(قراؤنا الأعزاء بدأنا من يوم السبت 11/2/2023، نشر وعلى أجزاء متلاحقة، آخر إصدار/كتاب؛ للمفكر والباحث العربي الفلسطيني غازي الصوراني، الموسوم بعنوان: التحالف الصهيوني: اليميني العلماني واليميني الديني المتطرف في حكومة نتنياهو وأثره على القضية الفلسطينية. هذا الكتاب الهام والصادر في يناير من العام الحالي بعدد 228 صفحة، بحجم ورق من القطع المتوسط؛ نضعه بين أيدي قرائنا آملين أن تتم الاستفادة المرجوة منه في موضوعه المحدد وعلاقته المباشرة؛ بشعار/دعوة/مبادرة/ضرورة: "اعرف عدوك" وضرورة مواجهة تجسيداته العملية إلى جانب ما يسمى: راويته التاريخية..
نوجه شكرنا الكبير وتحياتنا العالية إلى الباحث والمفكر القدير غازي الصوراني، على جهده الفكري والمعرفي المتواصل، وعلى خصه بوابة الهدف بنشر كتابه على أجزاء عبر موقعها الإلكتروني).
دلالات النتائج الانتخابية 2022 وحكومة "نتنياهو":
في تحليلنا لنتائج انتخابات الكنيست الأخيرة 2022، مقارنة بالانتخابات السابقة 2021، نلاحظ أن الانزياح لم يحدث من اليسار إلى اليمين في الحياة السياسية الإسرائيلية؛ "فهذه صيرورة مستمرة طوال الوقت منذ حرب 1967، وإنما حصل داخل معسكر اليمين نفسه؛ فالأحزاب اليمينية المتطرفة خسرت أصواتها لصالح أحزاب يمينية متطرفة أخرى. وفي تناولنا لخريطة التحالفات السياسية، نلفت الانتباه إلى تلاشي قوة اليسار الصهيوني الذي حكم "إسرائيل" خلال العقود الثلاثة الأولى من عمرها لصالح أحزاب أخرى، أهمها: حزب يوجد مستقبل "ييش عتيد"، وهو ليس حزبًا يساريًا كما يعتقد البعض، بل هو حزب يميني بأجندته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يمثل شركات رأسمالية والطبقات الوسطى في المدن التي تريد الحفاظ على نمط حياة ليبرالي، بما في ذلك الأحوال الشخصية، والتي تؤيد الوصول إلى تسوية سياسية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لكن بشروطها.
أما بالنسبة للدلالات المباشرة للانتخابات الأخيرة فيمكن الإشارة إلى ما يلي:
أولًا: ظلت المنافسة الأساسية في هذه الانتخابات، بين المعسكر اليميني المتطرف بشقَّيه العلماني والديني، الذي يشمل أحزابًا فاشية، ومعسكر اليمين العلماني الذي يشمل فئات يمينية متطرفة أيضًا.
ثانيًا: أظهرت نتائج الانتخابات ازدياد قوة اليمين الفاشي الإسرائيلي على نحو غير مسبوق.
ثالثا: اندثر اليسار الصهيوني التاريخي الذي أسس إسرائيل، وأوشك أن يختفي كليًا عن الخريطة الحزبية الإسرائيلية؛ فقد اجتاز حزب "العمل" عتبة الحسم بشقّ الأنفس وحصل على 4 مقاعد فحسب، في حين فشل حزب "ميرتس" في اجتياز عتبة الحسم.
رابعاً: تمثل الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو استمرار انزياح المجتمع الإسرائيلي بنخبه المختلفة نحو اليمين واليمين المتطرف أو الفاشي، حيث ستطالب الصهيونية الدينية بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية ودعم الاستيطان وتوسيعه، ومحاولة تغيير الوضع في المسجد الأقصى، إلى جانب العديد من الممارسات العنصرية العدوانية ضد أبناء شعبنا، وهذا يعني أننا أمام مرحلة جديدة، قد تؤدي فيها سياسة هذه الحكومة إلى التصعيد في المناطق المحتلة، وقد تواجه اجندتها الأكثر تطرفًا في تاريخ "إسرائيل" برفضٍ دولي واسع ، وادانة من الصين وروسيا والدول العربية والدول الصديقة في أفريقيا والدول اللاتينية بسبب تزايد تصاعد اليمين الفاشي والعنصري النازي، وتراجع مساحة الحيز الديمقراطي في دولة العدو، مع استمرار الموقف الأمريكي / الاوروبي على حاله .
