Menu

في فلسفة الألوان: ضد -تزميل- المجتمعات الإنسانية

عذري مازغ

علاقتي بالألوان كانت طبيعية، كنت ألبس اللون الذي يعجبني وأستعمل اللون الذي يعجبني في مربعات تغريداتي حتى خرجت لنا المثلية بقوس قزح فمسخت طعم الألوان، في البداية كان اللون المفضل عند المثلية هو اللون الوردي الميدادي، الفانيدي (ألوان متقاربة)، الآن أصبحت هي كل الألوان ماعدا الأسود الذي يرمز للشر.

في المغرب كانت ثقافتي في الألوان صفر مربع: في طفولتي كان يعجبني الأصفر والأزرق.

في مراهقتي: كان يعجبني لون الثورة الأحمر (تأثير الثورة البلشفية) وألوان أخرى كانت أحزاب يسارية تطلى بها في الانتخابات بالمغرب، اللون الكاكي مثلا والذي لا أشعر اتجاهه بأي انجذاب أصبح مقبولا عندي فقط لأن حزبا كان شيوعيا في بداية الثمانينات أو أواخر السبعينات دخل حملته الانتخابية بهذا اللون، التعاطف معه كان على سبيل ترشح قريب لنا، كانت الانتخابات مزورة وأذكر أنا الطفل المراهق الذي لم يبلغ حينها سن حق التصويت، صوتت في تلك الانتخابات ثلاث مرات: كان أي منبوذ من قبيلتي أو قريتي على الأصح، ليس موجودا، كان بعض أهلي يأمروني أن أصوت محله بسبب طول قامتي التي تظهرني على أني بالغ.

بعد ذلك كانت تعجبني ألوان الشفق ومنها الميدادي بالطبع، وحقيقة علاقتي بالشفق هي علاقة رومنسية، عندما كنت أستعد للامتحانات بجبل عوام، كنت وصديق لي نأخذ طريقا منجميا (طرق أنشئت على الطريقة العسكرية لربط المناجم بعضها ببعض) وكانت تمر ببعض الفجاج الجبلية وكنا نأخذها دائما في المساء عندما ننهي بعض أعمالنا الفلاحية، حيث ينتهي كل شيء ب"العصر" (العصر هو انتهاء العمل الفلاحي قبل دخول العمل بالساعة، وفي هذا أشير أيضا أنه لم يكن التحول في العمل من اعتماد الزمن التقليدي إلى زمن الساعة بشكل ثوري بل بدأ الأمر بتحديد الزمن التقليدي بالساعة ثم بعد ذلك اعتماد الساعة وهذا نقاش آخر)، في تلك الفجاج كنا نراقب ألوان الشفق كيف تتحول بشكل طبيعي (بمعنى لم نكن نستوعبها في ذاتنا، بل كنا نستوعبها بشكل عجائبي: في الشفق حتى الغروب تتغير هذه الأوان بشكل رائع خصوصا حين تكون في الشفق بعض الغيوم). حتى هذه المرحلة لم أبلغ مستوى أعتقد أن المرأة سبقتنا إليه نحن الذكور، لم نكن نعرف أن في ثقافتنا المهذبة مفهوم التناسق في اللباس على الرغم من أن أختي تعاني فقرنا أيضا، كانت أحسن مني في الكساء (تتوفر على الأقل على شبه متجر من الألبسة والأحذية تلبسها بمناسبات معينة بشكل متناسق بينما نحن الذكور لم تدخلنا بعض لغة التناسق في اللباس والألوان)، كنت ألبس اللون الذي أعجبني في الشفق بغض النظر عن ما إذا كان يتوافق مع ملامحي، والآن حين أشاهد بعض صوري من تلك المرحلة، أستغرب من قلة التناسق فيها (أحيانا متناقضة تماما) وأعتقد أني بالفعل كنت "عروبي" فيها ("عروبي" هنا، وبدون خلفيات أيديولوجية، تعني في الثقافة المغربية بدوي، تعني لا مدني).

