Menu

تحليلالصين والتحوّلات الجيوسياسيّة في الشرق الأوسط: الثمنُ الذي ستدفعه "إسرائيل"

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

في منتصف شباط/فبراير 2023، ادّعى مستشار الأمن القومي الصهيوني "تساحي هنغبي" أن الإصلاح القانوني المثير للجدل لن يضرّ بأمن الكيان القومي. وكعادة المسؤولين الأمنيين الصهاينة كانت العين على ردّ الفعل الأمريكيّ وما هو متوقّع من واشنطن.  وبالتأكيد قام المستشار الصهيوني بوزن علاقات كيانه الاستراتيجية الحيوية مع الولايات المتحدة، ولكن فاته أن النظر إلى مشاكل "إسرائيل" وأمنها القومي في الشرق الأوسط وآسيا هو أمرٌ آخر. ويتم وزنه بموازين مختلفة.

لم يكن معبر انتخابات الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2022، هو جسر الاطمئنان والسكينة والحكم الثابت في الكيان الصهيوني بل كان بالأحرى، وعبر ائتلاف حمل عناصر تفجيره الذاتية هو المدخل كما اتّضح اليوم إلى أعمق أزمةٍ داخليّةٍ يعيشها الكيان منذ تأسيسه، عام 1948، وإن كان البعض يرى أنّها استكمالٌ لما حدث عام 1977 وسعي الليكود للاستيلاء التام على السلطة؛ ردًّا على استئثار ماباي في الحكم طوال الفترة السابقة.

وبينما يتدهور الكيان إلى أزمته الداخلية، فيما يبدو انهيارًا نحو الداخل في ثقب أسود لن تقتصر تداعياته على أدوار عجائز المحكمة العليا بل ستتجاوزها إلى الأمن والاقتصاد، فإنّ الأنهر السياسيّة تواصل تدفّقها ولا تنتطر أ يخرج الكيان من مأزقه، وهنا بالذات، يدخل الصينيّون إلى المنطقة بقوة، ليس ضد "إسرائيل" ولكن كما يقول المثل، اضرب الولد لتزعج الأب، فالصفعة إلي توجّهٍ إلى تل أبيب يسمع صداها في واشنطن.

جاء الصينيون ويبدو أنهم يريدون تغيير قانون ألعاب الشرق الأوسط الجيوسياسيّة، جاؤوا بأقدامٍ واثقة، وابتساماتٍ عريضة، ورسائل طمأنةٍ غير مسبوقةٍ لجميع الأطراف المتناحرة ما عدا "إسرائيل".

في 7 تشرين ثاني، ديسمبر 2022، حل الرئيس الصيني شي جين بينغ (أهلا وسهلا) في المملكة العربية السعودية في زيارة سياسية تستغرق ثلاثة أيام، و نقول (أهلا وسهلا) لأنها زيارة طال انتظارها. من الصينيين على الأكثر لنكن موضوعيين.

كانت نتيجة الزيارة، 40 اتفاقية وضعت الصين في موقع الشريك الأساسي والأكبر في العالم العربي، وأرسلت وهو الأهم رسالة إلى واشنطن، بأن "لدينا خيارات أخرى" لاحتياجات الأمن والسلام معًا. ويمكن رؤية أن السرسالة وصلت واضحةً عبر تصريح "وليام كيربي" منسق الاتصالات الاستراتيجيّة في مجلس الأمن القومي الأميركي بشأن تسليح السعودية، وتمكينها من الدفاع عن نفسها من جهة، وبشأن أمله أن يؤدي الاتفاق السعودي - الإيراني إلى وقف حرب اليمين. العالم كلّه يعلم عمومًا أن كلام المستشار الأمريكي لا معنى ولا قيمة سياسية له.

