Menu

عندما يتحوّل القبح إلى تيّار عام

ونحن نسعى وبكل ما أوتينا من قوة إلى ترسيخ كل ما هو قبيح وفاشل

مريم كمال

قد يقودك حظك إلى السهر بصحبة التليفزيون المصري، لكنك تتوسم خيراً حين تشاهد أمامك برنامجاً يبدو عليه أنه الأفضل بين باقة برامج مُنْهَكة تعتمد – فقط- على تاريخ عريق لهذا التليفزيون، باقة تتأرجح بين فقرة طهي داخل أحد البرامج تبتسم فيها المذيعة والطاهية تُخرج قالب الطعام المُحترق، أو قناة يُفترض أنها مخصصة لجلسات البرلمان فإذا بها تتحول ببعض فقراتها إلى جلسات وعظ؛ بين ضيف يوضح مَثالِب النميمة وآخر يحدثنا عن “مكارم الأخلاق” والنظافة والصلاة..

يوم الجمعة الرابع من مارس، استضافت الممثلة والمذيعة داليا البحيريفي حلقة برنامج أنا مصر” – وهو برنامج ليس من إنتاج التليفزيون المصري لكنه يُذَاع على الفضائية المصرية ويقدمه باقة من المذيعين والكتّاب على رأسهم شريف عامر ود.معتز عبدالفتاحاستضافت الأستاذة داليا” – “خبيرة طاقةأخذت تُحدثنا عن العالم الخفيوالمرايا اللي ممكن تجيب لنا أزمة قلبيةوقدمت للجمهور سبب تكرار حوادث الطرق وبالتالي السبيل الأمثل للتغلب عليها في المستقبل..

المذهل في الأمر أن الضيفة تحمل درجة دكتوراه في فلسفة الفنون، تجلس بثقة متناهية، وتتفوه بأمور أقل ما توصف بأنها “ثرثرة فارغة”، تعرض بضاعتها وكالعادة تغلفها بغلاف الدين، الغلاف الذي يَقبل كل شيء وأي شيء، والذي لا يمكن معه أن تَتَفوّه بكلمة وإلا أصبحت متهماً بالازدراء وينتظرك مصير مجهول.
ركزت الفقرة وبشكل أساسي على المَرَايا في حياتنا؛ فتؤكد الضيفة أنها تستطيع معالجتك مما تشكو منه عبر دراسة العنصر الذي تحتاج إليه، لكن المَرَايا لها وضع خاص، فمثلا ماينفعش نشوف نفسنا في المرايا وإحنا نايمينوذلك لأن المياه التي يحملها جسد الإنسان قد تتفاعل مع عنصر الماء في المرايا فنصاب بسكتة قلبية أثناء النوم!

دعنا من أي أسباب طبية قد تؤدي إلى إصابة الإنسان بالأزمة القلبية، أو حتى انقطاع تنفسه أثناء النوم، وهي حالة طبية يدرسها كبار جراحي القلب في العالم؛ إذ يؤكد البعض أنها تحدث نتيجة انسداد في مجرى التنفس العلوي ما يحجب كمية الأكسجين التي تصل إلى الرئة، وقد تأتي نتيجة الوزن الزائد أو عدم ممارسة الرياضة بشكل منتظم، ويطلب البعض إخضاع المريض لفحوص طبية للوقوف على أسباب إصابته بالأرق والإعياء، لكن لم يتوقف أحد منهم لسؤال المريض عن وضع المرايا في غرفة نومه..

