Menu

تقريرالمقاومة مع يحيى السنوار.. من ردّ الفعل إلى الفعل الاستراتيجي

مهند فوزي أبو شمالة

خاص_بوابة الهدف - غزة

يحيى السنوار، الشهيد القائد، المقاتل المقدام، لم تمنعه مناصبه السياسية والقيادية على سلّم حكم أهم الفصائل الفلسطينية من ترجمة أفكاره التحررية التي رأى في مقاومة الاحتلال المسلّحة سلاحاً لها، طريقاً اختاره منذ صغره، وأصبح بسببه مُطارداً، أسيراً، وأخيراً شهيداً، ليكونَ وقوداً يُنير الطريق لكلّ من استلهم تجاربه في مواجهة الاحتلال، ومن اعتقد ألّا خيار إلّا بمقاتلته سبيلاً لتحرير فلسطين.

وُلِدَ يحيى السنوار في عام 1962 في مخيّم خان يونس للاجئين في جنوب قطاع غزّة. كان هذا المخيم شاهداً على معاناة آلاف العائلات الفلسطينية التي هُجِّرت قسراً من أراضيها بعد النكبة عام 1948. لم يكن السنوار استثناءً، فقد عاش طفولته في ظروفٍ قاسية من الفقر والتهميش، وفي بيئة كانت تمتلئ بالحكايات عن العودة والحرية.

لسنا بصدد الحديث عن ظروف أسره تاريخياً أو مضموناً، فوصولاً إلى تحرّره في أكتوبر من العام 2011 في صفقة "وفاء الأحرار"، التي أبرمتها المقاومة الفلسطينية مع سلطات الاحتلال آنذاك، خرج الشهيد أبو إبراهيم ليبدأ سنوات من استراتيجية مبنية في أفكاره، وبدأ بترجمتها حينما تقلّد منصب قيادة حركة حماس في قطاع غزة عام 2017، حيث عمل على تعزيز جناحها العسكري، كتائب القسام، مع المحافظة على روابطها السياسية. بحيث شهدت الفترة الأولى من قيادته تحسناً ملحوظاً في القدرة العسكرية للحركة، بما في ذلك تطوير الصواريخ والطائرات المسيرة.

عمل الشهيد يحيى السنوار على تطوير المستوى القيادي للمقاومة الفلسطينية ليس على المستوى البشري وتغيير الأشخاص، وإنما على تطوير ما بداخلهم من أفكار وطرقٍ لترجمتها، فقد لوحظ منذ تحرره عدم تحرّك الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية بمنهج ردّ الفعل الطبيعي أو الروتيني المتوقع على الاعتداءات الصهيونية على قطاع غزة، فكانت جولات التصعيد بين الفصائل والاحتلال على اختلافها في السنوات السابقة، تحمل تكتيكات فاجأت "إسرائيل" كثيراً، حتّى أنّ الاحتلال كان يؤجّل كثيراً منها لعدم معرفته ما ينتظره من المقاومة.

اقرأ ايضا: من الأسر للشهادة.. من هو يحيى السنوار

ليس الحديث تمجيداً بشخص الشهيد يحيى السنوار، وإنّما نقلة ملحوظة مثّلها للمستوى القيادي لفصائل المقاومة من خلال تجربته في ساحات النضال في الميادين والأسر، فقد أصبحت الفصائل تتحرّك في مقاومتها بشكلٍ جماعيٍ ومدروس، وهذا تُرجم في تشكيل ما يُعرف بـ"الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة"، والتي تمّ تشكيلها في عهده، والتي نقلت مستوى القيادة للجماعي في التصرف والمواجهة، وهذا ما جعل ارتباكاً لدى العدو في كثيرٍ من المواجهات حتّى باعتراف كثير من القادة والخبراء العسكريين للاحتلال.

أخيراً وليس أخر، عملية "طوفان الأقصى"، التي فاجأت كلّ من عاشها وما زال يعيشها، من فكرتها لاستراتيجيتها لتنفيذها، فالعدو اتهم الشهيد يحيى السنوار بأنّه المخطط والمنفذ الرئيسي لها، وهي أكبر عملية تُفّذت في تاريخ الصراع.

الكاتب السياسي ورئيس تحرير مجلة وبوابة الهدف السابق د. وسام الفقعاوي، رأى أنّ السنوار أعاد طرح فكرة المقاومة؛ كنهج وثقافة ووسيلة، ليس على الصعيد الوطني الفلسطيني، بل والعربي والإقليمي والدولي، في مواجهة القاعدة الاستعمارية المتقدمة للغرب الإمبريالي في منطقتنا "إسرائيل".

