لقد ارتكب العدو الصهيوني حماقة عمره ، بإقدامه على اغتيال سيد المقاومة والمقاومات العربية جميعاً ، سماحة السيد حسن نصر الله ، من زاوية عدم قراءته للارتدادات التي هزت ولا تزال تهز كيانه الغاصب ، ممثلةً ممثلاً ب بتطورين رئيسين هما:
التطور الأول : الذي كشف عن جاهزية الحزب للرد ، والذي تمثل باستمراره في الضربات الصاروخية لمواقع العدو العسكرية ومستوطناته في الجليل الأوسط والغربي واصبع الجليل والجولان ، رغم الضربات المتلاحقة التي تعرض لها ابتداء بمجزرة أجهزة البيجر والكلاسيكي ، مروراً باغتيال بعض قيادات الرضوان في الضاحية ، وصولاً لاغتيال سيد المقاومة ونائب رئيس الحرس الثوري الإيراني هذا ( أولا) ( وثانياً) بحجم التحشيد والتعبئة لدى أطراف محور المقاومة ، التي عملت على تطوير ضرباتها في عمق الكيان، وباتت تتأهب لتطوير ضرباتها الصاروخية ،والدخول في آتون المعركة الميدانية بشكل موسع ومكثف في إطار حرب مفتوحة ، تستجيب لأطروحة نصر الله بشأن المعركة المفتوحة والحساب المفتوح الذي يتجاوز قواعد الاشتباك إلى مرحلة قد تقود إلى حرب شاملة.
والأهم هنا أيضاً أن العدوان الصهيو أميركي على لبنان ، لم يفت في عضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث واصلت ضرباتها لمواقع العدو العسكرية وواصلت كمائنها النوعية لقوات وآليات العدو ، التي ألحقت بالعدو خسائر كبيرة على الصعيد البشري وعلى صعيد تدمير الآليات ، والتي تجلت خلال اليومين السابقين بكمين "بشائر النصر" المحكم في رفح ، وكمين الفاخورة" في شرق خان يونس.
الهجوم الاستباقي لحزب الله
التطور البارز الثاني كان يوم أمس الاثنين ، الذي تمثل بظهور نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على شاشات التلفزة ، ليضع المقاومة وجمهورها وجماهير الأمة في صورة نتائج القصف الذي استهدف مقر قيادة الحزب ، وتكذيبه في سياق كلمته ما ردده العدو حول اغتيال معظم قيادات الحزب، وضرب بنيته التنظيمية والعتسكرية ، حيث جاءت كلمته المسجلة لتخلق حالة من الارتياح في صفوف المقاومة وجماهيرها من عدة زوايا أبرزها:
أن البنية التنظيمية لحزب الله بخير / وأن قيادة جماعية تقود الحزب لغاية انتخاب أمين عام جدي / وأن قيادات بديلة حلت محل القيادات التي ارتقت/ وأن منظومة القيادة والسيطرة لا تزال تعمل بكفاءة / .وأن المخزون الإستراتيجي للصواريخ طويلة ومتوسطة المدى لم تتأثر على الاطلاق / وأن قوات المقاومة جاهزة للالتحام مع قوات العدو حال بدئها الحرب البرية / وأن الحزب لن يتراجع قيد أنملة عن ثوابته وعلى رأسها : الاستمرار في جبهة الاسناد لقطاع غزة طالما استمر العدوان الصهيوني على قطاع غزة
لقد شكلت كلمة الشيخ نعيم قاسم صدمة للعدو، في أن الحزب عصي على الانكسار والهزيمة والاستسلام ، رغم المجازر التي ارتكبها بحق جماهير المقاومة وقيادتها، وأن خطاب المقاومة لا يزال ثابتاُ ولم يتزعزع .
والأهم من ذلك كله ، أن كلمة الشيخ قاسم ، تمت ترجمتها صباح اليوم الثلاثاء (1-10-2024) بجهوزية المقاومة للتصدي للعدوان البري، وقيامها بهجوم استباقي على تل أبيب ومحيطها بعدد من الصواريخ الدقيقة ، التي طالت مقر وحدة الاستخبارات (8200) ومقر الموساد ،وعشرات المستوطنات في محيط تل أبيب، من بينها مستوطنة كفار سابا ، ناهيك عن إمطار مستوطنات الجليل وصفد بعشرات الصواريخ، في الوقت الذي مارس فيه العدو الكذب بأن قواته بدأت منذ فجر اليوم التغلغل في جنوب لبنان وتدمير مستودعات أسلحة حزب لله ما دفع مسؤول العلاقات العامة في حزب الله محمد عفيف، لتكذيب ادعاء دخول قوات الاحتلال للأراضي اللبنانية ، دون أن ينفي إمكانية بدء الهجوم في ساعات قادمة
العدو الصهيوني بات يقدم رجلاُ ويعيد أخرى ، قبل الدخول في هجومه البري ، رغم حشده مئات الدبابات وخمس فرق ولوائي احتياط في الجليل وعلى مسافة قريبة من خطوط التماس مع قرى جنوب لبنان، وإعلانه عن ثلاث مواقع استيطانية منطقة عسكرية مغلقة في الجليل وهي "المطلة وكفار جلعادي ومسكفعام" ، ما دفع المراقبين العسكريين لأن يصنفوا هذا الحشد في إطار سيناريو الحرب النفسية ، أو في سياق الضغط باتجاه إيجاد حل دبلوماسي للصراع المحتدم بين الجنوب والجليل ز
لكن دخول قواته بعد ذلك للجنوب في سياق عمليات استطلاع بالقوة ، التي تمت مواجهتها بردود قاسية، أربكت خططه الأولية ، في تحقيق اجتياح أولي لخطوط التماس لضرب قواعد الحزب العسكرية وأنفاقه الهجومية ، توطئة لإقامة منطقة عازلة في الجنوب اللبناني.