بالعودة إلى زيارة الرئيس الصيني، كانت رسائله واضحةً، وذكر بدعم الصين التقليدي لدولة فلسطينية، داخل حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وأكثر من ذلك: انتقد إيران عبر أربع أربعة إشارات بدت مزعجة للإيرانيين في حينه، إذ "وبخ" إيران على أفعالها التي "تعطل" و"تزعزع" الاستقرار في الشرق الأوسط، وطلب منها "التعاون الكامل" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإثبات أن أسلحتها النووية للأغراض السلمية.

أثارت هذه الانتقادات غضب الإيرانيين كما كان متوقّعًا، ولكن الساحر الصيني لا يخلو من الحيل؛ إذ ردت ردت الصين بسلسلة من الحيل التصالحية. وقال تشانغ هوا، سفير الصين في طهران، إن "الحب بين الأصدقاء القدامى" سوف يتغلب على العقبات. ولتهدئة "الاستياء الشديد" للقادة الإيرانيين، دعت الصين الرئيس الإيراني رئيسي لزيارة دبلوماسية، تمت في 14-16 شباط/فبراير 2023.

البيان الختامي للقمة الإيرانية الصينية سمع صداه كما قلنا في واشنطن، حيث تضمن إلى جانب كم كبير من وعود التعاون، انتقاد "إسرائيل" باسم لأول مرة في بيان رئاسي صيني، وخصوصًا بيان مشترك مع إيران، حيث تم حث الكيان بقوة على الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وتسليم منشآتها النووية إلى إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن جانبٍ آخر وفي استفزاز متعمد للأمريكيين نص البيان على الإشادة بـ "التزام إيران بالتخلي عن أسلحتها النووية".

وجهت الصين رسالةً إلى واشنطن بضرب حليفها في المنطقة وبردت نار غضب الإيرانيين من تصريحات قمة الرياض السابقة. التي أشارت إلى الجهود النووية الإيرانية وتجاهلت "إسرائيل".

ثمة مثلٌ يهوديٌّ على الأرجح يقول إنه "لايمكنك الرقص في حفلين في آن معًا"، ونشير هنا إلى سعي الصين لموازنة علاقاتها بين إيران والعرب المعادين لإيران، وتبين أن الساحر الصيني قادرٌ على ذلك. لأنّه في حربه مع الأمريكي يجب أن يستخدم كلّ الأطراف التي بإمكانه الاستفادة منها.

كما ذكرنا في البداية الصين تعرف الأزمة في "إسرائيل" بينما الإعلام الصهيوني لا يتحدّث عن المبادرات الصينيّة العملاقة، وبالكاد غطّت وسائل الإعلام الصهيونيّة قمتي الرئيس الصيني، ولم تنشر الإشارات إلى إسرائيل.

يبدو أن "إسرائيل" ستدرك عاجلًا أو آجل أن الصين معنية بتكثيف علاقاتها مع أعداء "إسرائيل" لسببٍ بسيطٍ جدًّا، هو أنهم أعداء لأمريكا أيضًا، الإيرانيين على الأقل، و لايمكن إخفاء الغضي والفتور السعودي تجاه واشنطن، ومن ثَمَّ السؤال المطروح الآن في أروقة الكيان هو عن الثمن الذي ستدفعه "إسرائيل" الذي على الأرجح سيتجاوز حدود المواجهة الصينية الأمريكية.

يعلم الكيان الصهيوني الآن أن إيران أصبحت لاعبًا أساسيًّا في الجهود الأمنينة العسكرية في المنطقة وصولًا إلى حدود بولندا والتركيم الإيراني يؤثر على أمن "إسرائيل" التكنولوجي والضربة التي تلقتها عبر الصين وقبلها روسيا، تقوي إيران وتعطيها المزيد من الشرعية. مخترقة الجدار الذي جهدت الولايات المتحدة لبنائه حولها. وكان هذا الاختراق قد بدأ أوّلًا عبر روسيا التي دعت إيران لاستخدام أسلحة ضد أوكرانيّا، وهكذا أصبحت طهران لاعبًا قارّيًّا جيوسياسيًّا خارج حدود الشرق الأوسط.