Menu

الهدف تفتح ملف ذكرى استشهاد أبو على مصطفى

تقرير"أبو علي مصطفى: رمز النضال الفلسطيني الذي قاوم حتى الرمق الأخير"

"أبو علي مصطفى: مقاومة لا مساومة"

خاص: بوابة الهدف الإخبارية

" أبو علي مصطفى : مقاومة لا مساومة"

في فجر يوم من أيام أغسطس/آب 2001، حلّقت طائرات إسرائيلية محمّلة بالصواريخ نحو مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في رام الله، حيث كان يجلس القائد أبو علي مصطفى، الذي عاد إلى وطنه ليقاوم لا ليساوم، مرددًا عباراته التي تفيض عنفوانًا وتحديًا للاحتلال. وكأن هذا الوطن لم يكن كافيًا لاحتضان أمين عام الجبهة، الذي صرّ على العودة من المنفى ليواجه المحتل في عقر داره.

حياته كانت مشتعلة بنضال لا يهدأ، وسط ليالٍ فلسطينية تتهاوى فيها الوحدة الوطنية كأوراق الخريف، ويغرق الوضع الفلسطيني في متاهة لا نهاية لها. كان أبو علي مصطفى من القلة التي رأت في الوحدة الوطنية ليس مجرد شعار، بل شرطًا لا بديل له للانتصار على العدو. هذا الرجل الذي واجه محاولات اغتيال عديدة من منفى إلى منفى، دفع حياته ثمنًا لقناعاته الراسخة.

انطلق أبو علي في نضاله من فهم عميق للصراع؛ بأنه صراع تاريخي لا يقتصر على الأرض فقط، بل يمتد إلى وجود الشعب الفلسطيني ذاته؛ المادي والمعنوي. كان يدرك أن إقامة الدولة اليهودية على أنقاض وجود الفلسطينيين هو جوهر المشروع الصهيوني. لذلك، آمن بأن النضال الشامل والمستمر، بأشكاله المختلفة، هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين. كانت رؤيته واضحة: لا سلام ولا تسويات عبثية، بل مقاومة مستمرة، وبكافة الوسائل الممكنة.

على مدار مسيرته، امتاز أبو علي مصطفى بالصدق والشفافية مع شعبه، سواء داخل أطر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو خارجها. كان يرى أن تقديم الحقيقة للجماهير هو ضرورة لا يمكن التنازل عنها، وأن بناء المجتمع الفلسطيني على أسس المقاومة والإصرار هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات. لطالما شدد على ضرورة إعادة إحياء المنظمات الشعبية والنقابية لتكون العمود الفقري لتنظيم طاقات الشعب الفلسطيني، بعيدًا عن الفصائلية الضيقة والانتهازية التي أصبحت سمة لبعض القيادات.

كان أبو علي يدرك أن التحرر الوطني لا ينفصل عن التحرر الاجتماعي. كان يرى أن قضايا الشعب الفلسطيني، سواء في الداخل أو في الشتات، لا يمكن أن تُهمل. الحريات العامة، حقوق الشعب الاجتماعية، العدالة والمساواة، بناء المؤسسات على أسس النزاهة والشفافية؛ كلها كانت بالنسبة له جزءًا لا يتجزأ من المشروع التحرري الوطني. كان يرى في إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس استراتيجية وطنية موحدة، تشمل جميع فصائل وقوى الشعب الفلسطيني، ضرورة ملحة لاستعادة الحقوق الوطنية وحماية القضية.

كان أبو علي مصطفى يعتقد، مثل الناشط الأمريكي بوبي سيل، أن الحرية تُنجز "بأي وسيلة ضرورية". كان يرى أن الثورة ليست مجرد نضال مسلح، بل هي عملية شاملة لإعادة بناء العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإعادة السلطة إلى الشعب. 

في هذه الليالي الحالكة، يفتقد الفلسطينيون قيادات بقامة أبو علي مصطفى، الذي تركنا في لحظة حاسمة، حيث تتسارع المؤامرات ضد القضية الفلسطينية، ويزداد الانقسام الداخلي، ويشهد المشروع الوطني تراجعًا خطيرًا في مقابل تسارع التطبيع العربي الرسمي مع الاحتلال. كان غيابه بمثابة خسارة لا تُعوّض، لكنه ترك إرثًا نضاليًا يستمر في إلهام الأجيال القادمة.