Menu

عندما نُحيًر التاريخ..

د. وسام الفقعاوي

وسام الفقعاوي.jpg

غزة

النقطة التي لا بد وأن نبدأ منها النقاش، كثيرًا ما يلوح أنها مُحيّرة فعلًا في ضوء اختلاط وتداخل الرؤى والمواقف والممارسات السياسية التي تأسست على نهج التسوية في المنطقة، والافتراق نحو فريقين، ترسخا فعليًا في الحالة الفلسطينية، منذ الولوج في مؤتمر مدريد وصولًا لاتفاقية أوسلو وما ترتب عليها، حيث يبدو وأن كل الدروب تؤدي إلى الطاحون. لو اختار المرء نقطة بدء، فهي أن ما حدث منذ 7 أكتوبر وما تبعه، كان جديًا وتاريخيًا في جانبه الأهم، ولغو في جانب آخر. أوضح 7 أكتوبر بعد 76 سنة من الهزيمة/النكبة، أن التاريخ كان صبورًا، ولكن لم يتمهل البعض؛ فتطاول على التاريخ بجهله، وهناك من خونه، ففي الوقت الذي فتح لنا التاريخ سِفره واسعًا وبأحرف ضخمة، لم يقرأ هؤلاء شيئًا، لأن بعضهم منقسمين ومدفوعين وآخرين أميين وعجولين؛ فلا وقت لديهم، حتى للتاريخ/الواقع ونصيحته.

نقطة البداية: لا مجال للغو أو هذر مع التاريخ. لا مجال لنجاح إلا إذا قُرأ الدرس وحُفظ جيدًا، أما أن يذهب التلميذ البليد أو المدفوع لمدرسة؛ فيُفرض عليه نوع الأسئلة التي يعرف الإجابة عليها فقط، فتلك بذاءة/إساءة لا يقبلها أستاذ بحجم التاريخ وقسوته، والتاريخ معذور في ذلك؛ ففي امتحان الصراع لا وجود إلا لتلميذين وكافة أنواع الأسئلة ولناجح واحد فقط.

نقطة البداية: أن لا مجال للغو أو هذر مع التاريخ أو تجاهل الأسئلة التي هو حر في طرحها، كيفما يشاء وحين يشاء وعلى من يشاء، ولا أحد يمنعه من طرح نفس الأسئلة؛ مثنىً وثلاثًا ورباعًا على التلاميذ الأغبياء أو المدفوعين لا فرق؛ فكلاهما يسقط في الامتحان، لأنهما لم يتعلما/يحفظا الدرس جيدًا.

يحتفظ التاريخ بمكافأة عالية جدًا حتى للفاشل الذي يقرأ الدرس ويستوعبه بعد الهزيمة أو معرفة الحقيقة، ولكن ما الذي يفعله التاريخ مع وبمن لا يقرأ الدرس، سواء قبل الهزيمة/الحقيقة أو بعدها، والمقصود هنا الهزيمة الفعلية والهزيمة الفكرية والسياسية والمعنوية... أو بعدها؟

هؤلاء فعلوا شيئًا واحدًا، يُسجل لهم وهو أنهم أوقعوا التاريخ في حِيرة، وحين يحتَار التاريخ، لا يفعل إلا شيئًا واحدًا، هو أنه يشطب من سجلاته كل من يُحيّره بغبائه واندفاعه وتعجله. إن التاريخ لا يفتح إلى ما لا نهاية؛ رصيدًا مدينًا لأحد.