Menu

غزة تحت إشراف عسكري

تحليلتغيير قواعد اللعبة: تعيين مسؤول عسكري لإدارة الأوضاع الإنسانية في غزة

بيسان عدوان

العميد العاد غورين: الحاكم المدني لقطاع غزة، وكالات

عبر داغيد بن غوريون حول تحديات إدارة المناطق المحتلة بالقول إن "الاحتلال لا يستطيع تقديم حلول دائمة لمشاكل الشعوب تحت سيطرته، حيث يظل الصراع والتوتر سائدين رغم الجهود الإدارية."

لكن لا أحد يتعلم من التاريخ، فدولة الاحتلال الإسرائيلي في حربها علي قطاع عزة منذ شهور استنسخت كل المشاريع والأفكار التي فشلت في السابق مع المقاومة الفلسطينية ومع الفلسطينيين في السيطرة عليهم، والقضاء على مقاومتهم وصمودهم، ولا تزال تستحضر تاريخها الاستعماري في هزيمة الشعب الفلسطيني. 

ففي خطوة تهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة، أعلن الجيش الإسرائيلي عن استحداث منصب جديد تحت اسم "رئيس الجهود الإنسانية-المدنية في قطاع غزة"، والذي سيتولى العميد إلعاد غورين مسؤوليته. وفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت، يعادل هذا المنصب منصب رئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية، وسيشمل صلاحيات غورين إدارة قضايا الجوانب الإنسانية، تنسيق المشاريع المدنية، والإشراف على إعادة بناء القطاع. كما سيشرف على عودة مليون نازح فلسطيني إلى شمال غزة، ويتابع مشاريع إعادة الإعمار، ويعمل مع مؤسسات المساعدات الإنسانية لضمان وصول المساعدات للسكان والاستعداد لمواجهة فصل الشتاء.

تداعيات تعيين ظابط عسكري الإدارة المدنية لقطاع غزة

هذه الخطوة  تعكس عمق التحول في السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، قام الاحتلال بتعيين ضابط عسكري مسؤولاً عن الإدارة المدنية للقطاع. هذا التعيين ليس مجرد تغيير إداري؛ بل هو تحول استراتيجي له تداعيات كبيرة على الصعيدين المحلي والإقليمي. إن تعيين ضابط عسكري للإشراف على الإدارة المدنية لقطاع غزة يعكس إرادة إسرائيلية لتكثيف السيطرة العسكرية المباشرة على القطاع، وهو ما يعكس تحولاً استراتيجياً من السيطرة غير المباشرة عبر الهيئات المدنية إلى السيطرة المباشرة عبر القيادات العسكرية، وهو تحول يحد من أي مساحة للحكم الذاتي الفلسطيني ويعزز من هيمنة الاحتلال.

حكم عسكري بلباس مدني: اليوم التالي للحرب على غزة

في مرحلة ما بعد اليوم التالي للحرب على غزة، سيكون لتعيين ضابط عسكري في الإدارة المدنية تداعيات عميقة. استمرار سياسات الاحتلال في التصعيد وفرض المزيد من القيود قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني، وتعزيز مشاعر الغضب لدى السكان، وزيادة الضغوط الدولية على الاحتلال للامتثال للمعايير الإنسانية وحقوق الإنسان.

تأثير هذا التعيين يمتد إلى تعقيد جهود إعادة الإعمار في غزة. مع تعيين ضابط عسكري، من المرجح أن تتعرض مشاريع الإعمار لمزيد من العراقيل. القيود الصارمة على دخول مواد البناء والتدقيق الأمني المكثف قد يعيقان تحسين الوضع الإنساني في القطاع، مما يعكس رغبة الاحتلال في تقويض أي محاولات لتحسين الظروف المعيشية. 

تعيين الضابط العسكري يشير أيضًا إلى احتمالية تصعيد الإجراءات العقابية ضد سكان غزة. الضابط العسكري قد يمتلك الصلاحيات لتشديد الحصار المفروض، مما سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وزيادة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على السكان. هذا التصعيد يعكس سياسات الاحتلال الرامية إلى تعزيز السيطرة بدلاً من البحث عن تسويات سلمية.

وجود شخصية عسكرية على رأس الإدارة المدنية يتناقض مع أي جهود سياسية لحل النزاع. هذه الخطوة قد تعكس نية الاحتلال لتقويض المبادرات الدبلوماسية وتعزيز نهج الصراع، مما يبرز تفضيل الاحتلال لإدارة النزاع عبر القوة والاحتلال العسكري.

من المحتمل أن يؤدي هذا التعيين إلى تعزيز الانقسام الداخلي الفلسطيني. التحديات التي ستواجهها حكومة غزة في ظل هذه الظروف قد تعزز من تباين المواقف بين الفصائل الفلسطينية، مما يعقد جهود الوحدة ويزيد من تعقيد المشهد السياسي.

على المستوى الإقليمي، قد يسهم التعيين في زيادة التوترات في المنطقة. تصعيد السيطرة العسكرية قد يدفع الفصائل الفلسطينية إلى الرد، مما يفتح المجال لموجات جديدة من العنف، ويزيد من التوترات مع الدول المجاورة والمنظمات الدولية التي تدعو إلى إنهاء الحصار وإيجاد حلول سلمية.

غزة على غرار الضفة: الإدارة المدنية للاحتلال 

منذ احتلال قطاع غزة عام 1967، بدأت إسرائيل في تطبيق نظام الإدارة المدنية لإدارة شؤون القطاع عبر هيئات مدنية تابعة للجيش، وكان الهدف من هذا النظام هو فرض السيطرة وتنظيم الخدمات الأساسية. رغم الجهود المبذولة، فشلت الإدارة المدنية في تحقيق الاستقرار الدائم، بسبب تصاعد المقاومة الفلسطينية والتوترات المستمرة، مما كشف عن محدودية فعالية هذا النموذج الإداري في معالجة الأوضاع الإنسانية والسياسية.

خلال فترة اتفاقيات أوسلو في التسعينات، عمل الضباط الإسرائيليون في الإدارة المدنية بشكل متزامن مع السلطة الفلسطينية. ورغم التعاون في إدارة الشؤون المدنية، كان وجود الضباط الإسرائيليين يعتبر خرقًا للروح التي كانت تهدف إلى تحقيق استقلالية فلسطينية أكبر. المبررات الأمنية الإسرائيلية لم تقنع الفلسطينيين الذين رأوا في هذا النظام استمرارًا لفرض السيطرة العسكرية.

أوقف الاحتلال العمل بنظام الإدارة المدنية لقطاع غزة في عام 2007، بعد سيطرة حركة حماس على القطاع، وفرض حصار عسكري ضيق الخناق على القطاع بشكل أكبر.

تعيين ضابط عسكري في الإدارة المدنية اليوم يعكس تحولًا استراتيجيًا في السياسة الإسرائيلية، يعزز من الهيمنة العسكرية، ويعكس رغبة الاحتلال في تقويض جهود إعادة الإعمار والتسوية السياسية. في ظل هذا التحول، قد تكون لتداعيات القرار تأثيرات كبيرة على الأوضاع الإنسانية والسياسية في المستقبل القريب.