الفقعاوي أشار في حديثه مع "الهدف الإخبارية"، إلى أنّ القائد أبو إبراهيم، حوّل المقاومة إلى حالة/ثقافة شعبية، قبل أن تغدو مسألة تسليحية، تعتمد على إنتاجها الذاتي في معظم احتياجاتها الأساسية؛ الدفاعية والهجومية بمختلف مسمياتها، حيث أبدعت في ذلك أيما إبداع، مُعتبراً أنّ تمسّكه بمفهوم وحدة قوى المقاومة الفلسطينية اللصيق لمفهوم وحدة ساحاتها أينما وجدت، التي وعى أنها ضرورة حيوية لمواجهة المشروع الصهيوني وهزيمته التاريخية، فكانت تجربة الغرفة المشتركة، ومناورات الركن الشديد المتعددة لقواتها، وصولًا إلى محور المقاومة الذي لبى نداء غزة، في جبهة/جبهات الاسناد التي لم تتخلَ عن دورها المطلوب، في ظل احتدام الصراع ووصوله إلى مرحلة جديدة بالكامل، لا تقف حدودها على قطاع غزة وحده، بل تطال عموم المنطقة.

وأضاف الفقعاوي أنّه و"انسجامًا مع كل ما سبق، نجد التجسيد الفعلي للوعي المتقدم للقائد الشهيد في الملحمة التي سجلها في مواجهته مع العدو، الذي استشهد في أتونها، حيث قاتل بعز وشرف رأيناه بأم العين، وبشهادة ما بثه العدو نفسه، حتى آخر قطر ة دم حمراء نزفت من جسده الطاهر.. وهنا أمثولة ستحتذي بها الأجيال كما الثوار القادمون من كل فج عميق".

من جهته قال مدير مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي، أحمد الطناني إنّ يحيى السنوار لم يضيّع الكثير من وقته في إنجاز ترتيباته الحياتية، بل مضى في دراسة الاحتلال عن كثب ومتابعة تفاصيل التفاصيل في الشأن العبري، كما حمل معه رؤيته المجددة لطبيعة النضال الوطني الفلسطيني واستخلاصات تقييم لتجربة الحركة الوطنية.

الطناني أضاف في حديثٍ مع " الهدف الإخبارية"، أنّ السنوار غيّر من استراتيجيّة كتائب القسام القتالية، والتي نُقلت إلى المقاومة جمعاء، وهي عدم التدرّج في الردّ على الاعتداءات الصهيونية، وهذا الأمر الذي ظهر لأول مرة في طريقة تعاطي القسّام مع اغتيال القيادي في كتائب القسام وعضو المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة أحمد الجعبري، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، حيث بادرت إلى قصف تل أبيب لأول مرة في تاريخها باستخدام صاروخ محلي الصنع من طراز M75، وهو ما شكّل صدمة لدوائر صنع القرار لدى الاحتلال الذين صُدموا بسرعة قرار القصف الذي نُفّذ بعد ساعات معدودة من عملية الاغتيال، وهو قرار كانت بصمات السنوار الملتحق حديثًا بالمكتب السياسي واضحة فيه.

وتابع: "فضّل السنوار ألا يمنح الاحتلال فرصة توجيه الضربة الأولى، بل بادر إلى تفعيل سلاح الأنفاق في عملية التسلُّل إلى موقع صوفا العسكري شرق رفح، تلت ذلك سلسلة عمليات مشابهة على طول الشريط الفاصل بين قطاع غزة ومستوطنات الغلاف، كان مشهدها الأبرز تمكُّن مقاتلي القسام من توثيق لحظة دوسهم على رأس جندي في موقع ناحل عوز العسكري".

وبحسب الطناني، فقد بات النمط الجديد جزءًا أساسيًا من مدرسة تطورت في سلوك كتائب القسام وفصائل المقاومة، وصولًا إلى الهجوم النوعي في مايو/ أيار 2021، ما اصطلح على تسميته بـ”سيف القدس ” حينما قصفت المقاومة القدس برشقة صاروخية بشكل متزامن مع مسيرة الأعلام، التي تمثل أحد أبرز التعبيرات عن سياسة تهويد القدس، وهو ما خالف كل تقديرات وتوقعات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، فيما تكلّلت خطوات الجرأة والمباغتة ومعاكسة تقديرات الاحتلال واستشرافه لسلوك حركة حماس وجناحها العسكري بعملية السابع من أكتوبر، وانطلاق "طوفان الأقصى" الذي بات يغير وجه المنطقة والعالم ويعيد صياغة المشهدَين الوطني والإقليمي، بما يعيد للقضية الفلسطينية زخمها ومركزيتها.

تجربة مُلهمة وذات فائدة جسّدها الشهيد القائد يحيى السنوار، الذي كرّس للوحدة الوطنية أساساً في مواجهة الاحتلال، وللتفكير الاستراتيجي خياراً في مقاتلته، وللتطوير في الوسائل سبيلاً لاكتمال أركانها وصولاً للتحرير، وهذا ما جعل مكافأته أن يًستشهد في ميادين المواجهة، ليس هنا أو هناك، وإنّما في أشرف المعارك، يمتطي سلاحه مواجهاً عدوه لآخر نفس وبآخر قطعة سلاح توفرّت بين يديه "حيث العصاة التي رماها على المسيّرة الإسرائيلية التي دخلت المنزل التي ارتقت روحه فيه، مُعلنةً شهادة ملهم الأجيال ومُفجّر الطوفان".