"لا يمكن تحقيق نصر على شعب قرر ألا يُهزم" عندما قال هنري كيسنجر هذه العبارة، لم يكن يقصد فقط دروس فيتنام، بل كان يتحدث عن جميع الشعوب التي تقاوم الاحتلال والإذلال. واليوم، نجد أن اجتماع روما، الذي ضم القوى الغربية وأمريكا وإسرائيل، يتجاهل هذه الحقيقة الواضحة بينما يخطط لمستقبل غزة بعد الحرب. يلتقي الأطراف خلف الأبواب المغلقة، يناقشون ترتيبات اليوم التالي للحرب، لكنهم يتناسون أن غزة ليست مجرد قطعة أرض، بل هي رمز للصمود والمقاومة.
سيناريوهات روما: خطة دحلان والحلول الدولية
في روما، تتمحور هذه الاجتماعات حول مستقبل القطاع وكيفية إدارته بعيداً عن نفوذ حماس وقوى المقاومة، مع اقتراح تشكيل قوات عربية مشتركة وشركات أمنية فلسطينية لإعادة الإعمار وتقديم الخدمات.
إحدى السيناريوهات المطروحة لمستقبل غزة دور محمد دحلان المحتمل فيها، رغم نفييه عبر صفحته الرسمية علي منصة إكس، لكن الوقائع تشير إلي دوره الفاعل في الفترة المقبلة كما يتصورنه، فهو القادر على قيادة غزة بعد انتهاء الحرب، بدعم دولي وإقليمي.
تُعتبر خطة دحلان جزءًا من محاولة لتغيير المشهد السياسي في غزة، بإبعاد حماس والجهاد الإسلامي وقوى المقاومة الأخرى عن السلطة، واستبدالها بسلطة مدعومة من الخارج، تُنفذ أجندات محددة.
الطرح يشمل إعادة إعمار غزة تحت إشراف دولي وعربي، بمشاركة شركات أمنية وإدارية فلسطينية، تعمل كأدوات للسلطة الجديدة. يتم التعاقد مع هذه الشركات لتقديم الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، في محاولة لإنشاء كيان فلسطيني منزوع السلاح وخاضع لسيطرة صارمة.
كما تمت مناقشة تشكيل قوات عربية مشتركة لتولي الأمن والإدارة في غزة، تحت غطاء دولي وبتمويل أمريكي، لضمان عدم عودة الفصائل المسلحة إلى السلطة. وتتضمن هذه الخطة إنشاء هيئة دولية تشرف على إعادة الإعمار وتوزيع المساعدات، لضمان أن هذه الأموال لا تصل إلى حماس أو أي من الفصائل المقاومة.
في روما الأمن هو الذي يقود تلك الاجتماعات وليس السياسيين، فأجهزة الأمن القوى الغربية وأمريكا وإسرائيل، بمشاركة ممثلين عن الأجهزة الأمنية للدول العربية مصر والمغرب والأردن والسعودية وقطر والإمارات، يجتمعون في روما بهدف مناقشة الترتيبات الأمنية لضمان استقرار غزة بعد الحرب.
الجميع يشارك في روما ماعادا الفلسطينيين الطرف الرئيس في أي تفاهمات أو ترتيبات، فتم استبعادهم هن المشهد، وعدم إشراكهم في الحوارات، وتجاهل المقاومة الفلسطينية رغم نشاطها وقوتها. كما تم تهميش السلطة الفلسطينية وتقزيم دورها في إدارة القطاع.
تجري هذه اللقاءات والمشاورات الإقليمية مع الإدارة الأمريكية، علماً أن الحرب لم تنته، والعدوان لم يتوقف، والعدو لم ينتصر، والمقاومة لم تستسلم، بل يصر على أن يكون يومه التالي يوماً فلسطينياً خالصاً، يقرر مصيره بنفسه.
المقاومة الفلسطينية: إرادة لا تُكسر
رغم كل هذه السيناريوهات والتخطيطات، تظل المقاومة الفلسطينية العامل الحاسم في المعادلة. الشعب الفلسطيني في غزة، المعروف بصموده وقوته، يرفض هذه الحلول المفروضة عليه من الخارج. المقاومة الفلسطينية ليست مجرد تنظيمات عسكرية، بل هي إرادة شعب قرر ألا يُهزم، تمامًا كما قال كيسنجر.
إن المقاومة الفلسطينية تدرك تمامًا أن أي ترتيبات لا تأخذ بعين الاعتبار حقوقها وتطلعاتها ستكون مصيرها الفشل. لقد أثبتت الأحداث الماضية أن الشعب الفلسطيني قادر على إفشال المخططات الأكبر والأعقد، وسيظل يرفض أي حل يُفرض عليه دون مشاركته الفعلية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الفشل في إشراك الفلسطينيين في هذه النقاشات يؤكد على تجاهل الأطراف الدولية والإقليمية لحقهم في تقرير مصيرهم. إن استبعاد الفلسطينيين من حوارات تخص مستقبلهم يزيد من تصميمهم على المقاومة والرفض لأي حلول مفروضة.
الفشل المتكرر والحتمية التاريخية
إنهم يخططون لإنتاج سلطةٍ فلسطينيةٍ جديدةٍ، يسعون من خلالها تحويل القطاع إلى كيان هش معزول يعتمد بالكامل على المعونات الخارجية والمساعدات، ويظل تحت سيطرة ووصاية دولية وعربية، تسهر على مصالح الكيان الصهيوني وتضمن له الأمن والاستقرار.
في نهاية المطاف، فإن اجتماع روما ومحاولات فرض حلول خارجية على الفلسطينيين في غزة تعيدنا إلى دروس التاريخ. محاولات مماثلة في فيتنام وغيرها من المناطق المقاومة أثبتت أن إرادة الشعوب لا تُكسر بالقرارات السياسية أو بالقوة العسكرية.
إن قول كيسنجر يتجسد اليوم في غزة، حيث الشعب الفلسطيني قرر ألا يُهزم. سيناريوهات الفرض والتخطيطات الخارجية مصيرها الفشل إذا لم تأخذ بعين الاعتبار الإرادة الصلبة للشعب الفلسطيني. وبالتالي، فإن الحل الوحيد المستدام هو الذي يشارك فيه الفلسطينيون فعليًا ويعترف بحقوقهم وتطلعاتهم.
بهذا، يمكننا القول أن غزة، برغم كل التحديات والمؤامرات، ستظل رمزًا للمقاومة والصمود، وستبقى شوكة في حلق كل من يحاول فرض إرادته عليها. تاريخ الشعوب المقاومة يشهد أن النصر الحقيقي لا يُحقق إلا بإرادة لا تُقهر.