Menu

ندوة فكرية حول "التحوّلات الإقليميّة الرّاهنة وعلاقتها بالمتغيّرات الدّوليّة"

فلسطين المحتلة _ بوابة الهدف

بمناسبة إحياء فعاليات يوم القدس العالمي، وتحت شعار "الضفة درع القدس"، احتضن مركز مسارات للدّراسات الفلسفيّة والإنسانيات مائدة فكريّة حواريّة، بعنوان: "التحوّلات الإقليميّة الرّاهنة، وعلاقتها بالمتغيّرات الدّوليّة"، يوم الخميس الموافق لـ 13 أبريل/ نيسان 2023. وذلك في تنظيم مشترك بين مركز مسارات للدّراسات الفلسفيّة والإنسانيات، والرّابطة الدّوليّة للخبراء والمحلّلين السياسيين، ومركز دراسات أرض فلسطين للتّنمية والانتماء، والشبكة التونسيّة للتصدّي لمنظومة التطبيع، وبحضور ثلة من باحثين ومناضلين، وحقوقيين وإعلاميين من جنسيات وبلدان مختلفة عربية وإفريقيّة وممثلي المجتمع المدنـي التّونسي.

وترأس الندوة الدكتور فوزي العلوي رئيس مركز مسارات للدّراسات الفلسفيّة والإنسانيات، حيث أشار في كلمته إلى الرمزية الدّينية والسياسيّة والحضاريّة ليوم القدس العالمي، وأهمية الاحتفاء به في السياق الرّاهن المليء بالتحدّيات وبالمتغيّرات الإقليمية والدوليّة المتسارعة؛ أبرزها إقليميّا التدافع الداخلي "الإسرائيلي" بين الصهيونية الدّينية وبناها الاجتماعية والصهيونيّة العلمانيّة بجناحيها الليبرالي واليساري، مبينًا أنّ أحد تجلّيات هذا الصراع الدائر بين الطرفين هو ملف القضاء، الذي يريد اليمين الدّيني الصهيوني من خلال السيطرة عليه، سن القوانين والتشريعات التي تسمح له بتنفيذ مشاريعه العنصرية والفاشية الاستيطانية، ومن ثم السيطرة على السلطات الثلاث. وهو ما يتعارض – حسب الجناح العلماني المؤسّس لدولة الكيان- مع مبادئ الديمقراطية. 

ورأى العلوي أنّ "هذا التحوّل الداخلي الإسرائيلي البارز، يتمّ بالتزامن مع  صعود المقاومة الفلسطينية في الضفة درعاً للقدس، واتّساع نطاقها كحالة ملهمة في مدن وقرى فلسطينيّة أخرى، وهو المتغير الأهم في السنوات الأخيرة، لأنّ الضفة قلب فلسطين، تحتوي على بعدين في الصراع مع الصهيونية: البعد الاستراتيجي: ويتمثّل في كون الضفة بمثابة نتوء معاد مغروس في جسم الدولة يكاد يقسمها إلى نصفين. الأمر الذي يجعلها أهم نقاط ضعف قوة دولة الاحتلال، لقربها من عمقه الداخلي. البعد الديني: ويتعلق بالقدس بتاريخه ورمزيته الدّينية والرّوحيّة، وقدرته على الاستقطاب والحشد عربيًا وإسلامياً، مع التنبيه إلى أنّه رغم أهمية البعد الدّيني، فلا يمكن حصر كلّ أبعاد الصراع فيه، تجنّبًا للوقوع في مصيدة الاحتلال الذي يسعى إلى تلوين الصراع بتلوينات دينيّة، ليخفي بذلك طابعه الاستيطاني والاستعماري والعنصري".

واختتم المحاضر قوله بالتّأكيد على "أهمية التفاعل بين هذه المتغيّرات الإقليميّة والدّولية المتمثلة في الحرب الرّوسيّة الأطلسيّة، وانعكاساتها السياسية والاقتصاديّة، وعدم التسرّع إلى التفاؤل لما يتمّ تناوله حاليًا من إمكانيات مصالحات عربيّة إيرانية، وعربيّة عربيّة، لأنّ النّار قد تكون تحت الرماد، وأنّ الأمر لا يعدو أن يكون مقدّمات لا غير، الأمر الذي يقتضي يقظة ومواصلة للصمود والنضال، والانتباه إلى مواطن القوّة لتطويرها، وإلى مواطن الضعف لمعالجتها".