خامساً: ينظر المواطنون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة 1948 كما في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات إلى تشكيل الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو، ومشاركة بنغفير وسموترتش، على أنها مرحلة جديدة وخطيرة إلى أبعد الحدود ، وهي مرحلة تجسد حالة التدهور اليميني المتواصل منذ عقود نحو التطرف اليميني العنصري المتشدد ضد الفلسطينيين، مع شرعنة دخول الفاشية اليمينية إلى الحكم، وتصعيد الاستيطان والعدوان ضد شعبنا في الضفة الغربية، والسعي لإشعال صراع قومي ديني ، حيث أن "تسلم شخص مثل إيتمار بن غفير لملف الأمن الداخلي تدل على نوايا عنصرية وعدوانية واضحة تماما، زد على ذلك أن حزب الصهيونية الدينية يشمل جميع الفاشيين بينهم مؤسس كتائب مهاجمة العرب، كوهين ألموغ.
سادساً: هناك تحديات عدة ستواجه المجتمع الفلسطيني في "إسرائيل" وخاصة فيما يتعلق بحقوق المواطنة والديمقراطية، إلى جانب الصراع في نقاط التماس الخطيرة مثل المدن المختلطة، (بئر السبع، ويافا، والرملة، واللد، وحيفا، وعكا) والتي ستواجه أخطار زيادة قوة الميلشيات التي بدأت تنتشر في باقي البلدات، وتخويل عصابات وميلشيات لـ "تأديب العرب" حسب تعبير التيارات الدينية الصهيونية الفاشية، فعلى سبيل المثال، فإن شخصاً مثل "بن غفير" يسعى لصدام في القدس من خلال مسيرات أعلام واقتحامات ورخص للدخول العشوائي، إلى جانب سعي حكومة نتنياهو إلى تجريم العمل السياسي والديمقراطي المطلبي في المجتمع العربي.
سابعاً: "على الصعيد الإسرائيلي ستكون محاولة حثيثة لإضعاف دور المحكمة العليا التي تشكل حاليا ملاذا أخيرا أمام التدهور السريع نحو الفاشية، وإذا ما تم فعلا تشريع قانون 'الغلبة' (ههتغبروت) والذي يعني تجاوز المحكمة العليا فإن "إسرائيل" تتحول فعليا إلى حكم فاشي"، حيث بدأ الحديث عن دور "سموترتش وبن غفير" في إثارة التطرف اليميني الديني الصهيوني العنصري الذي يمتاز بأنه يحمل نزعة قومية شديدة، التدين وتحمل أيديولوجيا عنصرية معادية[يدفعني للديمقراطية، من ضمنها معاداة التعدّدية، ورفض المساواة الجوهرية بين مواطني الدولة. كما يسعى إلى تقويض صلاحيات الجهاز القضائي، وتحديدا المحكمة العليا، والحدّ من تأثيرها وتدخلها في الحياة العامة وعملية سن القوانين، ويتّسم بكراهية العرب ومعاداتهم.
ثامناً: تبعث نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وفوز اليمين المتطرف فيها رسائل واضحة إلى حركات وناشطي اليمين المتطرف، خاصة في المستوطنات، وكذلك إلى قوات الجيش والشرطة، باتجاه تصعيد الاعتداءات على الفلسطينيين، وتعهد إيتمار بن غفير، العمل على تغيير تعليمات إطلاق النار بحيث تُسَهِّل على الجنود وأفراد الشرطة وتعفيهم من عقوبات وتمنحهم دعما واسعا.
وفي هذا السياق، أشير إلى استطلاع أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، حيث تبين نتائجه بوضوح، تزايد تطرف المجتمع الإسرائيلي حيال ممارسة القوة العسكرية ضد الفلسطينيين.
وبحسب الاستطلاع، يعتقد 71% أنه يجب إعدام فلسطينيين أدينوا بقتل إسرائيليين، بينما كانت هذه النسبة 63% في الاستطلاع السابق قبل أربع سنوات.
وأيد 55% إعدام فلسطيني نفذ عملية وبعد إصابته بجروح شلّت حركته ولا يشكل خطرا على أحد، مقارنة بـ37% في الاستطلاع السابق.
ويؤيد 45.5% إطلاق النار بشكل مكثف باتجاه تجمعات سكانية فلسطينية "من أجل كي وعي فصائل فلسطينية تتحدى إسرائيل". وكانت هذه النسبة 27.5% في الاستطلاع السابق.
وأيد 80% في الاستطلاع السابق مقولة أنه "أثناء التخطيط لعملية عسكرية، على الجيش الإسرائيلي التأكد من أنها لا تنتهك القوانين الدولية للحرب"، وتراجعت هذه النسبة إلى 63% في الاستطلاع الحالي.
