Menu

رحيل سعيد الشرايبي.. رائد "العود" المغربي

سعيد الشرايبي

بعد أن ألّف أكثر من خمسمئة مقطوعة موسيقية وضع الفنان الكبير سعيد الشرايبي (مواليد 1951 بمراكش) عوده على الكرسي ونزل من المنصة للمرة الأخيرة، فالرجل الذي جاب العالم بآلته الوترية مقدماً لجمهوره أجمل الألحان العربية قد فارق الحياة أول أمس الخميس بعد شهرين قــــضاها في وضع صحي حرج بسبب أزمة قلبية.

لم يكن الشرايبي عازف عود ماهراً فحسب، ولا صانع آلات وترية بمزاج خاص، بل كان أيضاً باحثاً كبيراً في المجال الموسيقي وصاحب خبرة فنية واسعة. فقد قضى سنوات عديدة منشغلاً بالبحث في التاريخ والتراث الفني عما يمكن أن يُستعاد ويُبعَث من جديد، لكن في حلة مغايرة، حيث تبدو للمهتمين بالمجال الموسيقي تلك اللمسة المتفرّدة التي تميّز أعماله الفنية التي لا تقف عند التراث العربي فحسب، بل تتجاوزه إلى التاريخ الموسيقي الفارسي والتركي. فالشرايبي سواء عبر معزوفاته المتنوّعة أو عبر تلك الندوات التي شارك فيها بالعديد من البلدان كان يسعى إلى ضبط تلك الخيوط الناظمة التي تسبك موسيقى العالم، رغم تعدّد انتماءاتها. كأنما في بحثه هذا كان يريد أن يقنعنا بأن الفن الراقي، رغم تعدّد أشكاله يتكلم في الأصل لغة واحدة، تلك اللغة التي يسمّيها هو «المضمون الموسيقي».

كان الشرايبي ينقب في روافد الموسيقى المغربية محاولاً إيجاد تفسيرات تاريخية لهذا التقاطع الفني المغربي مع ألوان موسيقية أخرى آتية من التراث العراقي والسوري والمصري والفارسي والتركي والأندلسي، وقد قاده اجتهاده إلى اختراع آلة وترية خاصة به كان طولها 52.5 سم لا مثيل لها في تاريخ العود.

تعود علاقة الشرايبي بالعود إلى عامه الثالث عشر حين عزف أمامه ابن خاله مقطوعة موسيقية قصيرة فأمسك العود لأول مرة وأصرّ أن يتعلمها، وقضى النهار كله في المحاولة إلى أن عزفها، كان هذا التحدّي بمثابة الخطوة الأولى في مسار طويل جمع فيه الشرايبي بين المعرفة النظرية والجانب التطبيقي بشكل مذهل. فقد شارك في تظاهرات فنية عديدة داخل وخارج العالم العربي، وحصل على الوسام العربي للموسيقى بالجزائر سنة 1984، ونال بعده جائزة العود ببغداد سنة 1986، ثم جائزة الموسيقى الغرناطية بباريس سنة 1992، وجائزة الاستحقاق بدار الأوبرا في مصر سنة 1994، وفي العام ذاته حاز جائزة أفضل عازف عود من السيياد، ثم جائزة أفضل أغنية لـ «أطفال القدس » سنة 2000، وفي سنة 2002 نال جائزة «زرياب للموهوبين» التي تمنحها الجمعية الوطنية للموسيقى باليونسكو، وفي سنة 2005 نال الميدالية الذهبية «فن وعلم وآداب» بسلطنة عمان، وقبل رحيله تم تقليده الوسام الملكي بالمغرب.

تتسم أعمال الشرايبي عموماً بطابع النوستالجيا، ويكفي الوقوف عند عناوين مقطوعاته لإدراك هذا الحنين الدائم إلى ماضٍ مضيء: نداء غرناطة، حلم بفاس، أحلام الأندلس، أفكار أندلسية، الفروسية في بلاد ما بين النهرين، رقصة الفرسان، من زمن بعيد...

يحسب للشرايبي، فضلاً عن ولعه بالتراث الموسيقي المغربي، تشبثه بالبقاء في المغرب رغم عدد من العروض التي طرحت أمامه كتدريس الموسيقى في دار الأوبرا بمصر، والإقامة الدائمة في اسبانيا بدعوة من حكومة الأندلس، والاستقرار في فرنسا من أجل تدريس الفن بالجامعة. فضّل الشرايبي البقاء في مغربٍ كان قد وصفه مرة بـ «مقبرة الفنان»، متحسّراً على حظ مشاريعه الفنية التي كانت تحتاج رعاية واهتماماً أكبر.