وفي سياق تحليل سياسي وجيواستراتيجي كانت محاضرة الدّكتور عابد الزريعي- رئيس مركز دراسات أرض فلسطين للانتماء والتمية- رسم خلالها المسار التراكمي للتحوّلات الإقليمية الرّاهنة. وقد حدّدها في أربع متغيّرات أساسيّة: أولّها حرب الخليج الأولى التي أسهمت – في رأيه- بشكل مباشر في تركيز القواعد الأجنبية، وتحديدًا الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وفي النظام الإقليمي العربي. وثانيها: "الربيع العربي" الذي زعزع استقرار الدّول العربيّة الوازنة والفاعلة على غرار سوريا و مصر وليبيا. وثالثها التطبيع، أو ما يسميه المحاضر "التموضع الصهيوني الجديد" في النظام الإقليمي العربي وفي عمقه الاستراتيجـي. الأمر الذي أضرّ بأحد أهم مقومّات المشروع القومي العربي؛ أي اعتبار "إسرائيل" عدوًا رئيسيًا ومركزيًا للدّول العربيّة على المستوى الإقليمي. في حين تمثّل المتغيّر الرّابع في تبلور محور المقاومة كقوة متناقضة جذريّا مع المتغيّرات الثلاثة السّابقة، وخاصّة في ظلّ تطوّر المقاومة الفلسطينيّة في شكلها الحالي، والذي اعتبره الدّكتور عابد الزريعي تحدّيّا إيديولوجيّا وسياسيّا وعسكريّا حقيقيّا لدولة الاحتلال.

وأشار المحاضر إلى أهمية الملف السّوري كمتغيّر هامّ كذلك في فهم التطوّرات الرّاهنة، معتبرًا أنّ عودة دمشق إلى الحاضنة العربيّة الرّسميّة – بالنسبة إلى صنّاع القرار السوري- لن تكون على حساب ثوابت سوريا الوطنيّة والقوميّة والإقليميّة، وفي مقدّمتها استقلال قرارها السياسي، وموقعها الحاسم من القضية الفلسطينيّة بعيدًا عن التطبيع والرجعيّة والتسويّة والمساومة..

وفي نفس السياق تمّ التطرّق إلى ملف إعادة العلاقات الإيرانية السعوديّة، والمصالحة السعوديّة اليمنيّة، وقد اعتبرها المحاضر رغبة سعوديّة بدرجة أولى في فرض نفسها – عبر النفوذ السياسي والاقتصادي- كقائد إقليميّ عربيّ بديل عن العواصم العربيّة التقليديّة والتّاريخيّة على غرار القاهرة وبغداد ودمشق.

واستنتج إلى القول بأنّ نظامًا دوليًا جديدًا في التشكّل، ويحمل فرصا وتهديدات، والمطلوب من العرب والمسلمين اليوم هو مدى فهم آليات التحوّل والوعي بتناقضاته، والقدرة على استثماره لصالح قضاياهم الوطنية والقومية العادلة.

وبعد نقاش مثمر بين المشاركين، اختتمت فعاليات الندوة الحواريّة بالتأكيد على مواصلة النضال الفكري، وبناء الوعي الجمعي المقاوم لكلّ أشكال التطبيع والتسويّة تحت شعارات الانفتاح والتسامح والتعارف والصراع في بعده الديني في الضفة وتحديداً في المسجد الأقصى يختزل الصراع على تاريخ القداسة في البشرية جمعاء، بمعنى هل نحن أم اليهود ورثة الأنبياء؟ ومن هم مشاعل الهدى ودين الحق؟ ومن هم برابرة التاريخ؟

تستحق الضفة أن تتوج هذا العام بشعار يوم القدس العالمي (الضفة درع القدس) لما قدمه أبطالها من تضحيات كبيرة دفاعاً عن القدس وفلسطين حيث أصبحت الضفة جبهة جديدة تقوم بعمل بطولي وتاريخي يقوض دولة الاحتلال، وتقف سداً منيعاً أمام المشروع الاستيطاني في الضفة، وتخلق بيئة أمنية غير مواتية للتمدد الاستيطاني في ربوعها، ومنذ معركة سيف القدس 2021م بدأت حركة الجهاد الإسلامي ترسيخ مفهوم جديد للصراع يقوم على وحدة الشعب، ووحدة المعركة، والمواجهة الشاملة عنوان النصر، ورفعت شعار واستراتيجية وحدة الساحات والجبهات، كاستراتيجية نقيضة لاستراتيجية العدو الصهيوني التي تقوم على الفصل والعزل والاستفراد.

