تلقت الولايات المتحدة ضربة قاسية في ١١ سبتمبر ٢٠٠١، بدت كارتداد مباشر للسياسات الأمريكية العدوانية في العالم، فالجهة التي نفذت هذه الهجمات هي تنظيم القاعدة الذي تشكل ممن جندتهم الولايات المتحدة وحلفائها لمحاربة المد الشيوعي والسوفياتي، وهم أبناء مخلصين لمنظومة التحريض الطائفي وقيمها التي عملت على تقسيم المنطقة العربية وتأمين الحضور الأمريكي فيها ومهاجمة وتجريم وتكفير من يرفض هذا الوجود الاستعماري المهيمن.
ورغم ما شكلته هذه الهجمة من ضربة للمناعة الأمنية التي تمتعت بها الولايات المتحدة طويلًا، وما أثارته من توقعات ببداية اهتزاز قبضة منظومة الهيمنة الأمريكية، فإن المنظومة الاستعمارية الأمريكية اتخذت من هذا الحدث منطلقًا، لإعادة صياغة ذاتها وأدواتها وتعميق هيمنتها وتوسيع حيزها.
يمكن القول: أن هذا الهجوم أطلق حقبة جديدة من العدوان الاستعماري كان نصيب الأسد فيه لعالمنا العربي، الذي اُستهل بالغزو الوحشي للعراق، والذي شكل واحدة من اعتى جرائم العدوان في التاريخ البشري، سواء في مرحلة الهجوم لاحتلال العراق أو ما تبعه من حكم دمر هذه البلاد وقوض أركانها ومزق مجتمعها وقتل رجالها ونسائها وأطفالها ونهب ثرواتها.
وإذا نظرنا اليوم لمن هم الضحايا في معادلات العلاقة مع إمبراطورية القمع الأمريكي، فهم الأفغان، والعراقيين، والسوريين، والفلسطينيين، وأبناء البحرين، واليمن، و السودان ، وليبيا، ولبنان، وما هذه ادإلا لائحة قصيرة بمن طالهم القتل الأمريكي بشكل مباشر وواضح، وإن كان مدى هذا العدوان لم يقتصر عليهم وطال المنطقة بأكملها، بل وامتد ليتحول لطوفان من الطغيان والعربدة الأمريكية التي باتت ترفض حتى بقاء أي نوع من الاستقلالية ولو كان ذلك لقوى عظمى وأمم كبرى مثل روسيا والصين وغيرها.
ما زالت الهجمة الأمريكية مستمرة، فلم يتوقف الرصاص والغارات والقذائف، وباتت تطال موسكو، بل وتلوح تجاه بكين، وما حدث من تصدي لهذه الهجمة خلال العقدين الماضيين لم يكن مرتبطًا إطلاقًا بمن هاجمها في ١١ سبتمبر ٢٠٠١، فلقد نهضت قوى المقاومة بالمنطقة العربية وجوارها بالدور الأهم وحملت الثقل الأعظم في هذه المواجهة، وهو ما نقلها اليوم لتكون جزءًا أساسيًا من محاولة لكسر التفرد الادأمريكي عالميًا واشتقاق طريق لتشكيل نظام عالمي مختلف أو على الأقل وقف محاولة امريكا والمنظومة الإمبريالية لبناء نظام عالمي أكثر تفرد ووحشية.
اليوم وفي ظل حرب الناتو على روسيا، ومحاولة حصار وترهيب الصين ووقف مسيرة نموها، يتخذ هذا الصراع منحىً جديدًا، إذ يبدو أن مصير العالم لعقود قادمة سيتحدد في ساحات الاشتباك، أكثر مما هو في غرف السياسة، وهو ما يضع على عاتق قوى التحرر والمقاومة تحقيق أكبر حشد وتوظيف لطاقات كل من يصطف ضد الهيمنة الإمبريالية الأمريكية ويناضل لأجل حرية الشعوب، بما يتجاوز أي حواجز مصطنعة، أو مخاوف خلقتها سنوات الدعاية الطائفية والتآمر.
على أرض فلسطين. إن ما يجري في هذه المرحلة أيضًا حاسمًا بكل المقاييس، فمن جانب زجت قوى المقاومة بطاقاتها في المعركة مع العدو على أرض الضفة المحتلة، وبات الاشتباك يتخذ معاني مختلفة، فيما يسعى العدو لضم الضفة وتحطيم أي معنى سياسي لوجود الفلسطينيين واخضاعهم تمامًا لمنظومة قمعه الممتد على كامل فلسطين التاريخية.
لحظة مصيرية تستحق مقاربات أوسع تنظر لمصير فلسطين ومصير المنطقة والعالم كمعادلة متكاملة، وتنهض فيها كل القوى بواجباتها، وتعزز ترابطها وتنسيقها وتطور شبكات فعلها المشترك.