترويج أكاذيبه ليس تاريخياً حسب، بل شمل كل ما هو قائم من تقدّم وتطلّع إلى الحداثة في فلسطين قبيل اغتصابها، بادعاء أنه من عمل المستوطنين الإسرائيليين، لدرجة أن الحركة الصهيونية تجهد نفسها حتى في سرقة التراث الفلسطيني وإنتسابه إليها بما في ذلك "صحن الحمص" و"قرص الفلافل" و"الثوب الشعبي" وصولاً إلى "قبور الموتى" وهو ما تحاول الحفريات الإسرائيلية إثباته، وهكذا تريد مصادرة كلّ شيء. 

        لم تنشر الرواية الإسرائيلية صور 650 ألف فلسطيني عاشوا في الخيام وفي بيوت الصفيح ينتظرون الإعانة بعد تشريدهم من فلسطين العام 1948، وتزعم أن الفلسطينيين هاجروا من فلسطين بمحض إرادتهم وبناءً على نداءات الحكومات العربية كي يتم إخلاء المواقع للقتال ضدّ قيام دولة إسرائيل. ولم تنشر الرواية الإسرائيلية صور عدوانها على البلدان العربية مصر وسوريا والأردن العام 1967، وضم القدس وكامل فلسطين التاريخية إليها خلافاً لجميع قرارات الأمم المتحدة.[11] ولم تنشر صور اللّاجئين الجدد الذين انضموا إلى من سبقهم ليصبحوا من فلسطين الشتات، ناهيك عن مخالفتها للقرار.

        ومن المزاعم الصهيونية أن هجرة يهود البلاد العربية هي بسبب "معاناتهم" من أجل الحريّة والكرامة ليكونوا على أرضهم "أحراراً"، في حين أن تشريد الشعب العربي الفلسطيني من أرضه إلى المنفى واللجوء ليس سوى عمل يجسّد استبدال ثقافة بثقافة وشعب بشعب وامتثالاً لأمر الله في أرض كنعان التي مثلها "حق" المستوطنين في الاضطلاع بذلك، وليس مهماً أن يتم التعامل مع سكّان البلاد الأصليين بقسوة ودون الخضوع للمعايير الأخلاقية والقوانين الدولية والإنسانية العامة.

        تلك هي النظرية التي استند إليها هرتزل [12] وحسب وجهة نظره: "فإذا أردتم فإنها ليست خرافة" أي تحويل الخرافة إلى واقع يتجسّد بادعاءات وتلفيق تاريخ واغتصاب أرض وتحويل المتخيّل إلى واقع مفروض أو حقيقة ثابتة.

 

 


[1]   أنظر: عباس شبلاق، "هجرة أو تهجير – ظروف وملابسات هجرة يهود العراق" وهو أطروحة دكتوراه دافع عنها في لندن العام 1986 وأصدرها في كتاب نشرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، بيروت، 2015.

[2]  أنظر: عبد اللطيف الراوي، "عصبة مكافحة الصهيونية في العراق: دراسة ووثائق اليسار العراقي والمسألة الفلسطينية"، دار الجليل، دمشق، 1986.

[3]  تعرّفت على يعقوب مير مصري (عادل – أبو سرود) في براغ في العام 1974، وكان قد وصلها من يريفان التي أمضى فيها عدّة سنوات بعد أن هرب من العراق العام 1967، حيث ظلّ مختفياً فيه من العام 1963 إثر انقلاب 8 شباط / فبراير حتى العام 1967 وكان قد قضى قبل ذلك 10 سنوات في السجن 1948 – 1958 خلال فترة العهد الملكي. وقد عمل في براغ في الإذاعة التشيكية القسم العربي، وخلال فترة وجودي لدراسة الدكتوراه (1974 – 1977) استمعت إليه وهو يسرد تفاصيل تشكيل عصبة مكافحة الصهيونية أكثر من مرّة، وأجريت معه أكثر من حوار ولقاء بشأن العصبة ومشاعر جمهور اليهود بشكل عام المناوئة للصهيونية والمتمسّكة بالوطنية العراقية والتي حاولت الدعاية الصهيونية التأثير عليها بوسائل تضليلية متعدّدة لدفعها إلى الهجرة.