غالبا ما يفاجئك الأمر حين يقول لك شخص: "هاد اللون جا اعليك"، هذه العبارة هي المدخل لفهم التناسق، لكن حينها لم يكن الأمر مستوعب والآن نعرف ماذا يعني التناسق المدني "اللاعروبي"، بشكل ما يعني وفرة في المداخيل المالية: فلسفة الفقير في اللباس هي ستر جسمه وهذا ما كنت أمثله في مرحلة المراهقة ومرحلة الشباب أيضا، ففهم لغة التناسق، حتى في مرحلة الشباب لم تنضج بعد، حتى في أثناء عملي الأول في المناجم، كان اتجاهي في اختيار ملابسي هو أو هي الجودة والجودة أيضا كانت تحكم فيها الماركة وليس التناسق: لبس حذاء ماركة نيك أو أديداس مبعث للفخر والتباهي بينما في الحقيقة، من زاوية التناسق، قد لا تتناسب، ولكم في الأمر ظاهرة الأقمصة الرياضية المرقمة: أن يلبس صيني قميص أبيض مادريدي فيه رقم خمسة (العلامة الرقمية للاعب زيدان في ريال مادريد) لا تتوافق من حيث التناسق مع صيني وبالتالي مع أصناف بشرية أخرى (مع احترامي لكل الصينيين، فقط مجرد مثال). بشكل آخر أن يلبس شخص قميص بجودة عالية يحمل اسم رونالدو: هذا الشخص ليس رونالدو حتى وإن تناسق لون القميص مع ملامحه.

النساء أكثر منا تحررا من قيم الماركة رغم أن جسم المرأة يوظف في الإشهار لجذب الغرائز الجنسية: نادرا ما نشاهد امرأة حملت قميص زيدان أو رونالدو أو غيره، اللهم في الحضور في المباريات، وليس بشكل عام تحمل القميص كما الرجال حتى في التبضع والسياحة والعمل أحيانا. تغيب عند الرجال حاسة التناسق إلا في الحقل الديبلوماسي وذلك لأن البروتوكول الرسمي يفرض تناسقا معينا خاصا.

نسيت اللون الأصفر، لا زال اللون الأصفر لونا جميلا في علاقتي الطبيعية بالألوان وإن وسخته المذاهب السياسية: هو رمز طبيعي للخريف والتغيير لكن في السياسة هو رمز للرجعية والبذاءة والتخلف والذي ربما، مع ظهور مصطلحات أخرى سيستعيد اللون الأصفر جماليته: ما كنا نصفه سابقا بالصحافة الصفراء أصبحنا نصفها الآن بقنوات الصرف الصحي وهو المصطلح الموضوعي لهم وهو شكل لإنقاذ اللون الأصفر من التفاهة في علم الاجتماع.

لكن مع ذلك، وفي تطور جديد، أصبح له رمز آخر ضمن ألوان قزح، وبشكل، شخصيا لست متفق: تحويل ألوان قزح إلى رمز للمثلية هو اقتحام جديد في وظيفة رمزية الألوان: هو طعم جديد: كل الألوان هي رمز المثلية وهذا غير صحيح.

في بداية العشرية من هذا القرن انتقدت لباس فلكلوري مغربي: فرقة أحيدوس بمهرجان عين اللوح كانت باللون المثلي أزعم بالتأكيد أن لون جلبابهم لا يعكس النمطية المثلية لمجتمعنا بدليل أنها فرقة سيميائيا تعبر عن الجنسين: جانب كل رجل امرأة وهو تعبير فني للأمازيغ على المساوات بين المرأة والرجل: لا تكتمل رقصة احيدوس إلا بوجود المرأة، لكن اختيار لون الجلباب لم يكن موفقا من طرف المنظمين، وأقول هذا، ليس لأني ضد المثلية بل ضد أن يغتصب أحيدوس من قبل المثليين ويظهر مجتمعنا كأنه مجتمع مثلي: ألواننا في أحيدوس هي ألوان الصوف: أبيض، أسود، بني وهي ألوان تتماشى سيميائيا مع المجال ومع الأعمال.

يوجد مثليون في مجتمعاتنا، نكران ذلك لا يتسق مع المعطيات المسكوت عنها التي تتفجر أحيانا في العنف الاجتماعي اتجاه المثليين والعنف هذا مدان، لكن ليس إلى درجة تبني كل ألوان الطبيعة.

سأعود إلى بداية تواجدي بالغرب، لقد قلت سابقا أنه لم تكن لدي لغة الألوان وكنت ألبس من الألوان ما يعجبني في غياب ثقافة التناسق: لقد كنت أعتقد أن الجودة تقتل التناسق (لم يكن التناسق حاضرا في وعيي باعتباري "عروبي": كنت ألبس ما يستر جسمي وهذا مستوحى من ثقافة الفقر، ومع وجود نقد ومال كنت ألبس ما اعتقدته يمثل جودة دون مراعاة الألوان). هذا الجهل بالألوان قادني إلى اصطدامات غريبة: في أول عمل بإسبانيا، بقرية أو مدينة ميخاس، في حظيرة بهائم كانت تجهز الخيول للسياح: الحظيرة كانت عبارة عن منتجع سياحي، عملنا كان تجهيز الخيول والاهتمام بعلفها وتنظيف أماكنها وتجهيز العربات الكلاسيكية التي تذكرنا بأيام "الويستيرن"، كان في الحظيرة مطعم يوفر لنا نحن عمال الحظيرة الأكل والشرب إلى جانب سواح أغلبهم بريطانيين. كان في كل مرة يجلس بجانبي سائح أو إسباني، حينها لا أتكلم الإسبانية، أتكلم الفرنسية، وفي كل مرة يقترب إلي أحد، بعد التقديم والتكلم بالفرنسية يقول لي بأنه معجب بالمغرب، وحين يتكلم عن المغرب يتكلم عن أحجار وسط البحر في تيطوان وطنجة وأكادير (يتكلم عن جزر معزولة قريبة من البرية) والتي في نظري لا تشكل جمالية طبيعية أكثر من منطقتي في الأطلس المتوسط، يبدأ يتلمس بي لأكتشف أنه مثلي (زامل بالمغربية) وحين أردعه يقول لي: لماذا تلبس قميص مدادي إن لم تكن "زامل" مثلنا؟ نعم ينطقون "زامل" المغربية بفصاحة المغاربة، ثم يحدث صدام ثقافي:

