Menu

سرُّ التطبيع المُدنَّس.. علانيّةُ التغيير القادم!

وليد عبد الرحيم

نشر هذا المقال في العدد 51 من مجلة الهدف الإلكترونية

أولُ ما تجدر الإشارة إليه هو أن تطبيع كيان الإرهاب الصهيوني لا يمكن مطابقته مع الواقع والتاريخ، فمصطلح التطبيع يستخدم حصرًا لإعادة العلاقات بين "دولتين- أمتين- محورين- قبيلتين..." كانتا تعيشان حالةً عاديةً ثمّ جرى بينهما خلاف أو صراع أو حرب...، وهذا لا ينطبق على واقع الحال، فالعصابات النازيّة الصهيونيّة أنشأت كيانًا مُستحدثًا على أرضٍ لم تكنها يومًا لا اسمًا ولا مضمونًا، ولا ينتمي "مواطنوه" لشعبٍ أو أمّةٍ لا من ناحية الجغرافي ولا العرقي، بل هم خليطٌ من الأمم والشعوب من خارج الجغرافيا، ثمّة قاسمٌ مشترَكٌ وحيدٌ بين المستوطنين على أرض فلسطين وهو المصلحة النفعيّة المشفوعة بالشريعة الوثنيّة التي تُشرِّع تبنى القتل والإرهاب واللصوصيّة باسم الإله الوثن وبمساندة قيم التزييف المبثوثة في كتب الشريعة التي لا تمّت للتوحيديّة بِصِلة.

يُستدلُّ على نفي الانتماء للتوحيديّة ديانةً أو عقيدةً من خلال نصوص التوراة "العهد القديم" والتلمود ذاتهما، فالإله اليهودي الموصوف فيها ليس هو ذاته الله تعالى الخالق الكوني الواحد الأحد الذي تؤمن به ديانتا التوحيد " المسيحية والإسلام"، إن "يهوه" هذا هو في أصله وتوصيفه ذاتُ الإله المتخيَّل بحسب ثقافة الخوف والتساؤل الكَونِياتي الإنسانية البَدْئية المضطربة والقلقة في ذهن الكنعانية وفكرها الموغلة في القدم، ذاك الوثن الكنعاني البائِد "يهوه" الذي ساد الاعتقادُ به كأحد الآلهة القديمة البائدة قبل وقت إنشاء اليهودية وعقب تلاشي حضوره تمامًا بزمنٍ يُقدَّر بأكثر من ألف وثماني مئة عام، حيث تمَّتْ استعادة خلقه من قبل مجموعة حاخامية تشريعية قَبليَّة الطموح والتشكُّل أسَّستْ فِقْهَ "اليهودية الأولى" ولذلك نلمس بيسر تقاليد الشريعة الوثنية ومفرداتها حتى اليوم ونلحظها في ممارساتها البدائية وحفلاتها القبلية المتخلفة التي تدلُّ على سَحاقة قِدم التقاليد الغريبة التي تمارسها حتى اليوم، وما إلصاق التوحيدية باليهودية إلا تَحديثةٌ تم إنجازها تسميةً لاحقةً مُواريةً تلعب على حَبْل السِّريَّة مُتنافيةً مع الحقيقة، تمَّ ذلك عَقِبَ سيادة المفاهيم والعقائد المسيحية ثم الإسلامية التوحيديتين في عقيدتهما وفلسفتهما ورؤيتهما الإيمانية.

ذاكَ الإله الأساطيري "يهوه" يتطابق مع رمز النجمة السداسية ذاتها، التي تعبر عن عقيدة تَفكُّرِية قديمة بِدورها للفلسطينيين القدماء تَرمُز إلى الأعلى والأسفل "الألوهية والبشرية" لتخلط بين مصلحة القبيلة التبادلية مع الآلهة المتخيَّلة.

يُعد ما سبق إلهامًا حقيقيًّا لمن أراد الاستقراءَ العلمي لتلك الشريعة التي لا تمّت للأنبياء التوحيديين بصلة، فلا هي ديانة النبي موسى ولا تمتُّ بِصلةٍ لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، فالأمر مُشابه للنزعة القبلية التي تَدَّعي أصولَها الفخمة، كأنْ يقول ويدعي رجلٌ أو عائلة ما الانتماء لقبيلة عريقة كبني تميم أو الطائي أو غسان وعدنان فقط لتحقيق أصالة النسب!