وما جرى يوم 6/4/2023م في الجبهة الشمالية من قصف صاروخي على شمال فلسطين المحتلة رداً على الانتهاكات بحق الأقصى والمعتكفين بداخله معطى جديد، وحدث مفصلي يفصل بين مرحلتين: هو ينهي مرحلة الاستفراد الصهيوني بالقدس، ويؤكد على مرحلة جديدة قوامها وحدة المعركة ووحدة الجبهات والساحات.

 كما أن الحدث يؤكد الفشل الاستخباري لدولة الاحتلال، وتآكل ما يسميه قوة الردع، وقد أكمل القصف الصاروخي من جبهة الجولان السورية الدائرة، في رسالة بالغة الأهمية تزيد الأزمة "الإسرائيلية" عمقاً، وما جرى داخل المسجد الأقصى وما تبعه من ردود فعل قوية وشاملة رسخت مفهوم المواجهة الشاملة التي يهابها الاحتلال، وكسبت المقاومة الجولة حينما تراجع الاحتلال بإعلانه اغلاق المسجد الأقصى واقتصار دخوله على المسلمين فقط في العشر الاواخر من رمضان من جهة، ولم يلجأ للرد بحرب واسعة واكتفى بردود محسوبة تقليدية على عكس ما يفعل في مثل هذه الحالة".

ويعتبر المتغير الأهم على الصعيد الداخل "الإسرائيلي"، فهي لم تكن من النخبة المؤسسة لدولة الكيان، وهي طور جديد من متحور فايروس الصهيونية الأكثر تطرفاً وعنفاً وفتكاً بالفلسطينيين، والأكثر عنصرية، ولديها مشروع تغييري يقول الاتي: ان الصهيونية اللبرالية المؤسسة لدولة الاحتلال فشلت في استكمال حلم دولة اسرائيل الكبرى، وتتعامل مع الفلسطينيين برفق، وعقدت اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، وتخلت عن جزء من أرض إسرائيل، وبذلك تكون تخلت عن مبادئ الصهيونية التي تتمسك بكامل فلسطين بوصفها إسرائيل التوراتية".

بعد المصالحات: الحاجة إلى المراجعات

قاسم قصير: تشهد المنطقة العربية والإسلامية تطورات مهمة ومتسارعة وأهمها عودة العلاقات فيما بينها وعقد الاتفاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية ووقف الحروب والصراعات التي شهدناها طيلة السنوات الأخيرة وكل ذلك مهم جدًا وسيؤدي إلى دخول العالم العربي والإسلامي في مرحلة جديدة ويسمح له أن يقوم بدور مهم على الصعيد الإقليمي والدولي بعيدًا عن المحاور ويمكن للعرب والمسلمين أن يطرحوا مشروعًا حضاريًا متكاملاً انطلاقًا من القيم الإسلامية والمشرقية كما تحدث عن ذلك المفكر الأستاذ سعد محيو وغيره من المفكرين العرب والمسلمين ولذا نحن اليوم بحاجة إلى مراجعة شاملة لما حصل وتحديد الأخطاء وأسباب ما جرى والاستفادة من ذلك لبناء علاقات قوية في المستقبل ولا نعود إلى شعارات التخويف والمذهبية والقومية وإثارة المخاوف فيما بيننا واستعادة الأزمات التاريخية.

وهذا ينطبق على الوضع في داخل كل دولة عربية أو إسلامية وكذلك على العلاقات فيما بين الدول.

ولعل هذا الشهر يحمل لنا المزيد من الخطوات الهامة ونعود إلى الصراع الحقيقي مع العدو الصهيوني حتى تحرير فلسطين والقدس والاقصى.