ــ أنا لست "زامل" ولا يعجبني أصلا أن اضاجع الذكور

ــ لست ذكر؟! يقول هذا فيدخل في الثقافة الجنسية التي أنا متخلف فيها: هناك المخنث كأنه امرأة، وهناك المخنث بتمازج (هو يعلب دور المرأة وفي نفس الوقت دور الرجل) وهناك السحيقة وهناك وهناك، لم ينهيها، إذا لم تكن "زامل" لماذا تلبس ألوان "الزملة"؟ لم أفهم شيئا من أني ألبس لون "الزملة"، كل ما أعرفه أني أخذت بعض الملابس التي اعتقدت أنها جيدة في قطع البحر المتوسط وأنها ستظهرني بمظهر المدني المتطور. حتى هذه اللحظة اعتقدت أن جسمي (هيأته وشكله مغري ل"الزوامل").

في إلخيدو بألميريا، وفي المركز التجاري الذي يسمى "الكوبو"، جلست في حانة أتناول بعض جرعات البيرة، اقترب إلي فرنسي وسألني: هل تتكلم الفرنسية؟

قلت له: نعم

بدأ يقترب إلي أكثر ويتحدث إلي بالفرنسية ينتقد فيها بعض السلوكات الإسبانية، شكل حميمي ما دفعه أن يلتصق بي بشكل أثار رفضي: إذا كنت "زامل" فأنا لست الرفيق المناسب!

ــ لا! لا! هذه زوجتي وهذه ابنتي (قدمهما لي)، أنا اشتقت إلى لغتي، وهذا سبب تقربي إليك لأنك تتكلمها.

تدخلت زوجته لتقول لي بأنه ليس "زامل" ثم تقدمت إلي لتقول بأنها تتفهم رد فعلي لكن أثارت لون قميصي (هو قميص مميز لكرة التينس بلون مدادي، لون المثلية)، قالت أنه رمز المثلية!

ــ يا إلهي، كل ما لدي من لباس هو رمز المثلية.

لكن مع ذلك لم آخذ كلامها بعين الاعتبار إلا في حاصلة أخرى حدثت لي بلاس بيدرونيراس. كنت أبحث في الحديقة العمومية عن بقايا سجائر، اقترب مني شخص نزل من "فوركونيت" فمد لي سيجارة، تظاهرت بعد القبول لكنه ألح، اكتشفت بسهولة أنه زامل آخر، هو أندلسي يبيع قطع غيار الآلات الفلاحية، أخبرته أني ليس الشخص المرغوب، وللتأكيد سألني عن حجم قضيبي فأجبت إنه ملمترات صغيرة، سألني هل لي صديق له قضيب بأمتار؟ فأجبته نعم: لكنه لا يوجد هنا بل بسان كليمنتين، حيث بدأ موسم البصل، لم يبدأ بعد موسم الثوم في لاس بيدرونيراس وكنت أعرف أن موسم البصل بدأ في منطقة بألباسيتي، وكان غرضي هو أن أعمل في موسم حصاد البصل. وكذبي بأني أعرف صديق بها هو فقط لأجل تنقلي إلى هناك. لقد وعيت أن لون لباسي مثير ل"الزوامل" وهذه كانت بداية فهمي لرمزية اللون.

لقد بدأت أكتب تغريداتي في الفايسبوك متجنبا لون "الزملة" حتى أثارني أحدهم أخيرا حين اعتمدت لونا بنفسجيا، علق صديق لي بأنه لون المثلية، لكن الآن باعتبار كل ألوان قوس قزح، هؤلاء يريدون القول: بأن العالم "زامل" وهنا أنا مع بوتين الروسي: ضد "تزميل" المجتمعات الإنسانية.