على أي حال، مهما كانت نتائج الاستطلاعات، إلا أنها تعبر –بشكل أو بآخر– عن التحولات السياسية والنفسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع اليهودي الصهيوني التي لا يمكن الفصل بينهما وبين ما يحدث داخل الجيش الصهيوني والمنظمات الصهيونية المتطرفة، بل فإنني لا أبالغ في القول أن تلك التحولات في المجتمع الإسرائيلي العنصري حالياً، باتجاه الصهيونية الدينية المتطرفة، قد تدفع قسماً كبيراً من العلمانيين اليهود صوب التكيف مع تلك التحولات المتغيرات.
وفي هذا الجانب، يقول د. مهند مصطفى "من هنا نرى أن المجتمع الإسرائيلي تعامل مع هذه الانتخابات على أنها عودة للسيادة الإسرائيلية، بل عودة للسيد اليهودي، والأمر لا يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة فقط بل بالفلسطينيين داخل الخط الأخضر أساسا.
"ولذلك يريد بن غفير أن "يخبط على رأس العرب"، بتعبيره، وهو خطاب خاطب فيه المشاعر اليهودية البدائية التي ترى باليهود أسيادا وبالعرب خداما وربما عبيدا"، وبالتالي فإن فكرة عودة السيد اليهودي، أو عودة الفوقية اليهودية حتى بالمفهوم البدائي الذي يرى حتى باندماج العرب بمؤسسات الدولة وإلحاقهم وبنجاحاتهم الفردية نوعا من التحدي لمكانة السيد اليهودي"[1].
فقد نجح اليمين الإسرائيلي في تحقيق إجماع إسرائيلي حول فكرة عدم وجود حل للقضية الفلسطينية، وهو في غضون ذلك يفرض حقائق على الأرض ويمارس سياسة الضم الزاحف لمناطق "ج" في الضفة الغربية، وأصبح سؤال مكانة الفلسطينيين في داخل "إسرائيل" سؤالا مركزيا -كما يستطرد د. مهند مصطفى- فهو السؤال الذي صعد عليه بن غفير وهو السؤال الذي يجعل معسكر نتنياهو متماسكا.
و"بدل أن يأخذ العرب هذا السؤال المركزي ليكون رافعة لهم لعمل سياسي وحدوي وجماعي فإنهم تشرذموا وتآمروا على بعض وتبعثروا بفعل أسباب فئوية وشخصية انتهازية، بينما أخذ اليمين الإسرائيلي هذا التحدي على محمل الجد وقام بعملية تمكين كبيرة داخل الشارع اليهودي"[2].
السياسات الاستراتيجية الصهيونية[3] المتوقعة في ضوء التحالف العلماني/ الديني على أثر الانتخابات الأخيرة في نوفمبر 2022:
في ضوء المعطيات المرتبطة بالانتخابات الأخيرة في دولة العدو الصهيوني، فإنني أعتقد أن التحالف بين اليمين القومي الليبرالي الصهيوني بقيادة الليكود وبين الأصولية الدينية الصهيونية – في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة نوفمبر 2022 – سيؤدي إلى إزاحة منهجية متواصلة نحو مزيد من التطرف الديني الصهيوني ومزيد من التطرف القومي العلماني اليميني الصهيوني على مستوى المجتمع و"الدولة" ومؤسساتها؛ فبخلاف حكومات نتنياهو السابقة، تشكلت الحكومة الجديدة من أحزاب يمينيّة صِرفة ترتكز على اليمين الدينيّ المتطرّف والأحزاب الحريديّة، دون أن تستند إلى أيّ حزب من خارج معسكر نتنياهو.
بالإضافة إلى السياسات العنصريّة البنيويّة تجاه المجتمع العربيّ، سيكون التحالف الجديد أخطر من الحكومات السابقة، وسيعمل على نحوٍ مباشر وجليّ على تقليص الهامش الديمقراطيّ، الضيّق أصلًا، وعلى زيادة جرعات العنصريّة تجاه المجتمع العربيّ، نحو: تزايُد عدائيّة وقمع جهاز الشرطة للمواطنين العرب؛ تقييد الحرّيّات العامّة والفرديّة؛ تقييد جهاز القضاء؛ صَهْيَنة أعمق لجهاز وبرامج التعليم... وسيعمل على تعزيز الهُويّة اليهوديّة والقوميّة لإسرائيل، وتضييق إمكانيّات وأدوات العمل السياسيّ ونضال الفلسطينيّين في إسرائيل. في ما يخصّ القضيّة الفلسطينيّة والاحتلال، فإنّ الحكومة الجديدة قد تنتقل من مقاربة تقليص الصراع وإدارته إلى محاولة حسم الصراع وفرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطينيّ، عن طريق السعي إلى ضمّ المناطق "ج" وتوسيع الاستيطان"[4].
