Menu

الأقباط في سيناء المصرية يواجهون إبادة عرقية

القاهرة_ خاص بوابة الهدف

قضى 18 قبطياً مصرياً في العريش خلال الشهر الحالي، في حوادث قتل متتالية نفّذها تنظيم "داعش" الإرهابي في سيناء. خلال أسبوعين فقط وصل عدد الضحايا من المواطنين الأقباط في مدينة العريش إلى 5 أشخاص، هم: هم تاجر، ومعلّم، وطبيب بيطري، ومُسنّ وابنه. جميعهم جرى إطلاق الرصاص عليهم في مواقع قريبة من بيوتهم ومحال عملهم، من قِبَل إرهابيين مُلثّمين.

وارتفع بشكلٍ ملحوظ عدد العمليّات الإرهابية التي استهدفت الأقباط في محافظة شمال سيناء، من قِبَل تنظيم "داعش". واضطر عدد كبير من العائلات إلى النزوح من منازلها وترك ممتلكاتها. بعد أن ناشدت قوات الأمن لتأمين خروجهم.

ووصل عدد الأسر التي تركت المدينة خلال يومين إلى 45 أسرة، نزحت إلى محافظات الإسماعيلية وأسيوط والقاهرة. ومن المتوقع زيادة عدد الأسر المهجّرة خلال الساعات المقبلة، وفق مراقبين، في مشهدٍ تكاد تصبح فيه سيناء "خالية من سكانها الأقباط!".

وصلت حدّة الاستهداف إلى تنفيذ عمليات إبادة عرقية، أجبرت الأقباط إلى الهروب من الموت، وسط دعوات المسؤولين لهم بالرحيل والهروب، فيما تمّ منح العاملين منهم إجازة رسمية مدفوعة الأجر لمدة شهر قابلة للزيادة؛ كي يتمكّنوا من الهجرة.

وتركّز التواجد القبطي في العريش بشكل خاص، في أعقاب نزوح غالبيّة العائلات من مدينة رفح المصريّة والشيخ زْوَيّد، وهي مناطق شهدت عدّة حوادث خطف وقتل ضدّ الأقباط بعد عام الثورة 2011، فضلاً عن تدمير كنيسة العائلة المقدسة فيما سُمّي "جمعة الغضب".

الهجمات والعمليّات الإرهابية، لاحقت هذه العائلات النازحة إلى العريش، مع تصاعد وامتداد التوتر الأمني.

وتضمّ مدينة العريش 3 مواقع تتبع الكنيسة القبطية، وهى مطرانية شمال سيناء فى ضاحية السلام وتخضع لحراسة دائمة، ومقر الاستراحات الكنسيّة في حي المساعيد، الذي يخضع أيضاً لحراسات مشددة، فضلاً عن كنيسة مار جرجس وسط المدينة، وتشارف أعمال الترميم فيها على الانتهاء؛ بعد أن أحرقها أنصار جماعة الإخوان المسلمين في شهر يوليو 2013، ودمّروا محتوياتها، وتقام فيها الآن صلوات رمزية فى الأعياد تحت حراسات مشددة، وقد تم تخصيص حراسات، مؤخراً، لمبنى الكنيسة الذي يخضع للترميم، وإغلاق الشارع الذى تقع فيه بالحواجز المعدنية.

التهجير الذي تشهده سيناء في الوقت الحالي، يأتي بعد سلسلة بدأت منذ الهجرة الأولى في العام 2012، إبّان حكم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، حين هُجّر أقباط من مدينتيّ رفح والشيخ زويد، عقب توزيع الجماعات الإرهابية منشورات بإعطائهم مهلة 48 ساعة لمغادرة المدينتيْن، قبل حرق منازلهم وقتل أي قبطي يتواجد فيهما. وتم بالفعل تنفيذ التهديد بإطلاق النار على الأقباط وأعقبها ذبح المواطن "مجدي لمعي" بالشيخ زويد.

في ذاك الوقت، نزح نحو 15 أسرة من المدينتيْن إلى محافظات الصعيد.

وبعد مقتل القسّ "مينا عبّود"، بالرصاص، في يوليو 2013 وحرق كنيسة مارجرجس بالعريش، فرّت العديد من الأسر تاركةً المدينة، باستثناء عدد قليل منها، حاولوا البقاء في مناطقهم. قبل أنّ يبدأ المسؤولين بإطلاق التصريحات التي تُطالبهم بالهرب. لتبدأ بقيّة العائلات بالنزوح فيما بدا تجسيداً لعجز وفشل المسؤولين في توفير الحماية لهم.

مصدر كنيسي أفاد أنّ الكنائس بمحافظة الإسماعيلية من جميع الطوائف تساهم فى توفير الاستضافة للأسر النازحة، وهناك تنسيق كامل بين كل الطوائف، ومتابعة من البابا تواضروس الثانى.