ما الذي يحدث في دولة الاحتلال الصهيوني؟ وهل المقاومة الفلسطينية في الضفة تشكل درعًا للقدس؟ وهل رياح التحولات الإقليمية والدولية تهب عكس ما تشتهي السفن الصهيونية؟

أولاً: ما الذي يحدث في دولة الاحتلال الصهيوني:

وبالتالي نحن أحق بالصهيونية وإرثها ومبادئها، ونحن الأقدر على استكمال المشروع الصهيوني على كامل مدينة القدس، وتغيير طابعها الفلسطيني والعربي والإسلامي، وبسط السيادة على الأقصى وبناء الهيكل الثالث، حيث لا معنى لوجود "إسرائيل" بدون الهيكل، كما انها تريد بسط السيادة "الإسرائيلية" على كامل الضفة الغربية كجزء لا يتجزأ من "إسرائيل" التوراتية، أي مطابقة "إسرائيل" التوراتية بفلسطين الانتدابية، ومشروعها هذا يقوم على النفي المنظم المطلق لوجود الشعب الفلسطيني، بل يمثل إعدامه السياسي.

وحتى تستكمل الصهيونية الجديدة مشروعها لابد من القيام بإزالة كل العقبات من طريقها، وأهم هذه العقبات السلطة القضائية، وعليه يريد اليمين الصهيوني الديني سن القوانين والتشريعات التي تسمح له بالسيطرة على السلطة القضائية، بعد ان تمت السيطرة له على السلطتين التنفيذية والتشريعية من خلال الانتخابات الأخيرة. وبدلك أصبحت التعديلات القضائية أو الانقلاب على القضاء، محور الاستقطاب الداخلي بين صهيونيتين، الصهيونية اللبرالية المؤسسة للدولة التي نزلت الى الشارع رفضاً للتعديلات القضائية  وتصفها بالانقلاب على الديمقراطية، وعلى طابع الدولة اللبرالي، وبين الصهيونية الدينية التي لم تكن من النخبة المؤسسة وترغب بتغير طابع الدولة وهويتها كدولة ثيوقراطية دينية، من خلال السيطرة الكاملة على السلطات الثلاث وسن القوانين العنصرية والفاشية، وهو ما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية من وجهة نظر الصهيونية اللبرالية المؤسسة للدولة. 

لم تنته الأزمة بعد في دولة الاحتلال، وهي ذاهبة لنقطة اللاعودة، وتراجع نتنياهو يشبه الانحناء أمام العاصفة، وهو مصمم على المضي قدماً في الهيمنة على السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية لإزالة أي كوابح من أمام إرادة الصهيونية الفاشية والعنصرية لإحداث التغيير الذي تريده قي شكل الدولة ومستقبلها.

لقد نجح نتنياهو في إبقاء كتلة اليمين الصهيوني موحدة دون تفكك، رغم زلزال الغضب الجماهيري المضاد، مع كتلة اجتماعية يمينية كبيرة لن تتراجع أبداً، ولن تسمح للكتلة اللبرالية الأخرى من المجتمع المدني (والذي يشار إليها بالدولة العميقة) بالانتصار.

وحتى في حال سيناريو إسقاط حكومة نتنياهو فان الكتلة اليمينية الصهيونية الفاشية قادرة على إحداث الشلل والركود في الحياة السياسية والاقتصادية في الدولة بالكامل، وبالشكل الذي يشبه ما قامت به الكتلة الاجتماعية للمعارضة، وربما بأكثر دموية.

 ما يحدث الان في دولة الاحتلال يتجاوز حالة عدم الاستقرار الحكومي الى حالة الشلل السياسي، على الارجح الأمر وصل مرحلة اللاعودة عبر عملية تراكمية حدثت منذ سنوات طويلة شارك جميعهم في انضاجها من اليمين الى اليسار.

كما يمكن القول ان الصهيونية اللبرالية وصلت الى نهايتها، بعد صعود الصهيونية الدينية التي توصف بانها الأكثر عنفاً والأقل خبرة سياسية، والعالم اليوم في ظل تحولاته الجارية لم يعد بإمكانه تحمل هذه العنصرية وهذا التطرف لدولة صغيرة قزمية لها خيالات واحلام امبراطورية.