إنّ "تولّي بن غفير لوزارة الأمن القوميّ يعني، في ما يعني، سيطرته على صناعة القرار الأمنيّ تجاه المجتمع العربيّ، وترجمة عقيدته العنصريّة العدائيّة تجاه المجتمع العربيّ إلى سياسات، بما في ذلك زيادة عنصريّة وعدائيّة الشرطة، القائمتان أصلًا، تجاه المجتمع العربيّ، وزيادة العنف والتنكيل بالمجتمع العربيّ، وزيادة الملاحَقة السياسيّة بقناع أمنيّ شرطيّ، ولا سيّما في القضايا السياسيّة ونضال المجتمع العربيّ، وتجاه المجتمع العربيّ البدويّ في النقب، بحيث سيتحوّل أيّ احتجاج سياسيّ إلى قضيّة أمنيّة، وسيصبح التعامل معها على أنّها تهديد لأمن إسرائيل.
تقييد جهاز القضاء:
تطالب أحزاب اليمين المتطرّف والأحزاب المتديّنة - الحريديّة عامّة، وحزب الليكود خاصّة، بتقييد ولجم جهاز القضاء، تحت الادّعاء أنّ جهاز القضاء، المتمثّل في المحكمة العليا، يشكّل عائقًا أمام السلطتَيْن التشريعيّة والتنفيذيّة في تنفيذ سياساتهما وفي ترجمة رغبات الناخبين، وأنّ الجهاز القضائيّ منحاز إلى اليسار في إسرائيل. من بين الأمثلة التي تَسُوقها أحزاب اليمين على ذلك تدخُّلُ المحكمة العليا في قانون التجنيد، الذي ألغى الإعفاء الممنوح لطلبة المدارس الدينيّة من الخدمة العسكريّة الإلزاميّة، وقوانينُ وسياساتٌ تتعلّق بالاستيطان وشَرْعَنة البؤر الاستيطانيّة، وقوانينُ في مجال الحقوق الفرديّة. وقد رأت أحزاب اليمين المتطرّف المحكمة العليا عائقًا أمام تنفيذ سياساتها وترجمة هيمنتها.
من المتوقَّع أن تعمل الحكومة الجديدة على[5]:
- تغيير طريقة تعيين القضاة من خلال إلغاء لجنة تعيين القضاة، ونقل صلاحيَات التعيين إلى الكنيست؛ ومعنى هذا أن يكون تعيين القضاة سياسيًّا. من شأن تحويل تعيين القضاة إلى الكنيست، الذي يشكّل اليمينُ والمتديّنون أغلبيّة فيه، أن يُفْضي إلى تغيير تشكيلة القضاة في المحكمة العليا بحيث تكون ذاتَ أغلبيّة يمينيّة محافِظة.
- فرض قيود على تدخُّل المحكمة العليا في عمليّة سَنّ القوانين ووضع السياسات الحكوميّة، بواسطة سَنّ قانون "فقرة التغلُّب" التي تمكِّنُ الكنيست من الالتفاف على قرارات المحكمة العليا إن تدخّلت هذه الأخيرة وألغت قوانين سُنّت في الكنيست.
- تغيير مبنى جهاز النيابة العامّة والمستشار القضائيّ للحكومة، ابتغاءَ تقييد جهاز المستشار القضائيّ للحكومة والنيابة العامّة، بحيث يَكون في الإمكان السيطرة عليه والتأثير على قراراته.
- سَنّ قوانين توفِّر حصانة لنتنياهو من المحاكمة.
- تغييرات وتعيينات شخصيّة في جهاز القضاء لفرض هَيْمَنة اليمين على جهاز القضاء.
صحيح أنّ جهاز القضاء، ومن ضمنه المحكمة العليا والنيابة العامّة، لم يمنع في السابق العنصريّة والتمييز تجاه المجتمع العربيّ، وعمل في إطار المشروع الصهيونيّ وحدوده، كما شاهدنا - على سبيل المثال لا الحصر - في قرارات الحكم الأخيرة الجائرة تجاه الشبّان العرب المتّهَمين بقضايا "الإخلال بالنظام العامّ" وَ "الاعتداءات" في هبّة الكرامة، ولم يشفع جهاز القضاء للدفاع عن حقوق المجتمع العربيّ. لكنْ تغييرٌ جوهريّ في جهاز القضاء عامّة، والمحكمة العليا خاصّة، من شأنه أن يتيح المجال أمام تنفيذ سياسات أكثر عدائيّةً وعنصريّةً تجاه المجتمع العربيّ، وقضْم الحقوق، وسَنّ قوانين تُقيِّد العملَ السياسيّ ومطالب المجتمع العربيّ السياسيّة.