تنصحنا الدكتورةأننا إذا شعرنا بتكرار مشكلة، فعلينا أن ننظر ماذا فعلنا؛ فقد نكون كلمنا حد غلطأو نزلنا في ساعة غلطأو الاكسيسوريز اللي احنا لابسنها غلط، بهذا المنطق يجب علينا ألا نتوقف لتحليل أسباب فشلنا، ولا يجب أن نُعمل العقل؛ فندرك الأسباب ونفكر تفكيراً منطقياً فنصل إلى الحل المناسب، لأن الأمر أبسط – وربما أعقد- فقد يكمن في البلوزةاللي احنا لبسناها في اليوم ده..
ولا يمكن أن يمر الأمر دون إقحام الدين به، وإلا قد تفسد البضاعة ويشيح البعض بوجهه بعيداً، ولذا تحذر الخبيرة الدكتورةمن ثلاثة أيام في الشهر العربي، وهي الأيام التي أمرنا الرسول بصيامها- فترى الضيفة أننا مش بنصومهم وخلاص علشان الحسنات” – لكن العلم وضح الأمر، ولا مفر طبعا إن العلم لمّا يوضح حاجة يكون الدين قالها من زمان حتى نكون أكثر اطمئناناً ولا نشعر بأي تأنيب ضمير- العلم أكد أنه خلال الأيام الثلاثة بتكون طاقة القمرمرتفعة وبالتالي يؤثر على الكرة الأرضية وتنشأ ظاهرة المد والجزر، فتزيد حوادث الطرق، بينما إذا صمنا تهدأ طاقة غضبنا (يبدو أن الخبيرة لا تملك تفسيراً للغضب الذي ينتاب المسئول الحكومي في نهار رمضان مثلا رغم أنه صائم)

هنا وفي هذا الجزء على وجه الخصوص، مطلوب منا ألا نعبأ بأمر امتلاكنا أسوأ شبكة نقل عالمياً وتربعنا في مرتبة متقدمة بين أكثر 10 دول في العالم فيما يتعلق بحوادث الطرق بواقع حالة وفاة كل نصف ساعة، ولا يجب أيضاً أن نعبأ بأننا لا نملك شبكة طرق مطابقة للمواصفات، ونعاني من تدني في خدمات الإسعاف وانعدام الرقابة، لكن يمكننا أن نترك كل شيء على حاله، ونصدر قراراً يحتم على الجميع صيام الأيام الثلاثة فنهدأ وتنتهي الأزمة..

نريد أن ننوّه أيضاً بفكرة أن أي خبير في الوقت الحالي طاقةكان أو تغذيةإلا ويحدثنا من مُنْطَلق ديني إسلامي باعتباره – طبعا-  يخاطب مجتمعاً “إسلامياً”، فيتوجه بحديثه إلى “المواطن المُسلم” الذي أمره دينه بكذا وكذا، فلا ينشغل باله أبداً بأن هناك مواطن آخر يشاهده يختلف عنه في عقيدته وتوجهه الديني..
اختتمت الدكتورةحديثها بالجزء الأكثر تشويقاً فقدمت لنا روشتة لحياة أفضل مؤكدة ضرورة غلق باب الحماموغطاء التواليتلأنه – ببساطة – مكان إقامة الجن“..

نعلم أننا وصلنا إلى نفق مسدود، يحمل بداخله كل ما هو قبيح ، من تعليم إلى صحة إلى فن، نفق يسحبنا إلى أدنى مرتبة في الكون، حيث أضحت “أخلاقنا” أهم من حدودنا، والطفلة تُضرب في المدرسة لأنها لا ترتدي الحجاب، والطفل المريض يُصفع قبل خضوعه لجراحة حتى ينام بسرعة، وتنظم طالبات مظاهرة لأن مديرة المدرسة “مسيحية”، وقد يرى البعض أن الممثلة عاهرةوسلعة مُباحة بمنطق كم واحد اعتلاكي“.
يقولجون ديوي“: “عندما نعزل الشرير وراء جدران السجون فإننا نهيّئ الفرصة لنسيانه وفي نفس الوقت نهيّئ الفرصة لنسيان الدور الذي لعبناه في خلق هذا الشرير؛ فلا يجب أن تحكم على شخص دون أن تنتبه إلى الأسباب التي دفعته لارتكاب الجُرم؛ فالمجتمع بما يحمله من دعم لثقافة وقيمة معينة يشترك في ذلك، ونحن نسعى وبكل ما أوتينا من قوة إلى ترسيخ كل ما هو قبيح وفاشل، ولا نخجل من إعلان قبحنا أمام الجميع..

المصدر: قُل