قارن: حوارات متقطّعة ومتّصلة مع عادل مير مصري (يعقوب) – سكرتير عصبة مكافحة الصهيونية، (يعقوب الذي استبدل اسمه إلى عادل بعد أن أشهر إسلامه العام 1958). وتلك قصة أخرى تستحق التوقف عندها، إذ جاء ذلك (القرار– الإضطرار) بناءً على طلب من قيادة الحزب الشيوعي، لكي يتم الإفراج عن اليهود الشيوعيين وإخلاء سبيلهم وشمولهم بالعفو بعد ثورة 14 تموز / يوليو 1958، وقد تناولت هذا الموضوع أكثر من مرّة واستعدت حواراً مع يعقوب قوجمان بشأن ما حصل مع شقيقه حسقيل قوجمان الذي كان اليهودي الوحيد من بين السجناء اليهود الذي رفض تغيير دينه ولاقى ما لاقى من عنت وعزل وتهميش بسبب ذلك، علماً بأن حواره مع هادي هاشم الأعظمي (عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي حينها) كان ينصبّ على أن لا علاقة له بالدين والإيمان الديني، ولا باليهودية ولا بالإسلام، فلماذا يغيّر ديناً بدين، وهو الذي يضع مسافة واحدة بين الأديان، وللقصة ذيول وملابسات أخرى سبق أن تعرّضت لها في أكثر من مناسبة .

قارن: أحاديث متفرّقة مع عادل مصري (أبو سرود) بين العام 1974 - 1977

قارن: حديث خاص مع يعقوب قوجمان، لندن، 1992 و 1994.

[4]  عميدة مير مصري (عمّومة التي استبدلت اسمها من عمّومة إلى عميدة) وهي الأخرى ناضلت في صفوف الحزب الشيوعي وسجنت مثل شقيقها عادل (يعقوب) لعشر سنوات بسبب كفاحها ضدّ الصهيونية كجزء من نضالهما الوطني، وكنت قد رويت حكاية عميدة التي ألقي القبض عليها في العام 1963، وعذّبت في "قصر النهاية" وخلال التحقيق اكتشف المحققون أن أصلها يهودية فأرادوا تهجيرها إلى "إسرائيل" عنوة، وبالفعل فقد استخرج لها جواز سفر – مرور Laissez-passerوطارت من بغداد إلى بيروت ومنها إلى روما، لكي تأخذ طائرة العال "الإسرائيلية" وتتوجّه إلى تل أبيب، لكنّها رفضت ذلك ومكثت في مطار روما لأكثر من يومين وفيما بعد خيّرتها سلطات المطار بالسفر إلى أي بلد آخر فاختارت براغ (جمهورية تشيكوسلوفاكيا) باعتبارها مقرّاً للحركة الشيوعية العالمية حينها وفيها العديد من المنظمات الدولية المحسوبة على ملاك الحركة الشيوعية (إتحاد الطلاب العالمي، اتحاد نقابات العمّال العالمي ومجلة "الوقت" قضايا السلم والاشتراكية) لكن السلطات التشيكية لم تسمح لها بالدخول لعدم وجود فيزا لديها، واضطرت إلى المبيت في مطار براغ ليومين أو ثلاثة ، ثم أعيدت إلى روما التي اضطرت للبقاء في مطارها لثلاثة أيام ومنها عادت إلى بيروت التي بقيت في مطارها ليومين ومنه أعيدت إلى بغداد ومن مطار بغداد إلى قصر النهاية مرّة أخرى، ويومها فوجئ المعتقلات والمعتقلون بعودتها، حيث لم يكونوا يعرفون أين ذهبت وأين كانت؟ وحين أخبرتهم بحكايتها، ظنوا أن مسّاً من الجنون أصابها، فكيف لمعتقلة "في سجن الموت والعذاب" كما يسمّى (قصر النهاية) تصل إلى بيروت وروما وبراغ وتعود القهقري إلى بغداد وقصر النهاية.

أنظر بالتفصيل: عبد الحسين شعبان " المثقّف في وعيه الشقي: حوارات في ذاكرة عبد الحسين شعبان"، دار بيسان، بيروت،2014، ص (187 – 188).

قارن: حديث مع عميدة مصري في براغ 1971 وموسكو 1974 ودمشق 1981.

[5]  أنظر: كلمة الياس نصر الله في تأبين يعقوب قوجمان، لندن، 19 كانون الأول / ديسمبر 2015.