في هذا السياق، أوضح رئيس حزب الصهيونيّة الدينيّة سْموتريتْشْ "أن أهداف الوحدات الحكوميّة الجديدة هو تعزيز الانتماء والهُويّة اليهوديّة والقوميّة وَفقًا لمفاهيم تيّار الصهيونيّة الدينيّة. هذا يعني توسيع وتعميق تأثير وسيطرة هذا التيّار على المجتمع والدولة في إسرائيل، بحيث لم يعد يقتصر على المستوطنين وطلبة المعاهد الدينيّة.
وبالتالي، فإن كل ما تقدم بالنسبة لاتفاقيات التحالف العلماني والديني اليميني الصهيوني، يوضح لنا أنّ محور الاحتلال وسياسات الاستيطان والتنكيل ضدّ أبناء شعبنا الفلسطيني في الأراضي المحتلّة، ستكون الأسخَن والأخطَر، حيث بات واضحاً أن حكومة العدو الإسرائيلي الجديدة بقيادة الصهيوني نتنياهو، ستوكّل المستوطنين بإدارة شؤون الاحتلال، ووضع السياسات تجاه المستوطَنات والمستوطِنين، وتجاه شعبنا الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، كما وستقوم باستغلال تحكمها في اغلبية أعضاء الكنيست لكي تفرض القوانين العنصرية التوسعية الاستيطانية من ناحية، والقوانين التي تسعى إلى حماية رئيسها الفاسد نتنياهو من القضايا المتهم فيها من ناحية ثانية.
في هذا السياق، قال معهد البحوث التطبيقية/ أريج، في تقريره السنوي حول الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة للعام 2022، أن "إسرائيل" ماضية دون هوادة في أوسع حملة استيطانية تشهدها الأراضي الفلسطينيّة، لكسب الوقت لصالح البناء الاستيطاني، من خلال المماطلة في ابرام أية اتفاقية سلام مع الفلسطينيين. هذا بالإضافة إلى ارتكاب الجرائم بحق المواطنين الفلسطينيين ومنازلهم وممتلكاتهم ومصادرة أراضيهم والسيطرة عليها، وبالتحديد على المناطق المصنفة "ج" في الضفة الغربية المحتلة، حيث مناطق "ج" تشكل حوالي 61% من مساحة الضفة الغربية المحتلة" [6].
في هذا الجانب، أشير إلى أن مواقف نتنياهو العنصريّة والعدائيّة تجاه المجتمع العربيّ، ومحاولتُه إلغاء وجود قضيّة احتلال وحقوق شعب قابع تحت الاحتلال، وممارساتُ استعمار استيطانيّ ممنهَج في المناطق الفلسطينيّة التي احتُلّت عام 1967، ليست بأمر جديد أو نتاج الانتخابات الأخيرة، رغم أن هذه الانتخابات جسدت وحققت انتصارُ اليمين الدينيّ الصهيوني الشديد التطرّف.
لكن التحالف الجديد في حكومة نتنياهو السادسة، سيعمل على سنّ سياسات وقوانين ترمي إلى حسم العديد من الملفّات، التي تؤثّر على صورة وطبيعة دولة إسرائيل، وتؤثّر تأثيرًا مباشرًا على المجتمع العربيّ في الداخل، كما أن هذه الحكومة ستتميز باشتداد المخاطر السياسية العنصرية التي ستكون أقرب إلى المخاطر الوجودية بالنسبة لمستقبل شعبنا ونضاله ووجوده الديمغرافي في الضفة الغربية خصوصاً، حيث ستعمل هذه الحكومة على حسم هُوّيّة دولة إسرائيل كدولة يهوديّة قوميّة بروح الصهيونيّة الدينيّة؛ ومحاولة حسم ملفّ مكانة المواطنين العرب وَفقًا لبنود قانون القوميّة؛ وكذلك محاولة حسم ملفّ الاحتلال والاستعمار الاستيطاني في الضفة الغربية، الأمر الذي يفرض على كافة القوى الفلسطينية عموماً، واليسارية بصورة خاصة، تفعيل نضالها التحرري -السياسي والكفاحي- لحماية الضفة الغربية من مخاطر الاستيطان العنصري الصهيوني الوجودي من ناحية، والحرص على تأكيد حق شعبنا الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة 1967، تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية من ناحية ثانية.