ثانياً: هل صعود المقاومة الفلسطينية في الضفة يشكل درعاً للقدس:

لا شك أن انطلاق المقاومة الفلسطينية في شمال الضفة، واتساع نطاقها كحالة ملهمة في مدن وقرى الضفة هو المتغير الأهم في السنوات الأخيرة، لان الضفة قلب فلسطين، تحتوي على بعدين في الصراع مع الصهيونية:

البعد الأول هو البعد الاستراتيجي: فهي من الناحية الجيوسياسية تشكل نتوء معادي مغروس في جسم الدولة يكاد يقسمها الى نصفين، وهي منطقة جبلية مرتفعة وحاكمة للساحل الفلسطيني، كما تتمتع الضفة بمساحة كبيرة نسبياً تبلغ 5878كم، ويبلغ عدد سكانها 3.2 مليون فرداً.

 ما يجعلها أهم نقاط ضعف قوة دولة الاحتلال، فهي قريبة من عمقه الداخلي هي إسفين مغروس في جسم الدولة، والمقاومة هناك تضرب في أحشائه الداخلية، هي بمثابة غرغرينة خطرة تقضي عليه من الداخل.

البعد الثاني هو البعد الديني: الضفة بما فيها القدس تحتوي على تاريخ القداسة في البشرية، على السلسلة النبوية الطاهرة من إبراهيم عليه السلام الى محمد خاتم الأنبياء ووريثهم وإمامهم حيث صلى بهم جميعاً في المسجد الأقصى.

والصراع في بعده الديني في الضفة وتحديداً في المسجد الأقصى يختزل الصراع على تاريخ القداسة في البشرية جمعاء، بمعنى هل نحن أم اليهود ورثة الأنبياء؟ ومن هم مشاعل الهدى ودين الحق؟ ومن هم برابرة التاريخ؟

تستحق الضفة أن تتوج هذا العام بشعار يوم القدس العالمي (الضفة درع القدس) لما قدمه أبطالها من تضحيات كبيرة دفاعاً عن القدس وفلسطين حيث أصبحت الضفة جبهة جديدة تقوم بعمل بطولي وتاريخي يقوض دولة الاحتلال، وتقف سداً منيعاً أمام المشروع الاستيطاني في الضفة، وتخلق بيئة أمنية غير مواتية للتمدد الاستيطاني في ربوعها.

ومنذ معركة سيف القدس 2021م بدأت حركة الجهاد الإسلامي ترسيخ مفهوم جديد للصراع يقوم على وحدة الشعب، ووحدة المعركة، والمواجهة الشاملة عنوان النصر، ورفعت شعار واستراتيجية وحدة الساحات والجبهات، كاستراتيجية نقيضة لاستراتيجية العدو الصهيوني التي تقوم على الفصل والعزل والاستفراد.

وما جرى يوم 6/4/2023م في الجبهة الشمالية من قصف صاروخي على شمال فلسطين المحتلة رداً على الانتهاكات بحق الأقصى والمعتكفين بداخله معطى جديد، وحدث مفصلي يفصل بين مرحلتين:

هو ينهي مرحلة الاستفراد الصهيوني بالقدس، ويؤكد على مرحلة جديدة قوامها وحدة المعركة ووحدة الجبهات والساحات.

كما أن الحدث يؤكد الفشل الاستخباري لدولة الاحتلال، وتآكل ما يسميه قوة الردع، وقد أكمل القصف الصاروخي من جبهة الجولان السورية الدائرة، في رسالة بالغة الأهمية تزيد الأزمة "الإسرائيلية" عمقاً.

ما جرى داخل المسجد الأقصى وما تبعه من ردود فعل قوية وشاملة رسخت مفهوم المواجهة الشاملة التي يهابها الاحتلال، وكسبت المقاومة الجولة حينما تراجع الاحتلال بإعلانه اغلاق المسجد الأقصى واقتصار دخوله على المسلمين فقط في العشر الأواخر من رمضان من جهة، ولم يلجأ للرد بحرب واسعة واكتفى بردود محسوبة تقليدية على عكس ما يفعل في مثل هذه الحالة.