   قارن: كذلك: حديث خاص مع يعقوب قوجمان، لندن، 2000.

[6]  أنظر: عبد الحسين شعبان، "مذكرات صهيوني"، دار الصمود العربي، دمشق، 1986.

[7]  أنظر: عبد الحسين شعبان - "جورج حبش: الاستثناء في التفاصيل أيضاً"، جريدة السفير، 1 شباط/ فبراير 2008.

[8]  أنظر بالتفصيل: محمود عباس (أبو مازن) – الوجه الآخر: العلاقات السرية بين النازية والصهيونية، دار إبن رشد، عمان، ط: 1، شباط / فبراير 1984. المقدمة أ – ح، ص: 2 (الفصل الأول)

يذكر الرئيس محمود عباس أبو مازن أن بداية الاتصالات السرية بين قيادة الحركة الصهيونية وألمانيا النازية بدأت حين أصبح هتلر مستشاراً للرايخ الألماني الثالث في كانون الثاني / يناير 1933 وأصبحت السياسة العرقية العنصرية سياسة رسمية للدولة، وهو ما تم الكشف عنه العام 1966 في لقاء نظّمته جريدة معاريف "الإسرائيلية"، وشارك فيه أليعازار ليفنا الذي كان يشغل منصب رئيس تحرير المجلة الناطقة باسم الهاغانا إبان الحرب العالمية الثانية، حيث التقت مقاصد النازية في التخلص من اليهود ورغبة الحركة الصهيونية في هجرتهم إلى فلسطين، وكانت الضحية هي الغالبية العظمى من اليهود لحساب أقلية صغيرة وعرف الاتفاق الصهيوني النازي هعفارا (النقل).

[9] أنظر: مذكرات صهيوني، مصدر سابق، مقدمة الطبعة الثانية (قيد الطبع)، التي تكشف بعض الألغاز عن التحرك الصهيوني في الدول الاشتراكية السابقة ومنها تشيكوسلوفاكيا.

[10]  حين أنشئت "إسرائيل" هتف بن غوريون قائلاً: "حدثت المعجزة المزدوجة" ويقصد بها (احتلال الأرض وطرد السكان العرب)، ولذلك فإن عملية الهجرة هي بمثابة إنعاش للمشروع الصهيوني، وسبق لي أن كتبت منتقداً الموقف السوفيتي بدعوته إلى "إعادة النظر بموقفه الخاطئ من الهجرة وعدم السماح بتحويلها لصالح المشروع الصهيوني الذي يفتقد إلى العنصر البشري، والذي طالما ظلّت تعاني منه "إسرائيل"...

 انظر: يوسف علي (ع. الحسين شعبان) "هجرة اليهود السوفييت والمشروع الصهيوني الجديد"، جريدة المنبر (الشيوعي)، العدد 9، السنة 4، تشرين الثاني / نوفمبر 1990.

[11]  قارن: القرار 181 الصادر في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، والمعروف بقرار التقسيم، والقرار 194 بشأن حق العودة للّاجئين ووضع القدس في نظام دولي دائم الصادر في 11 كانون الأول / ديسمبر 1948.

والقرار 478 بشأن لا قانونية وعدم شرعية ضم القدس التي اعتبرها مجلس الأمن الدولي باطلاً ولاغياً وفقاً للشرعية الدولية 20 آب / أغسطس 1980، والقرار 497 الصادر في 17 كانون الأول / ديسمبر 1981 بشأن ضم الجولان، الذي اعتبر "قرار إسرائيل" بفرض قوانينها وولايتها وإدارتها على الجولان السوري المحتل لاغٍ وباطل.

 

[12]  يعتبر ثيودور هيرتزل عرّاب الحركة الصهيونية، وهو مؤلف كتاب "دولة اليهود" The Jewish State الذي صدر العام 1896 عشية مؤتمر بال (سويسرا) الصهيوني العام 1897 الذي تبنّى فكرة إقامة وطن يهودي في فلسطين، والتي كانت تمهيداً لإصدار وعد بلفور العام 1917 من جانب بريطانيا بعد توقيع اتفاقية سايكس – بيكو السريّة بين بريطانيا وفرنسا العام 1916 والتحضير لذلك بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني العام 1920 في مؤتمر سان ريمو والذي أقرته عصبة الأمم العام  1922 .