Menu

تحليلفصل الأخلاق عن السياسة أو حصد الهزيمة سلفا

د. وسام الفقعاوي

د. وسام الفقعاوي

غزة

لا أبالغ لو قلت أن مصير القضية الوطنية برمتها قد تقرر في تلك العلاقة المشوهة التي نشأت بين الأخلاق والسياسة، وفهم الأخيرة خارج نطاق الأولى، إن لم يكن نقيضًا لها. أُسجل ما تقدم، ربطًا بفهمي/منطلقي أن المحدد للسياسة هو الوصول لهدف الصراع، وليس حفظ البقاء بالسلطة أو الموقع بعد الوصول إليها/إليه. إن الصراع كما أفهمه ليس مع العدو فحسب، بل مع الذات أيضًا في مسعى لرفع طاقتها كممر اجباري لتعظيم القوى على طريق تحقيق توازن ما، أو على الأقل، تحسين ميزان القوة الشامل مع العدو الذي يَحوُل دون وصولنا لهدف الصراع. إن سياسة تقوم على دفع المجتمع ونخبه ومثقفيه وعلمائه وفقائه، نحو التحلل هي سياسة هزيمة ولا شك.

كان على الجميع، ومن ضمنه الشعب الفلسطيني أن يدفع من حاضره ومستقبله، بل وجوده، ثمن الخطيئة الفكرية، بل الجهل بالحقيقة البسيطة التي هي؛ أن الهزائم تتقرر في ضوء ميزان القوى الشامل بين الطرفين محل الصراع، وأن القوة أو الضعف هي الحصيلة الإجمالية لطاقات المجتمع أساسًا، وليس هذا الاسم أو ذاك الذي ليس إلا عنوانًا لمضمون. إن الذهنية التي رأت المشكلة في العنوان لا المضمون، لا يمكن لها أن ترى الحل إلا على مستوى العناوين – الأفراد، الذين ينشغلون والحال هذه بأنفسهم وسلطتهم، خاصة إذا كان لدى هؤلاء اعجابًا مرضيًا بالذات، أكثر مما ينشغلون بالمضمون نفسه.

نعم لقد تقرر مصير القضية الوطني برمتها مبكرًا جدًا؛ تقرر منذ ذلك الوقت الذي انفصلت فيه الأخلاق عن السياسة، وهذه مسألة لا تتم دون سبب، وما هي إلا الوجه الآخر للتبدل الذي طرأ على هدف السياسة نفسها، وعما إذا كان هذا حفظ البقاء في السلطة/الموقع أم الوصول عبرها لهدف الصراع المعلن، أي التحرير الكامل. يبرز هنا مفاعيل الأخطاء التأسيسية واستلام السلطة/الموقع، بناء على وعود كان صاحبها، يعرف أنه عاجز عن الوفاء بها. ما هي الحصيلة المنطقية لوضع هكذا؟

إن مجتمعًا أو فردًا لا يؤمن بشيء سامٍ/قيمي هو في حالة تحلل، وأن من يؤمن بكل شيء ويتكيف معه هو في حقيقة الأمر انتهازي لا يؤمن بشيء.. وما يقتل قضية وطنية كبيرة مثل القضية الوطنية الفلسطينية، أننا أمام حالة معلنه من الخديعة والكذب والانتهازية وصولًا للتجني عليها وتزييف حقيقتها: وهنا مقتل انفصال الأخلاق عن السياسة وحصد الهزيمة سلفًا.