"يُوجد في العريش الآن نحو 450 أسرة مسيحية" حسب المصدر الكنيسي.

ولفت إلى أنّ "كنائس مطرانية شمال سيناء تضطّر في كثيرٍ من الأحيان لتغيير مواعيد الصلوات فى أيام الصوم الكبير لاختيار مواقيت مناسبة أمنياً"

رئاسة مجلس الوزراء المصري أعلنت، عصر السبت 25 فبراير، أن رئيس الحكومة يتواصل مع عدد من الوزراء والمسؤولين، والبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، كما تقرّر تشكيل غرفة عمليات في مجلس الوزراء لمتابعة الموقف.

وهربت أكثر من 45 أسرة قبطية من مدينة العريش خلال اليومين الماضيين، خوفاً من  التهديدات بالقتل من قبل مسلحين، يُشتبه بانتمائهم لتنظيم "ولاية سيناء"- الفرع المُتواجد في مصر من تنظيم "داعش"- بعدما قتل سبعة مواطنين أقباط خلال شهر فبراير الجاري.

 

إبادة عرقية

تمكّنت يد الإرهاب من تهجير غالبية أقباط سيناء، وفيما يبدو تحدٍّ جديد من عناصره، قتلوا فجر أمس السبت فتاة قِبطيّة ذبحاً، قُرب منزلها بمنطقة حي الزهور بمدينة العريش، وهي "يوستينا كامل"، التي ألقى القتلة جثّتها خلف قسم "ثالث العريش"، وكانوا قتلوا أباها، كامل رؤوف كامل مساء الخميس، بذات الطريقة، فوق سطح منزله.

كما قتل الإرهابيون 6 مواطنين خلال الأيام القليلة الماضية مواطن يُدعى سعد حكيم حنّا وابنه مدحت، ثمَّ أضرموا فيه النار. وفي نفس الشارع الذي تُقيم فيه عائلة حنّا، قتلوا شابّاً يُدعى هاني، وسرقوا ونهبوا محتويات محلّه التجاري بعد قتله. كما قتلوا محاسباً ومدرساً، وتاجراً يدعى جمال توفيق جرجس يمتلك محلّاً لبيع الأحذية.

وكان طبيب قبطي يدعى بهجت مينا وليم زاخر، قتل في العريش قبل أيام أيضًا، حيث أطلق عناصر "ولاية سيناء" النار عليه أثناء استقلاله سيارته.

وبلغت عمليات القتل والحرق منذ بداية يناير 2017، حتى الآن نحو 18 حالة، بمعدل قتيل كل ثلاثة أيام، من الأقباط، وتعد هذه النسبة هي الأعلى في تاريخ الأقباط داخل مصر، على خلفيّة ديانتهم المسيحية.

وتأتي تلك العمليات الإرهابية عقب أيام من بث تنظيم داعش بسيناء تسجيلًا مصورًا يهدِّد فيه المسيحيين في مصر، قال فيه "إنَّها الرسالة الأخيرة للانتحاري المسؤول عن تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة في ديسمبر الماضي، والذي راح ضحيته العشرات"، وتوعد أحدهم بعمليّات ضد الأقباط على غرار تفجير الكنيسة، وبالأخص المتواجدين منهم في سيناء، كونهم السبب في عرقلة قيام "دولة الخلافة الإسلامية"، على حد وصفهم.

فرار جماعي إلى كنائس الإسماعيلية

استقبلت الكنائس بالإسماعيلية 29 أسرة مسيحية، فلجأت منذ أمس 19 أسرة مسيحية للكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية بمنطقة البر التاني، بجوار جمارك الإسماعيلية، بينما استقبلت مطرانية الأنبا بشوي بالشيخ زايد 10 أسر.

إحدى اللاجئات للكنيسة الإنجيلية، نبيلة فوزي جرجس، قالت إنّها وابنها الطالب بمرحله الثانوية العامة، هربوا للحفاظ على حياتهم بعد مصرع عدد من المواطنين المسيحين بالمنطقة، واصبحوا بين خيارين؛ إما فقدان حياتهم أو ضياع مستقبلهم، حيث قُتل زوجها وابنها الأكبر أمام عينيها، وتم إحراق جثتيهما، ومحتويات منزلهم من جانب مسلحين مجهولين ينتمون لتنظيم داعش بسيناء.

أمّا إبراهيم حنا، أحد الفارين والمتواجد الآن بمحافظة الإسماعيلية، قال إنه وعائلته خرجوا بملابسهم التي يرتدونها فقط، وتركوا كل شيء خلفهم للنجاة بحياتهم. مؤكدًا أنهم يعيشون حياة صعبة جدًّا منذ قتل د. بهجت ووائل، واستمرار استهداف الأقباط.