بالإضافة إلى ما تقدم، فإنني أود التأكيد على أن ما تبقّى من تيّارات ليبراليّة وديمقراطيّة في المجتمع الإسرائيليّ سيعاني بطبيعة الحال من هذا التحوّل، لكن سيكون أبناء شعبنا في الأرض المحتلة 48 عموماً، وشعبنا الواقع تحت الاحتلال هم الطرف الأكثر تضرُّرًا على وجه الخصوص.
ذلك إن التحالف الجديد سيَكون التجربةَ الأولى لتفرُّد التيّارات اليمينيّة الدينيّة المتطرّفة في الحكم، وبسْط سيطرة هذه التيّارات على السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة. هذا واقع جديد يتطلّب من القوى الوطنية الفلسطينية، رؤيةً ثورية وبرامج جديدةً وأدواتٍ ومشاريعَ جديدةً.
إن ما يدفعني إلى ضرورة تركيز النضال السياسي والشعبي والكفاحي في الضفة الغربية ، يتلخص في أن الضفة هي اليوم ساحة الصراع السياسي والتناحري الرئيسية الأولى، وإن نتائج هذا الصراع ستحدد مصير القضية الفلسطينية برمتها في المستقبل المنظور على الأقل، خاصةً وأن المرحلة الراهنة تحمل في طياتها مخاطر جدية على قضيتنا الوطنية ليس بسبب استشراء العنصرية الصهيونية الأكثر تطرفاً وتوسعاً وعدواناً عبر حكومة نتنياهو الحالية فحسب، بل أيضاً بسبب استمرار الانقسام الفلسطيني والتفكك الفلسطيني وغياب الوضوح بالنسبة للمشروع الوطني، إلى جانب هبوط وخضوع معظم أطراف النظام العربي الرسمي للتحالف الامبريالي الصهيوني.
بالطبع، وبكل ثقة، فإن كل ما تقدم من مخاطر لن يؤدي إلى نجاح او تحقيق أهداف حكومة نتنياهو السادسة، اليمينية الصهيونية الأكثر تطرفاً وعدوانية وعنصرية، وذلك ايماناً منا بقدرة شعبنا واصراره على إبقاء قضيته الوطنية مرفوعة تعزيزاً لصموده ودفاعه عن أرض وطنه وهويته وحقوقه الوطنية المرحلية والتاريخية معاً، على الرغم من كافة الممارسات العدوانية ضده، لكننا ندرك أيضاً أن صمود وتضحيات شعبنا لا تقلل من خطورة المخططات الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية، إذا لم تواجَه بوحدتنا الوطنية، وبتفعيل ودعم صمود شعبنا ومقاومته، شرط التزامنا بشعارات ثورية واقعية، عبر تبني برنامج وطني توحيدي، وأهداف قابلة للتحقق في المدى المنظور، بعيداً عن أي شعار ديماغوجية نعجز عن تحقيقها.
لذلك أعتقد أننا نتفق على ضرورة تقديم مقترح أو مشروع يتبنى برنامجاً وطنياً تحررياً وديمقراطياً، خطوة لا يمكن ولا يجوز تخطيها في هذه المرحلة الشديدة التعقيد للأسباب الفلسطينية والصهيونية والامبريالية والرجعية العربية التي أشرنا إليها في هذه الدراسة، ما يعني أن البرنامج الوطني المطلوب يجب ان يتضمن في جوهره وشكله هدفاً وطنياً كبيراً قابلاً للتحقيق على المدى المباشر أو المنظور، وهو تفعيل النضال الوطني الجماهيري والشعبي والسياسي والكفاحي من أجل تحقيق إنهاء الاحتلال وانهاء الاستيطان، وصولاً إلى إنجاز الحرية والاستقلال لأبناء شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار دولة فلسطين كاملة السيادة على أرضها وحدودها ومعابرها وبحرها ومياهها وعاصمتها القدس، ومن ثم مواصلة النضال -عبر التفاعل الجاد مع كافة قوى اليسار الثوري في بلدان الوطني العربي عموماً والبلدان المحيطة بالكيان الصهيوني خصوصاً- من أجل العمل على مجابهة أوضاع التبعية والتحالف العربي الرسمي مع الامبريالية والصهيونية.
فقد باتت دولة العدو الصهيوني اليوم، أكثر دينية ويهودية – من حيث الإفصاح عن نفسها – من السابق إذا ما قورنت بمرحلة هيمنة "كتلة اليسار" والوسط – مع تأكيدي على أن كافة الكتل هي كتل صهيونية مهما كانت تسميتها- في المرحلة الممتدة من عام 1948 حتى عام 1977؛ وينسحب السياق عملياً وليس تجريدياً فحسب، إلى ما هو أبعد من ذلك، لجهة المضي في تكريس مفهوم "إسرائيل" كدولة يهودية قومية خالصة خاصة بالشعب اليهودي حصراً؛ اذا استمرت أوضاع الخضوع العربي الرسمي والانقسام الفلسطيني كما هي عليه.