ثالثاً رياح التحولات الإقليمية والدولية تسير عكس ما تشتهي السفن الصهيونية؟

لقد شكل التقارب السعودي الإيراني برعاية الرئيس الصيني شي جين بينغ حدثاً صادماً لدولة الاحتلال، وخيبة أمل كبيرة للأمريكيين لثلاثة أسباب:

أولاً: المبادرة السياسية الصينية الناجحة تعتبر الأولى من نوعها، تمت في المجال الحيوي الأمريكي الخاص والحصري، وقد بدت الصين الاقدر على ملئ الفراغ الذي نتج عن الانكفاء الأمريكي، بينما كانت اسرائيل ترى في نفسها أنها البديل عن أمريكا لملئ الفراغ من خلال تشكيل تحالف قائم على فكرة العداء لإيران، أو ما أطلق عليه وزير الحرب بني غانتس "الجدار الأمني" أو "الناتو العربي الإسرائيلي".

الاتفاق تم بفعل الدبلوماسية الإيرانية النشطة والصبورة التي أسقطت البنية الأمنية التي عمل عليها الكيان بمساعدة الإدارة الامريكية لسنوات على بنائها.

ثانياً: الاتفاقية السعودية الإيرانية وجهت ضربة قوية للاستراتيجية الامريكية القائمة على تغذية النزاعات المذهبية والعرقية والطائفية والعشائرية في المنطقة، في حال نجاح هذا المسار سنشهد حلول للنزاعات في المنطقة كاليمن، ولبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وغيرها من دول الإقليم.

ثالثاً: نجاح الاتفاق بين إيران والسعودية برعاية صينية يشكل الركيزة الأساسية للاستقرار الإقليمي، ولا نبالغ إذا قلنا ان الاستمرار في مسار تطبيع العلاقات السعودية الايرانية برعاية الصين الشريك الاقتصادي لكلا البلدين، سيغير وجه الشرق الأوسط، فهو يساعد في انهاء عزلة إيران، ويعطي شرعية لدول المنطقة والعالم لمزيد من الانفتاح على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وعلى صعيد متغيرات العلاقة مع الدولة السورية يوجد ما يغضب "إسرائيل وأمريكا فالتهافت العربي يتواصل باتجاه دمشق، ودعوة الرئيس السوري المرتقبة لحضور القمة العربية التي ستعقد في الرياض ضربة قوية لجهود الولايات المتحدة الامريكية لحصار سوريا واستمرار عزلتها في المنطقة والعالم.

كما أدى الانشغال الأمريكي والاوروبي بالحرب الأوكرانية الى إضعاف الموقف "الإسرائيلي"، ف"إسرائيل" هي سلعة الغرب وأداته في المنطقة، والتراجع الأمريكي في الشرق الأوسط وتغيير خارطة الاهتمامات الامريكية سيضعف دولة الكيان أكثر فأكثر، وكلما تراجعت مكانة أمريكا في النظام العالمي كلما تراجعت دولة الاحتلال الصهيوني.

الخلاصة:

عشية يوم القدس العالمي 2023م الذي دعا اليه قائد الثورة الإسلامية في إيران الامام الخميني، نرى "إسرائيل" منقسمة وذاهبة نحو مزيد من التفسخ السياسي، والانحطاط الأخلاقي، وصعود الصهيونية الدينية الفاشية يأتي في بيئة دولية وإقليمية ومحلية غير مواتية لتنفيذ مشروعها وأحلامها الإمبراطورية، كما أن تنامي المقاومة المسلحة في الضفة، وبروز فكر واستراتيجية وحدة الساحات والجبهات في معركة الأقصى أقلق دولة الاحتلال وأجبرها على التراجع.

الانشغال الأمريكي والأوروبي عن "إسرائيل" في معركة مع روسيا على الأراضي الأوكرانية يضعفها ويقلل من فعالية دورها الإقليمي، التقارب السعودي الإيراني برعاية الصين أنهى عملياً فكرة الناتو العربي "الإسرائيلي"، وكشف ضعف النفوذ الأمريكي، وفتح المجال لإدماج الدولة السورية في الفضاء السياسي الإقليمي على غير الرغبة الأمريكية و"الإسرائيلية".

*الأستاذ حسن عبدو - عضو الهيئة الادارية في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين (فلسطين)

بقفا.jpg