من هنا تبدو أُسس فَهْمِ "صرعة" الإبراهيمية الجديدة التي نشأت بعد فشل تطبيع الكيان الإرهابي سياسيًّا وتاريخيًّا وقانونيًّا، وجاء بعد انكشاف استحالة التطبيع الثقافي والسياسي ومحاولة تجميل القتل والاحتلال، ورسوخ الهُويّة الفلسطينيّة، فكان لا بدّ من استنباط الإبراهيميّة لِتتْويه العقيدة الإسلاميّة تمامًا كما جرى مع خلق البروتستانتيّة في أوروبا من قِبل حاخاماتٍ يهود لاختراق المسيحيّة، وتبرئة القبيلة اليهوديّة من دم السيد المسيح.

لا تعترف العقيدة - الشريعة اليهوديّة بالديانتين التوحيديتين، في الأحاديث السرية يُعدُّ المسيحُ فلسطينيًّا ثائرًا بلطجيًّا لا غير، يبحث في وسيلةٍ لتدمير العقائد القائمة حينها التي تنفع وتنسجم مع السلطة الرومانيّة التي يتحكّم بها اقتصاديًّا حاخامات المال والسلطة التشريعية المستشرية، وما النبي محمد عليهما الصلاة والسلام في فكر اليهودية سوى بدوي ذكي أراد صناعة مجد قبلي والاستيلاء على سلطة القبائل منطلقًا من جزيرة العرب، فكلاهما وديانتها تشكلان حالة عداء بل نَسْفٍ للعقيدة اليهوديّة، وبما أنّ تدمير هاتين العقيدتين وانتشارهما عالميًّا كان لا بُدَّ – بالنسبة للمُجمَّع السِّري اليهودي- من تدميرهما من الداخل، فجرى في القرون الوسطى إنشاء البروتستانتيّة في أوروبا لتهويد المسيحيّة؛ بهدف اختراق الثقافة العَدائية لليهوديّة التي تستند إلى تحميل اليهود مسؤولية تعذيب السيد المسيح وصلبه.

يجري اليوم جهد مدعوم عالميًّا لتهويد الإسلام وأتباعه عبر ما يعرف بالإبراهيميّة المُستحدثَة التي تسعى للاستيلاء على مكّة التي بناها أبو الأنبياء، ذلك بمساعدة أنظمة عبيد كيان الاحتلال وبتدبير مباشر استخباراتي يقوده جهاز الموساد للالتفاف على العداء للجرائم الصهيونيّة، الذي يكنّه العرب والمسلمون للاحتلال الصهيوني وكيان الإرهاب النازي.   

كيف تم تجنيد المطبعين لذلك؟

لدينا كل أرقام حساباتكم السرية في سويسرا وغيرها، صور وفيديوهات أثناء ممارساتكم الجنسيّة غير الشرعية، مكالمات فضائحيّة مسجلّة، قضايا إجراميّة يمكن في أية لحظة فتح ملفاتها، اعترافات تجار مخدرات وتجار أعضاء بشرية بالعلاقات التبادلية التَّشارُكيَّة معكم، هذه تُهم مُخاطبة الحكام الفاسدين كما وثَّقتْها أجهزةُ الموساد، هي تُشابه خطط تجنيد العملاء الصغار الذين يراقبون الثوار والمناضلين في فلسطين وخارجها، بل ويسهمون في مساعدة الإرهابيين الصهاينة على تنفيذ عمليات الاغتيال والاعتقال، هذا ما جري قبلَ زمن، وقبل تطبيع الكيان عربيًّا بسنوات، مع فارق أنّ الصفقة مع العملاء الصغار تتمّ بالإضافة إلى ذلك منحهم مصاريف جيب، أما الحكام العرب فالثمنُ هو أن يبقى الحكام العبيد على كرسي الذل والتبعية، وذلك مع التذكير والتلميح أو التصريح بالإزاحة عن هذا الكرسي، المُبطَّن السريِّ والعلني، وهكذا بدأت العمالة السرية التي يُطلب من عبيدها الحكام بممارسات التضييق والتنكيل ضد الفلسطينيين مع بث خطابات التضليل السياسي علنيًّا ومساعدة مخطّطات الصهيونيّة والغرب سِريًّا عبر مشاريع التسوية والمؤتمرات الشكلانيّة والوعود المساندة للقضيّة المشروعة التي تُفضي إلى مبادراتٍ وهميّةٍ ومشاريع تسوية مُخادِعة.

