Menu

في ذكرى الكرامة: منظمة التحرير كقائد للكفاح الوطني

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

حين يدور الحديث حول منظمة التحرير الفلسطينية في هذه المرحلة، فإنه غالبًا ما يتناول التمثيل السياسي للفلسطينيين ومعضلة التفرد بقيادة المنظمة وسياسات الاقصاء التي تقوض دورها، وكذلك استلاب صلاحياتها من قبل السلطة، قائمة طويلة من المشكلات وكأن المنظمة محض بنية إدارية أو نظام سياسي متهالك، ولكن ليس لهذا تأسست المنظمة، وبالتأكيد ليس لهذا انضوت فصائل الثورة الفلسطينية في صفوفها وخاضت نضالها ضمنها، فلقد تأسست منظمة التحرير وتكونت شرعيتها كحامل رئيسي لمشروع التحرر الوطني، وقائد وناظم للنضال الفلسطيني في سبيل تحرير فلسطين.

حين تعيدنا ذكرى معركة الكرامة الى ٢١/٣/١٩٦٨ بوسعنا أن نرى ما الذي كانت تعنيه المنظمة، فلم يكن محور وجودها هو "دورها التمثيلي" أو هيكلها القيادي ونسب توزيع القوى داخله، ولكن بالأساس كانت جبهة وحدوية لقوى فلسطينية مقاتلة ضد العدو الصهيوني ترى في تحرير فلسطين سبيل لخلاص شعبها، هذه المنظمة كانت بفصائلها محور استقطاب للجمهور الفلسطيني والعربي، وللشباب الفلسطيني والعربي الذي تجند في صفوف فصائلها بتياراتها المختلفة، وأيضًا لشراكات واسعة ومتشعبة مع شبكة هائلة من قوى التحرر في الوطن العربي والعالم.

وإذا تداعت الجبهة العربية بشقها الرسمي بخروج الدول العربية تباعًا من الاشتباك المسلح مع الكيان الصهيوني، فلقد حملت منظمة التحرير لعقود مسؤولية هذه المواجهة، وضمت فصائلها عشرات الآلاف من الثوار الذين شكلوا قوة عسكرية معتبرة نازلت الكيان في عديد من المواجهات المفصلية وخاضت ضده قتالًا ونضالًا مستمرًا، ذلك بجانب تطور دورها كقائد للكفاح الوطني الفلسطيني بكافة أشكاله بما فيه النضال الجماهيري في الأرض المحتلة، الذي انتظم فيه مئات الآلاف من الفلسطينيين، وفي صفوف هذه الثورة وفي بنيتها القيادية عرفت المنظمة تباينات حادة حول شكل إدارة الصراع وادوات الكفاح، وأيضًا كانت موضع لأنواع من التنفذ والممارسات السلبية التي أخلت كثيرًا بمفهوم العمل الوطني المشترك، ولكن هذه التباينات كانت داخل خط الكفاح والنضال والالتزام بحق الشعب الفلسطيني في مواجهة عدوه واسترداد حقوقه كاملة غير منقوصة، فيما جاء مسار التسوية ليخرج المنظمة من هذا المسار، ويقوض دورها ويفقدها الكثير من وزنها، ويحيلها لموضع هامشي استخدمت فيه كأداة لتغطية مسيرة التسوية ومسار التنازلات الكارثية، بل وأحال بنية المنظمة وآلاف من مقاتليها وكادراتها إلى أدوات في مشروع خاضع للهيمنة الغربية المعادية.
إن السؤال الأساسي اليوم، لا يجب أن يقتصر حول امكانية إدخال القوى الفلسطينية كافة إلى منظمة التحرير، أو حتى العملية الإجرائية لانتخاب مجلس وطني جديد، أو تجديد بعض الهيكليات والبنى، فعملية إصلاح المنظمة ليست عملية إجرائية بيروقراطية، ولكن بالأساس سؤال سياسي حول دور المنظمة الذي تأسست لأجله ورسم مسارها التاريخي لعقود عدة، سؤال الكفاح الوطني الفلسطيني ودورها فيه، أي دورها كوعاء وهيكل لمشروع التحرر الوطني الفلسطيني، وإذا ما غاب هذا العنوان، فإننا نتحدث عن وعاء في افضل الاحوال لاحتواء الواقع الفلسطيني القائم بتبايناته واشكالياته، وفقا لمنطق المحاصصة والتقاسم والتجاذب.

إن السؤال حول دور المنظمة ومكانتها ومصيرها، لا يمكن قبول طرحه كجزء من ترتيبات "وراثة الحكم في السلطة الفلسطينية"، ولكن كسؤال محوري يتعلق بالمواجهة مع العدوان الصهيوني المتزايد والمتصاعد، واذا كان الطرح الديمقراطي لإصلاح المنظمة بالانتخابات، التي قد يكون من شأنها تمكين الإرادة الشعبية الفلسطينية من استعادة بعض من تمثيلها أو سلطتها على قرار المنظمة، فإن محور العمل الأساسي يتعلق بالعنوان السياسي الذي قد تدور حوله هذه الانتخابات، أو حتى التفاوض الفصائلي حول ملف المنظمة، أي بقدرة المجموع الوطني الفلسطيني على استعادة مؤسسته الوطنية الأم لمشروع التحرر الوطني، وليس الدخول أو الخروج من هيكل النظام السياسي الفلسطيني الأسير، سؤال الثورة والتحرير لا سؤال السلطة والحكم، ورغم أن هذا الملف يخص كل فلسطيني، إلا أن هناك مسؤولية خاصة، تقع على عاتق كادر فصائل منظمة التحرير، مسؤولية حملها شهداء الكرامة وبيروت وأيلول، وما زالت حاضرة وواجبة ولا مناص منها.