في هذا الجانب، أورد فيما يلي ملخصاً لبعض تفاصيل الاتفاقات الائتلافية، التي جرى توقيعها بين حزب الليكود وحلفائه "بن غفير وسموتريتش" في الحكومة السادسة برئاسة بنيامين نتنياهو، يتبين أكثر فأكثر أن هذه الحكومة ستكون الأشد تطرفاً في تاريخ إسرائيل، سواء بالنسبة إلى الاحتلال والاستيطان والقضية الفلسطينية، أو فيما يتعلق بالسياسة الداخلية[7].
فمع تسلم الصهيونية الدينية حقيبة الأمن الداخلي والإشراف على الشرطة الإسرائيلية و"حرس الحدود"، وتوليتها المسؤولية عن الإدارة المدنية ومكتب "منسق شؤون الحكومة" في الضفة الغربيّة، وزيادة نفوذها على الجيش، فمن المتوقع شرعنة بؤر استيطانية في اتجاه مزيد من شرعنة الاستيطان وتوسيعه.
فقد وافق نتنياهو على شرعنة "بؤر استيطانية غير قانونية" في الضفة الغربية في غضون شهرين من أداء الحكومة الجديدة اليمين القانونية، كجزء من اتفاق أبرم مع حزب الصهيونية الدينية، كما وافق على تنفيذ خطة لنقل السلطة على "الحياة المدنية الإسرائيلية" في "مناطق ج" من الضفة الغربية التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي من الإدارة المدنية إلى الوزارات الإسرائيلية ذات الصلة.
واتفق نتنياهو أيضاً مع رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش على رصد ميزانية بمبلغ 8 مليارات شيكل بهدف توسيع الشوارع التي يستخدمها المستوطنون في الضفة الغربية، ما يهدّد بمصادرة أراض فلسطينية. ويأتي هذا الاتفاق في ظل مخطط الحكومة الجديدة لتوسيع الاستيطان وزيادة عدد المستوطنين، وزيادة عدد المركبات التي تسير في شوارع الضفة. وبين أهداف المخطط مضاعفة حجم شارع رقم 60 الذي يمر من شمال الضفة إلى جنوبها، ومضاعفة حجم شارع رقم 55 الذي يمر في عرض الضفة في اتجاه الأغوار. كما تخطط دولة الاحتلال لشق شوارع من الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون" في منطقة بيت لحم في اتجاه الغرب نحو مدينة بيت شيمش شمال غربي القدس، وفي اتجاه الشرق نحو منطقة البحر الميت.
أما بالنسبة للتعديلات التي تم الاتفاق عليها بين نتنياهو ورموز الصهيونية الدينية "بن غفير و سموتريتش" ، فقد جرى الاتفاق على "ملاحقة معلمين ، وعدم توظيف أشخاص في جهاز التربية والتعليم في حال انتقادهم للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية أو شاركوا في احتجاج ضد سياسة وممارسات الاحتلال، بزعم أن ذلك ينطوي على "تأييد للإرهاب"، وفي سبيل تطبيق ذلك سيتم تعديل قانون جهاز التعليم الحكومي بحيث يُحظر على وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية تعيين معلم يعبّر عن معارضته للاحتلال في جهاز التعليم ومؤسسات التعليم العالي"[8].
[1] د. مهند مصطفى – الاستراتيجية الإسرائيلية للضفة وقطاع غزة – دراسة مقدمة إلى مؤتمر مسارات – نوفمبر 2022.
[2] المصدر السابق - د. مهند مصطفى.
[3] المنظور الاستراتيجي الصهيوني “الإسرائيلي” اليميني المتطرف: (1) دائرة الهلال الخصيب وتتناوب كل من سوريا والعراق قيادتها. (2) دائرة وادي النيل وتمثل مصر الدولة الرائدة فيها. (3) دائرة شبه الجزيرة العربية وتمثل السعودية الدولة القائدة فيها. (4) دائرة المغرب العربي وعلى رأسها المغرب والجزائر.
وتتمثل الاستراتيجية “الإسرائيلية” للتعامل مع هذه الدوائر في العمل على منع التقائها أو تعاونها لما يشكله مثل هذا التعاون من خطورة على الأمن “الإسرائيلي”، نظراً للإمكانات الضخمة التي تملكها كل دائرة إذا ما تعاونت مع غيرها. ولذا تصر “إسرائيل” على ضرورة مواجهة كل دولة عربية على حدة سواء في الحرب أم في السلم.
