قد يعتبر الحديث عن وحدة المصير بين شعوب المنطقة في المعركة المصيرية ضد الغزو والهيمنة الاستعمارية، وكذلك أن بناء تحليلات عن ترابط الأحداث والتطورات واعتبارها نتيجة لسياسات وخطط واستراتيجيات، قد يكون منفرًا وتعبيرًا عن غرق في نظريات المؤامرة، ولكن ما تاريخ الهيمنة الاستعمارية في هذا العالم إلا تعبير عن توحش يصيغ سياسات لإخضاع الشعوب وتحطيم قدرتها على المقاومة وتفكيك البنى التي تحمل هذه المقاومة وتنهي بها؟!
يدرك العدو الصهيوني أنه يقاتل محورًا متصلًا ويصارع اليوم ضد رؤية هذا المحور بإشعال كل الجبهات ضده، المنطقة وشعوبها ضد المستوطنة والقاعدة العسكرية للغزاة بمخافرها المتقدمة وشبكات إمدادها؛ معركة يدرك العدو استحالة ربحها إذا ما اكتملت أركانها واتصلت خيوط منظومة فعل شعوب المنطقة، بما يحيل المقاومة إلى حرب تحرير شاملة.
وبالنظر إلى تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني، وخصوصًا في مراحل تراجعه؛ ففي كل مرة عجز العدو عن حسم إحدى المعارك بالقتال المباشر والمواجهة الميدانية؛ لجأت المنظومة الصهيونية لمعالجات استراتيجية تتكفل بتفكيك قدرتنا على المقاومة: مجازر أيلول وإخراج المقاومة من الأردن، ولاحقًا تشكيل التحالف الانعزالي المعادي للمقاومة والعروبة في لبنان، أو الحشد الطائفي ضد حزب الله و إيران الذي تصاعد بعد هزيمة عدوان تموز ٢٠٠٦.
اليوم، وإذ تتطور منظومة المقاومة بالمعنى العملي وتخلق سياقًا استراتيجيًا مختلفًا، وتوصل نيرانها لقلب الكيان، ويعيد محور المقاومة تسليح فلسطين وشعبها بالمعنى الحقيقي للجملة، بل ويوفر غطاءً؛ سياسيًا وعسكريًا ولوجستيًا شاملًا، لكل من يشتبك مع المنظومة الاستعمارية في المنطقة، فإن جواب الكيان الصهيوني واضح، وإن تعددت أدواته، وهو نقل الاشتباك والنار لحدود إيران، واِشعال النار في لبنان، بما يخلق بيئة عملياتية مناسبة؛ لاستهداف حزب الله، وأكثر من ذلك؛ اِشعال ما يمكن أن يُطلق عليه الحرب السورية الثانية.
ليست أذربيجان هي العدو للمقاومة، أو الخصم المباشر لمشروع هزيمة الاستعمار، ولكن حُكامها هم من قرر أن يربطوا مصالحهم ووجودهم، بخدمة أهداف وسياسات القوى الاستعمارية، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني، والوظيفة والدور والمهمة واضحة؛ نقل التهديد والاشتباك لحدود إيران، بدلًا من حدود وقلب الكيان الصهيوني، وكذلك اختارت؛ نظم التطبيع العربي أن تصطف في ذات المنظومة المعادية للشعوب وأصرت على التحالف مع الكيان الصهيوني، رغم كل التطمينات التي قدمت لها، والتي إن التزمنا الدقة، لا يمكن وصفها، إلا لأنها تنازلات كبيرة قدمتها إيران وأطراف عدة في المقاومة لهذه النظم، التي لم ولن تنفك عن اختيار الرهان على كل حملة مسعورة يشنها العدو.
إن الحقيقة، أن المقاومة منذ أيار ٢٠٢١، قد عاشت مرحلة مريحة نسبيًا، على مستوى المواجهة الاستراتيجية مع العدوان الاستعماري، رغم الحصار والضغوط الاقتصادية والمالية ومحاولة إثارة الاشتباك الداخلي، وأن الفترة بين انكفاء الحملة الاستعمارية الأخيرة والشروع في الجديدة، لا يمكن مقارنتها بما هو مُقبل؛ فنحن اليوم أمام حملة كبرى تشمل الإقليم بأكمله، تبدو مؤشراتها واضحة.
ما هو على المحك اليوم، ليس قدرة المقاومة على البقاء والصمود، ولكن أمرين أساسيين: الأول، هو اختبار لقدرة قوى المقاومة، في الحفاظ على السياق الحالي، في ضرب العدو الصهيوني وبناء شبكات الفعل وتنشيط ووصل الجبهات. والثاني، اختبار لجدية مكوناتها، حيث تَنصَبُ النار والضغوط على الرؤوس؛ فالمُنّتَظر احتدام للمواجهة وتعقيد لأسئلتها، مع اتساع رقعتها واتصال خطوط الاشتباك وتعارضها مع شبكات المصالح والعلاقات.
ما علاقة الأسرى الفلسطينيين بهذا كله؟
في فلسطين اكتسبت الحركة الوطنية الأسيرة مكانتها ورمزيتها العالية، من إرث نضالي، عماده خوض معارك كبرى في زمن التراجع، والتمسك بجمر الصمود في مراحل كان فيها الاستسلام خيارًا شائعًا، وإذ تنطلق الحركة الوطنية الأسيرة اليوم، في معركة جديدة ضد محاولة سحقها من قبل العدو، والتي وصلت لحد التصفية الجسدية المباشرة للأسرى، فإنها تعيد السؤال الأول للواجهة؛ سؤال الإرادة ووضوح الخيار، مهما تكالبت الظروف، أو اِشتد القمع والعدوان، وحين يحقق أسرى المقاومة نصرهم المقبل، فإن رفاقهم في كل ساحات المواجهة مع العدو؛ سيكونون أمام إجابة خالدة: "إن النصر مع الصبر... وأن المقاومة جدوى مستمرة".