بعض رؤوس هذه الأنظمة سجَّلتْ محادثات مع قادة عرب شرفاء أثناء اجتماعات القمم العربية بتكليف من الموساد، لِيتخيَّل المرءُ أنَّ حكامًا مَنحوا في داخل قصورهم غرفًا للموساد للتنصّت، هذا لم يحدث في التاريخ حتى في ظلال انحطاط أمراء الأندلس، ولا خلال الصراعات كافةً على الكراسي خلال الدولة العباسيّة والمملوكية.

بدأ الأمر مع بث " ثقافة السلام" بين العرب و"إسرائيل" قبل إنشاء كيان العصابات ذاته من خلال الاحتلال البريطاني الذي رتَّب وأنشأ بتفويض ودعم دولي الكيانَ الإرهابي والنظامَ المشيخاتي العربي في آن واحد، بل في آن معًا مع التباكي على المأساة، ثم وبالتدريج لم يعد هناك ذكر لنصف شعب لاجئ طُرد قسريًّا من بيوته وأراضيه ووطنه وتقوم الأنظمة المتباكية ذاتها بالتضييق عليه وقتله وحصاره وتشريده الدائم وبث الشائعات المسيئة لأخلاقيّاته لتلميع جرائم الكيان، كما وبالمقابل المبالغة بقوة الكيان البطشية العسكرية للتخويف مع تسخيف الإمكانات الفلسطينية وأدوات وجدوى الكفاح المسلح بدل دعمه لوجستيًّا وذلك بالاستعاضة عن المساندة بالخطاب الرنان المفتَعل حتى صار منهجًا لمرضى متلازمة كرسي الحُكم الهزيل.

مع تجربة قرن خلا، تدريجيًّا انكشفت العمالة ورموزها، وكان قد تم تأسيس تيارات إسلاموية للزعم بأن الصهاينة توحيديون وأبناء عم، وأن قتالهم مُحرَّم باعتبارهم من أهل الكتاب مع تقديم كل الدعم لهذه القوى المتأسلمة، وفتح مراكز في لندن وفي أقطار أنظمة الرجعية في المنطقة للهيمنة على عقول المؤمنين البسطاء، اليوم تتم طباعة نسخ من القرآن الكريم محذوفٌ منها ما يتناول تكفير وثنية عقيدة اليهود وفضحها، الذين نقرأ إدانتهم في القرآن الكريم وقتلهم للأنبياء في مختلف السور والآيات، وسيقرأ آلاف المسلمين قريبًا نسخًا مطبوعةً برعايةٍ وتمويلٍ من حكام الإمارات المحتلة وبمباركة مشايخ التضليل والعمالة، آملين واهمين بأن الزمن سوف يمحو نُسخَ القرآن الكريم الأصل ويستشري منتشرًا بنسخته المزورة المستحدثة، وهذا برأينا لن يكون.

