٩٥ يوماً من تصعيد حرب الإبادة تفضح الكثير، فلسطينياً وعربياً، فهذه السعة التي يتصرف بها العدو في جرائمه ومذابحه بحق شعبنا، لم تكن محصلة الدعم الأميركي وحده، بل نتاج واضح لكوارث الموقف والأداء العربي الرسمي بما فيه الفلسطيني.
ربما نادرة تلك السوابق التاريخية التي واجه فيها شعب تحديات جسيمة وتاريخية تعصف بوجوده، دون أن يستدعي ذلك كل أشكال الوحدة والتضافر والتكاتف لحماية هذا الوجود، والتعبئة والتجنيد العام لكل الموارد وأدوات العمل في هذا السبيل، أما في حالنا فإننا نتعرض لحرب إبادة معلنة ولم نعلن بعد ولو شكلياً عن قيادة موحدة لمواجهة هذا القتل الوحشي المسلط على شعبنا، بل إن قطاع واحد من مؤسساتنا الرسمية لم يقم بالحد الأدنى من واجباته.
يدرك الكل الفلسطيني حدود وسقف الموقف التقليدي للسلطة الوطنية الفلسطينية منذ تأسيسها، ولكن الأداء الذي قدمته في زمن الحرب كان دون هذا السقف بكثير، بل وتعبير عن عجز وشلل وإفلاس، وهذا هو المهيمن في المشهد الرسمي الفلسطيني، في ظل تغييب منظمة التحرير الفلسطينية، وتعطيل أي محاولة لتشكيل قيادة وطنية موحدة، أو حتى تفعيل الإطار القيادي المتفق عليه فلسطينياً.
هل يعقل مثلاً أن السلطة والمنظمة لم تقم بشيء يذكر لدعم الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد العدو الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية؟ وهل يعقل أن جهازها الدبلوماسي عجز عن تقديم المزيد من مشاريع قرارات وقف الإبادة وإدانة الاحتلال للجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن أم أن الأمر تعهدات والتزامات بعدم إحراج الإدارة الأميركية أو وضع ضغط حقيقي عليها؟
ربما المشكلة في غزة؟ ماذا عن جنين وطولكرم ونابلس، وكل شبر من فلسطين يذبح فيه الفلسطيني يومياً، بل عن وجود السلطة نفسه الذي يتحدث نتنياهو عن شطبه يومياً وفرض هيئات دولية بوصاية احتلالية على الفلسطينيين وإنهاء كل معنى لتمثيلهم السياسي والإجهاز على ما تبقى من وجودهم، هل يواجه كل هذا بالانكفاء ودون موقف و قيادة فلسطينية موحدة؟
"لا نؤيد وقف إطلاق النار حالياً" هذا جواب الإدارة الأميركية في كل يوم من حرب الإبادة، فيما لا زال الزعماء العرب يستقبلون رسل الإدارة الأميركية بل ويناقشون معهم تدابير ما يسمى باليوم التالي، اليوم التالي لماذا؟ لإبادة الفلسطينيين؟ لإحراق من تبقى في غزة؟ لإسقاط المقاومة وفرض الاستسلام والإبادة الصامتة على شعبنا؟
إذا كان موقف المستوى الرسمي الفلسطيني يستحق النقد والإدانة، فإن موقف المستوى الرسمي العربي يستحق اللعنات والغضب والاحتجاج، التطبيع المستمر وسفارات العدو المفتوحة وقمع الاحتجاج الشعبي، حصار غزة وتجويع أهلها حتى الموت، كل هذا مستمر دون تعطيل، وما على حكام العرب إلا مناقشة "اليوم التالي" ومواصلة الإذعان لخطط نتنياهو وما يلقي به من رؤى ومصطلحات لحرب الإبادة ضد شعبنا.
قد يكون من نافلة القول أن نذكر بأن هذه الحرب لن تنتهي عند حدود غزة، وأن ما وجده العدو من إذعان وعجز وارتهان عربي سيستثمره باتجاهات عدة، وأن الوجود الفلسطيني ليس وحده المهدد، بل معه كل معنى لوجود الأمة العربية وأمنها
الجبهة السياسية الفلسطينية والعربية في هذه المعركة هي الأسوء والأضعف، بل إنها الثغرة الرئيسية التي تتسلل منها الطعنات للصمود الفلسطيني، وما تعطيه هو إنطباع أنها سلمت بالإبادة، وبدأت في نسج رهاناتها على هزيمة شعبنا، وربما على موضع في خريطة يرسم العدو خطوطها وسقف وجودها ضمنها، لكن هيهات فشعبنا لن يهزم، ولكل أجل نهاية وحساب.