انقلاب السحر على الساحر
ما يجب الإشارة إليه ، أنه إذا ما استمر حزب الله في مراكمة ضرباته الصاروخية في عمق الكيان وبالذات في تل أبيب وتل أبيب الكبرى ( غوش دان) و القدس وحيفا ، وإيقاع خسائر بشرية وعسكرية في صفوف العدو ، سيقلب السحر على الساحر ، وستتحول الجبهة الداخلية الإسرائيلية من عامل إسناد للحرب البرية إلى عامل إحباط لها ، بعد أن يتبين لها زيف ما روج له وزير الحرب الصهيوني " يو آف غالانت" بأن الطيران الحربي دمر معظم البنية القيادية والعسكرية لحزب الله.
وجاء إعلان المجلس الأمني المصغر في الكيان الصهيوني ، خلال اجتماع عاجل على الهاتف، عن حالة الطوارئ في كل البلاد من ايلات حتى الحدود الشمالية مع لبنان ، ليربك الجبهة الداخلية ويشعرها بزيف عنتريات نتنياهو وهاليفي وغالانت بأن الجبهة الداخلية ستكون في مأمن ، بعد اغتيالات نخبة من قيادات حزب الله ، وبعد التدمير المزعوم لمستودعات الصواريخ متوسطة وطويلة المدى ، كما أن هذا الإعلان يذكرهم بحالة الطوارئ القاسية التي تم فرضها بعد هزيمة العدو في معركة السابع من أكتوبر التاريخية.
وكان الحزب قد بدأ هجماته الافتتاحية الاستراتيجية قبل أيام ، بقصف حيفا ومجمع رافائيل للصناعات العسكرية ومصانع ومخازن الذخيرة الإسرائيلية ، ومستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس على مسافة 150 كيلو متراً من خطوط تماس لبنان مع الكيان الصهيوني ، بعشرات الصواريخ بعيدة المدى.
مراهنة فاشلة على قضية الاغتيالات
لا أبالغ إذ أقول، أن العدو رغم غطرسة القوة وإمكاناته العسكرية والتكنولوجية ،غبي جداً في قراءته لسيكولوجيا بيئة المقاومة، وقضايا الأمة العادلة ، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية ولم يستفد من تجاربه السابقة في المراهنة على قضية الاغتيالات ، فقد سبق وأن اغتال العدو القادة عماد مغنية وفؤاد شكر وأبو جهاد وأبو علي مصطفى وغسان كنفاني وأحمد يسن والرنتيسي وفتحي الشقاقي والقائمة تطول وتطول ، لكن هذه الاغتيالات لم تفت في عضد المقاومة بل زادتها بأساً واشتعالاً.
ونجزم هنا من واقع المقاومة المستمرة ، أن الحرب العدوانية الصهيوأميركية على لبنان التي أدت إلى ارتقاء وإصابة آلاف المواطنين في الضاحية وبلدات الجنوب، وفي مختلف مناطق في لبنان ، وارتقاء نخبة من قيادات المقاومة وعلى رأسهم سيد المقاومة حسن نصر الله ، لن تفت في عضد المقاومة الإسلامية ، بل ستزيدها إصراراً على صنع (7) أكتوبر جديد ، ولن تفت في عضد المقاومة الفلسطينية الظافرة في قطاع غزة ، التي جرت العدو الصهيوني إلى حرب استنزاف قاتلة على مدى اثني عشر شهراً رغم الفارق الهائل جداً في ميزان الوى المدعوم أمريكياً وأطلسياً ، ولن تفت في عضد جبهات الاسناد اليمنية والعراقية .
حزب الله قادر على إفشال مشروع الشرق الأوسط مجدداً
وأخيراً فإن سيد المقاومة ، بما مثله من مدرسة كفاحية غير مسبوقة في تاريخ حركات التحرر الوطني ، وعقل إستراتيجي في إدارة الصراع ، حفر عميقاُ في التاريخ نهجا مقاوماً لا تقوى صواريخ الكيان الصهيوني وصواريخ أمريكا وحلف الأطلسي وأطنان ومتفجراته على محوه ، وحفر في وجدان المؤسسة العسكرية هزيمة معنوية مضافه إلى هزائمه العسكرية في مايو ( أيار ) 2000 وفي حرب تموز 2006 ، وما خطط له سيد المقاومة يجري تطبيقه الآن في مواجهة العدوان على جنوب لبنان من قبل كتائب الرضوان ، وفي قصف عمق الكيان الصهيوني في تل أبيب وغوش دان وحيفا .
المعركة لا زالت في بدايتها ، لكن معطيات المواجهة حتى الآن، تنبئ بأن خسائر وهزيمة العدو الصهيوني في حرب تموز 2006، لن تشكل سوى جزءاً صغيراً من هزيمة مشروع نتنياهو في الحرب الراهنة ، الذي بات يتحدث عن مشروع شرق أوسط جديد بقيادة إسرائيلية.
وإذا كان حزب الله قد أفشل مشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي عام 2006 من البوابة اللبنانية ، فإنه بالتأكيد ومن واقع المعطيات الحسية ، قادر على إفشال المشروع الجديد من البوابة اللبنانية أيضاً، بل نقول أكثر من ذلك فإنه سيبني على منجزات السابع من أكتوبر باتجاه وضع بداية لنهاية الكيان الغاصب على أرض فلسطين التاريخية.
انتهى
كاتب وباحث فلسطيني
elayyan_e48@yahoo.com