الهيمنة الصهيونية على مفاصل أمنية مهمة في دولة الإمارات المحتلة بلغت ذروة لم تصلها في أي بلد في العالم، فكل مواطن إماراتي صار هناك سجلٌّ لدى المخابرات الصهيونية وتم ربط أجهزة المعلومات التقنية الإلكترونية بمكاتب للموساد، حتى أن الفنادق والشقق وكما تسرب وصرح به من قبل مواطنين خليجيين نزلوا في فنادق في الإمارات - باستثناء إمارة الشارقة - فاكتشفوا بأعينهم كاميرات وأجهزة تنصّت زُرعتْ في آلاف غرف الفنادق لابتزاز المواطنين العرب وتشغيلهم عملاء، خاصةً أولئك الذين يمارسون الدعارة في تلك الفنادق والشقق التي جُهِّزتْ بنسائها وقواديها لاستجرار البسطاء، وهو ما دفع السعوديين والكويتيين للاحتجاج وبعضهم ظهرَ مبيّنًا ذلك في فيديوهات موثّقة صوتًا وصورةً على وسائل التواصل، حيث أغضب هذا الأمر السعودية، وكان هذا أحد أسرار تراجع علاقة السعودية مع الإمارات، إضافةً إلى دور حكام الإمارات في اليمن والسودان، وما تبين من أطماعٍ صهيونيّةٍ في نجد والحجاز والادعاء بأنهما مُلك لليهود كفلسطين تمهيدًا للهيمنة على الثروات والأرض والمكانة الدينية، حيث تُروج الدوائر الصهيونيّة الإبراهيميّة لمُلكيّتها للكعبة الشريفة ذاتها – كما القدس .

الحاضر يشي بفهمٍ عربيٍّ ثقافيٍّ وسياسيٍّ أكثر وضوحًا بالنسبة للشعوب، وما فشل مسلسل "أم هارون" الذريع، وما قيام الجندي المصري الشهيد محمد صلاح، بعمليته إلا تعبير عما يجول في نفس الشارع المصري والعربي، وهو بدوره ما صعق حكام الكراسي والصهاينة الذين أدركوا فشل تطبيع الشعوب كافة، لذلك ظهرت منذ سنواتٍ قليلةٍ مقولات وقحة وعلى فضائيات التطبيع العربي وعلى لسان شخصيّات صهيونيّة من نوع "لا نريد علاقة مع الشعوب"!

الإرهابي "إيدي كوهين" قال بوضوح على إحدى الفضائيات حرفيًا أثناء حوار مباشر "طز بالشعوب، يكفينا الحكام" وهذا تعبير عن واقع مهزوم يعيشه الكيان الذي أدرك بوضوح بأنه لا مكان له ولا مستقبل في كل أرض فلسطين ولا فضاء عربيًّا لتشريع وجود مستوطنيه، باتَ يُدرك بأن تطبيعه مع الحكام ممكن لكن مع الشعوب لا، بخاصة أن ما خاضته بعض البلدان من علاقات واتفاقات سياسية ك مصر والأردن وقطر والآن الإمارات والمغرب لم يقنع الشعوب التي بثت أنظمتها إشاعات الحلول الاقتصادية والأمن والسلام، لقد نَتجَ عن ذلك زيادةٌ في الأزمات والفقر والجهل ونقصًا حادًّا في الكرامة، وما طلب رئيس الموساد من حكام الإمارات جَلْبَ المثقفين والفنانين عبر وهم "الإقامة الذهبية" والإغراء المالي المباشر والمبطن إلا لإسكات صوت الفن والثقافة الرافض للكيان، وقد سقط في هذا الشَّرك عديدٌ لا بأس به من الكتاب والمثقفين والفنانين الذين فرحوا بدايةً بالإغراءات والإقامة الذهبية التي ثبت لهم بالتجربة بأنها من معدن صدئ لا من ذهب وها هم هائمون في دبي إلا من ارتضى العمالة للصهيونية وعضاريطها.

تبدو هجمة التطبيع والإبراهيمية في نهايات مراحل فشلها، إنها الطلقة الأخيرة في جعبة الكيان الإرهابي النازي لتحقيق معجزة البقاء، فالمدُّ الثقافي والعروبي وثباتُ الشعب الفلسطيني يوضّح للعالم هذه الحقيقة، بما فيها الدول الغربيّة التي أُزيلت الكثير من الغشاوة عن أعين شعوبها بفعل النضال الواعي السلمي من قبل المغتربين الفلسطينيين، فأدركت ماهية التاريخ والهُويّة الحقيقيّة والجرائم، أوروبا وأميركا بدورهما ستكونان قريبًا شعوبًا مناصرة للحق والتاريخ والقانون وحكامًا مرتبطين بالقتلة، نعم فالعالم يتغيّر الآن وعلى الفلسطينيين المُتابعة...