Menu

الكتابة في خندق الرفيق أحمد

بوابة الهدف الإخبارية

خاص_بوابة الهدف

رحيل المثقف الوطني المناضل الرفيق أحمد جابر، أحد أعضاء اسرة تحرير الهدف ومحررها المنفذ، ومسؤول قسم شؤون العدو فيها، بجانب ما يستدعيه من ألم الفقد ووجع الخسارة لدى الزملاء والأسرة والمحبين والرفاق، فإنه يستدعي السؤال حول دور المثقف في ظل صراع التحرر الوطني، ومهنة الصحافة والكتابة التي اشتكى أحمد مرارًا؛ مما حل بها وبات يحكمها.

في زمن باتت الكتابة وصناعة المحتوى وتعبئة الفضاء الافتراضي سلعة بلا جدل، فقد تسلّع الكاتب وصانع المحتوى؛ ليصبح جزءًا من سوق يرفض ويقبل مموليه؛ موظفيهم، ويحددون خطهم السياسي والاجتماعي، وتحول التشغيل ضمن هذا الحقل وفرص الصعود والهبوط فيه مرتبطًا برضوخ الكَتَبة للمعادلة التي لا تشترى فيه أقلامهم فحسب، بل رصيدهم الوطني والاجتماعي ضمن صفقات التشغيل والاستكتاب.

إن التطور الهائل في وسائل الاتصال والتواصل وأدوات إيصال المعلومة ونقل الفكرة؛ أعطت الجماهير نوافذًا كبيرة للإطلال والانفتاح على المنشورات والمواقع ومنصات الإعلام والخطاب والبحث على أنواعها واختلاف تياراتها، وهذا التقدم وإن أسهم في تحفيز التشدق ب "الصوابية السياسية"؛ كمعيار أخلاقي يحاكم به الجمهور كُتَّابه، فلم يعد هناك في الغالب الأعم من يجرؤ على إشهار رجعيته؛ فهذه السلعة نبذها الجمهور ولم يعد هناك مكان لطرحها إلا لدى بعض القوى الرجعية الموغلة في التخلف، ولكن أيضًا هذه المعايير العامة التي باتت تحكم بيئة الصحافة والكتابة وإنتاج المحتوى، خلقت نوع من التشابه المرضي، قوامه تزييف كل شيء؛ الموقف الوطني والطروحات الاجتماعية، فكل ما حولك يحاول أن يلبس ثوب الوطنية والتقدمية والثورية والنقدية؛ فيتيه القارئ والمتابع بين هذه المتشابهات، خصوصًا أن الأطراف المهيمنة ماليًا وتشغيليًا، بل وتقنيًا على مساحات النشر باتت حريصة على نبذ وإقصاء كل ما هو جدي وحقيقي في نقده، وكل من تعامل مع الكتابة كأداة للاشتباك مع المعسكر المعادي، وليس كسلعة يحسن تغليفها بما يلاءم "الشريحة المستهدفة".

رفيقنا أحمد جابر؛ كان نقيضًا واضحًا لكل هذا؛ حمل قلمه كقنبلة في ساحة الاشتباك، وقذف بكل غضب توصيفًا واضحًا لمعسكر الأعداء، لم يطرح قلمه على طاولة البيع، ولم تكن طروحاته موضع للتفاوض، ولكن مادة للاشتباك الوطني والمجتمعي، وهو ما دفع ثمنه مرارًا وتكرارًا، ليذكرنا في حياته وسيرته، بأن الشراء والسقوط، ليس مصيرًا حتميًا، وأن ما نملكه من معطيات وأدوات تحليل، ليس سلعًا للبيع، وأن "المواد" ليست منتجات توضع على أرفف متاجر البيع الرقمي، وأن الرصيد المتراكم بينه وبين قراؤه ومتابعيه هو رصيد الجدل الحي والحر والمسؤول مع أبناء شعبه وقضيته؛ دفاعًا عن حقوقهم وحقه كلاجئ فلسطيني ومقاتل وثائر وصاحب موقع في خط الاشتباك مع العدو الصهيوني.

آمن اللاجئ المقاتل أحمد بفلسطين؛ كهوية وقضية وعنوان، ضمن تصور لنضال شامل؛ يجمع أحرار العرب؛ لأجل العدالة والحرية والاستقلال، ولم يفرط بذرة من إيمانه هذا حين درس وفحص بيئة الغزاة المعتدين وحلل تناقضاتهم وتشابهاتهم؛ فلقد مارس هذا الدور بتمرس المقاتل الذي بحث دومًا عن تفكيك بنية المنظومة الصهيونية وإدراك بواعث عدوانيتها وعنصريتها ووحشيتها، وكذلك عوامل ونقاط ضعفها وإمكانيات ضربها ومواجهتها، باحثًا عن الانتصار لشعبه وقضيته لا عن بناء رصيد شخصي.

ربما يذكر بعضنا اليوم ذلك الغضب الدائم الذي رشح من ابن الثورة واللجوء أحمد جابر، والذي يشعرك دومًا أنك في خندق متقدم؛ تتدارس معه تكتيكات الاشتباك، وسبل بناء المنظومة الوطنية القادرة على تفعيل هذا الاشتباك.

قاتل أحمد صبيًا وشابًا وكهلًا؛ لأجل حريتنا الإنسانية وعودتنا لديارنا ولأجل استعادة وتحرير فلسطين من بحرها لنهرها، وقضى على هذا الدرب في منفاه، ملاحقًا من أعداء وجودنا وهويتنا، ليضع في رقبة كل من حمل القلم وزامله أو عرفه أو أدرك سيرته؛ دين جديد يضاف لجانب ما علّقه الشهداء في رقابنا جميعًا.

في أسرة الهدف، ما زلنا على عهد أحمد، على عهد غسان، على عهد الدم والنضال والفداء، لا كخيار؛ فلقد تجاوز الجميع هنا موضع ومحطات المفاضلة والاختيار، ولكن كواجب مغمس بالدم والتضحية وبعهود قطعت؛ لأجل استمرار المسيرة حتى العودة والتحرير.