يستمر الغرق الفلسطيني والعربي في التدمير الذاتي ، الذي يتخذ معناه فلسطينيا باستمرار غياب قيادة جامعة وإستراتيجية وطنية للشعب الفلسطيني تقطع الرهان مع خيار التسوية ، وعربيا باستمرار التشظي والاصطفاف الطائفي، هذا الحال الذي يدفع العقل للتشاؤم فيما يخص العام الجديد وإمكانية اعتباره عام للنهوض والحرية والأمل.
رغم كل هذا فأن تفاؤل الارادة يدفع العقل الى تلمس سبل الفكاك من هذه الحالة، وهذه السبل قائمة بالفعل، فالشعب الفلسطيني الذي هب في اكتوبر مجددا انتفاضته في وجه المحتل، لن يعدم الوسيلة لإجبار المنقسمين والمتصارعين على السلطة فلسطينيا لالتزام سبل الخلاص الوطني، والحقيقة ان هبة المنتفضين لم تكن رسالة تحد للمحتل فحسب بل كذلك رفض لانسداد الافق الفلسطيني داخليا واستمرار الصراع العبثي بين سلطتين لا تقي شعبنا احداهما او كليهما معا شظف العيش او رصاص الاحتلال وحصاره لهذا الشعب ، ولم تصد عن اهالي الشتات الفلسطيني والمخيمات نيران الحروب الطائفية والجماعات التكفيرية.
طريق الوحدة واضح ولا يحتاج فعلا لابتكار حلول وتخريجات تقنية ترضي المنقسمين ، بل بحاجة لضغط شعبي يدفع ارادة القرار السياسي بإنهاء الانقسام ويمكن الفلسطينيين من حقهم باختيار قيادة موحدة تمثل الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده و تخرج لشعبها بإستراتيجية لمواجهة الاحتلال وهزيمته.
فكما كان ختام عام 2015 يجسد الارادة الشعبية بالتوحد في مواجهة الاحتلال من قبل جماهير شعبنا المنتفض، فأن عام 2016 هو فرصة لتكثيف الارادة الشعبية وتحقيق الضغط الجماهيري اللازم لإنفاذ خارطة الطريق لتحقيق الوحدة الوطنية الضرورية لحماية شعبنا وقضيتنا، هذه الخارطة التي تتضمن تطبيق اتفاق المصالحة والاجتماع بأسرع وقت للجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير- و هو امر متفق عليه لكنه يعطل بموجب ارادة ادامة الانقسام- وكذلك تشكيل حكومة الوحدة واجراء الانتخابات واستكمال التمثيل الوطني بالتوافق حيثما يتعذر انتخاب ممثلين للشعب الفلسطيني، حق التمثيل الوطني للفلسطينيين لا يمكن قصره على اهلنا في الضفة والقطاع بل يجب ان يشمل شعبنا في الشتات والأراضي المحتلة عام .1948
تلكوء المنقسمين ومراوحتهم لمكانهم ومواصلة حساباتهم الاقليمية والدولية المتعددة ليس قدرا على شعبنا الاستسلام له، بل هو تحد يفترض على كل القوى الوطنية التحرك للتكتل حول برنامج جامع يشمل مواجهة الاحتلال واستعادة الوحدة الوطنية، بما يكفل استعادة القضية الفلسطينية لمكانتها كقضية مركزية للعرب، ويمنع توغل الوحش التكفيري للعبث بالساحة الفلسطينية، هذا التوغل الذي يجب ان يفرض على القوى التقدمية الفلسطينية التوحد والعمل الجاد لمواجهته ابتداء بتعزيز دورها في مواجهة الاحتلال وليس انتهاء ببذل كل الجهود لانهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وبلورة التيار الوطني الديموقراطي، الذي يحمل هذه المهمات بجانب مهمة الكفاح لأجل تحقيق العدالة الاجتماعية.
كذلك الحال عربيا فأن نافذة الامل مشرعة، ليس ارتباطا بارادة القوى العربية الحية فحسب ولكن ايضا بوضوح الصورة التي تظهر الدور الامبريالي والصهيوني في مشاريع التشظية الطائفية وتغذية عصابات القتل التكفيرية، وفي كل قطر عربي يتضح واجب القوى التقدمية بضرورة استعادة الروح والكفاح لأجل الحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية.
ليكن عام 2016 عام للوفاء للشهداء ، عام للجبهة الشعبية العربية الموحدة في مواجهة الامبريالية ومشاريعها الطائفية، عام للوحدة وتصعيد المواجهة مع المشروع الصهيوني، واستعادة البعد العربي الصراعي مع المشروع الصهيوني والمشروع الإمبريالي الذي لا ينفصل عن النضال لتحقيق العدالة الاجتماعية للشعوب العربية في مواجهة الغول الرأسمالي الذي لا يكتفي بنهبنا بل بات يمد مخالبه لينهش هويتنا ووجودنا برمته.