1– التعامل مع الدائرة الأولى (الهلال الخصيب): ( أ ) كانت الاستراتيجية “الإسرائيلية” في الماضي تهدف إلى احتلال الأردن وتجزئته ونقل السلطة فيه للفلسطينيين وتهجير عرب الضفة وغزة للسكن فيه للتخلص من الكثافة العربية في الأرض الفلسطينية. ولكن الاستراتيجية الآن هي تحييد الأردن وكسبه لصف “إسرائيل”. (ب) كانت الاستراتيجية “الإسرائيلية” في الماضي ترى ضرورة تجزئة لبنان إلى خمس مقاطعات: درزية في الشوف، ومارونية في كسروان، وشيعية في الجنوب والبقاع، وسنية في طرابلس، ودولة سنية أخرى في بيروت. وستكون هذه التجزئة كسابقة للعالم العربي وبداية المسيرة في هذا الاتجاه. (جـ ) كما كان التصور الاستراتيجي “الإسرائيلي” يذهب إلى ضرورة تقسيم سوريا والعراق في مرحلة لاحقة إلى مناطق عرقية أو دينية خالصة، فتُقسّم سوريا إلى دولة شيعية علوية على طول الساحل السوري، ودولة سنية في حلب، ودولة سنية معادية لها في دمشق، ودولة درزية في حوران والجولان. أما العراق فإنه يمثل –بسبب الثروة النفطية- مصدر تهديد “لإسرائيل”، ولذا فيمكن تمزيقه إلى أجزاء تتمحور حول المدن الكبرى، دولة شيعية في الجنوب حول البصرة، ودولة سنية حول بغداد، ودولة كردية حول الموصل.
2– الدائرة الثانية (وادي النيل): بالنسبة لمصر، تهدف الاستراتيجية “الإسرائيلية” إلى تحطيم فكرة أن مصر الزعيمة القوية للعالم العربي وإلى تشجيع الصراعات بين المسلمين والأقباط وإضعاف الدولة المركزية. وأما الدول المجاورة مثل السودان فمصيرها هو التقسيم، وعزل الجنوب، الذي يضم منابع النيل، ليشكل ذلك نقطة ضعف على مصر.
3– الدائرة الثالثة (الجزيرة العربية): أما فيما يتعلق بشبه الجزيرة العربية فهي من وجهة نظر “إسرائيلية” يسهل اختراقها وترويضها وإغواؤها بالحديث عن مظلة “إسرائيل” الأمنية (ضد الجيران الفقراء المتربصين) وعن المكاسب الاقتصادية التي يحققها من يتحالف مع “إسرائيل” وعن توثيق العلاقة مع الولايات المتحدة من خلال الدولة الصهيونية.
4- الدائرة الرابعة (المغرب العربي): أما فيما يتعلق بالمغرب العربي فهو من وجهة نظر “إسرائيلية” يمكن تحييده بسهولة عن طريق عزله عن بقية العالم العربي وعن طريق المكاسب الاقتصادية وربطه بالاتحاد الأوروبي. وإذا كانت “إسرائيل” في وسط الدائرة، فالفلسطينيون يوجدون في نفس دائرتها وفي صميمها، يتحدون. ولذا إذا كانت الاستراتيجية الصهيونية تهدف إلى كسب بعض دول آسيا وأفريقيا إلى صفها وضرب البعض الآخر، فإن الاستراتيجية الصهيونية تؤكد أن الوجود الفلسطيني في “إرتس يسرائيل”(أرض إسرائيل) أمر عرضي، ولذا فمصير الفلسطينيين الوحيد هو التغييب التام، إما عن طريق الطرد أو الإبادة أو التفكيك والتذويب، وإن ظهروا إلى الوجود فلابد من تهميشهم وإخضاعهم واستعبادهم من خلال حكم ذاتي محدود وعقد صفقة تاريخية شاملة تزيل القضية الفلسطينية من جدول الأعمال السياسي الدولي في عصرنا وتحول الصراع إلى صراع فلسطيني فلسطيني أي إلى حرب أهلية فلسطينية لا علاقة لأحد بها، وبذا تصبح فلسطين أرضاً بلا شعب.
[4] مدى الكرمل – تقدير موقف/ إسقاطات حكومة نتنياهو السادسة على المواطنين العرب – 21/12/2022
[5] المصدر السابق.
[6] حسن عبد الجواد -بيت لحم – الهدف الإخبارية 28/12/2022.
[7] أنطوان شلحت – مع انتقال المزيد من تفاصيل الاتفاقيات الائتلافية في حكومة نتنياهو السادسة إلى دائرة الضوء – 26/ ديسمبر 2022.
[8] أنطوان شلحت – المصدر السابق.