وأضاف "لا نستطيع الخروج الآن من المنزل بعد الساعة الخامسة مساءً، ونخشى على أبنائنا من الخطر. كما اضطّر بعض الأقباط إلى إغلاق متاجرهم بعد استهدافهم أثناء البحث عن رزقهم، ونحن نبحث عن حل لأزمة أبنائنا بالمدارس وعملنا بقطاع الحكومة".

تابع "بعض الأسر بدأت بالفعل المغادرة بشكل مؤقت، وهناك من نقل أطفاله إلى ذويه بمحافظة الإسماعيلية وبعض محافظات الصعيد، مشيرًا إلى أن عدد الأقباط بشمال سيناء يتقلص يومًا بعد آخر؛ فمنذ الهجرة الأولى لأقباط العريش والشيخ زويد وأعقبها هجرة ثانية بعد استهداف كهنة الكنيسة، لم تعد أي من الأسر إلى منزلها بالعريش ورفح، ويعيش الآخرون الآن تحت التهديد".

محافظ الإسماعيلية، اللواء ياسين طاهر، أوضح بأنّ المحافظة استضافت 30 أسرة من أقباط سيناء، الذين حضروا بناء على دعوة من الكنيسة الإنجيلية بالمحافظة؛ ضمانًا لسلامتهم من أية أحداث إرهابية من الممكن أن يتعرضوا لها، مؤكدًا أنهم لا يُعتبرون نازحين قسريّاً، حيث لم يتم تهجيرهم، لكنّهم جاءوا بناءً على دعوة من الكنيسة، على حدّ قوله.

راعى مطرانية العذراء في العريش، جبرائيل إبراهيم، قال في تصريحاته له: إنّ تنظيم داعش أجبر 90 عائلة قبطية على مغادرة المنطقة، من بين 300 عائلة قبطية مقيمة هناك.

وأكدّ إبراهيم أن الأقباط بحاجة لحماية الجيش بكل ثقله. لافتاً إلى أن قوات الجيش خفّضت من تواجدها بالمناطق السكنية، بسبب عملياتها ضد الإرهاب في المناطق الجبلية.

الباحث في شؤون الحركات الإسلامية مصطفى زهران، يُفسّر تركيز "ولاية سيناء" لضرباته ضد المسيحيين، بأنها محاولة منه لإعادة تموضعه بسبب ما يمر به الآن من مراحل أُفول، على حد تعبيره، مُتوقّعاً تكرار مثل هذه العمليات ذات البعد الطائفي على إثر حالة الاضطراب التي يعشيها التنظيم.

الأمن المصري

مسؤول أمني مصري نفى أنّ تكون الأجهزة الأمنية طالبت أقباط شمال سيناء مغادرة منازلهم والتوجه إلى المحافظات المتاخمة، مشيرًا إلى أن "قوات إنفاذ القانون من القوات المسلحة والشرطة تقوم بدورها الوطني في مكافحة الإرهاب ومطاردة فلوله، واتخاذ إجراءات تأمين جموع المواطنين بشمال سيناء ومنازلهم".

وشدد على أن الخطط الأمنية الموضوعة تسير بدقة وفي إطارها المحدد، لمواجهة أيّة أعمال إرهابية تستهدف المدنيين ورجال الشرطة والقوات المسلحة.

ونوّه إلى أن عمليات الإرهاب "يائسة وفاشلة تسعى للنيل من الصف الوطني، خاصةً بعد نجاح قوات الجيش والشرطة خلال الأيام الأخيرة في تحقيق نجاحات كبيرة خلال المداهمات التي قامت بها في سيناء ضد العناصر الإرهابية".

و"قد يرجع استهداف التنظيم للمسيحيين، سعيه إلى تطوير نطاق اشتباكاته مع النظام المصري، وإنهاكه بتوسيع دائرة عملياته"، كما رأى الباحث في المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد زغلول.

وأشار زغلول إلى أن "الاستهدافات لم تقتصر فقط على أقباط سيناء إذ امتدت إلى العاصمة القاهرة بتفجير الكنيسة البطرسية وتهديد التنظيم بالتوسع في مواجهاته لهم طبقاً لإصداره الأخير، باستهداف الأقباط والسعي لتوسيع نطاقات استخدامه لورقة الطائفية التي استخدمها التنظيم الأم في العراق والشام"، بحسب زغلول.

ولفت إلى "غياب الظهير القبلي لأقباط سيناء كأحد عوامل سهولة استهدافهم من قبل التنظيم، بالإضافة إلى التدهور الأمني العام"، داعياً إلى ضرورة "إعادة تقييم الإستراتيجية الأمنية المطبقة في سيناء، وبخاصةٍ في ظل نشاطات المسلحين الحالية في مدينة العريش".

محافظ شمال سيناء، اللواء عبد الفتاح حرحور، قال إنّه "أعطى تعليمات وتوجيهات بالتساهل مع الموظفين المسيحيين والسماح لهم بالغياب من أعمالهم والمدارس لمدة شهر على الأقل في إجازة مدفوعة الأجر؛ نظرًا للظروف الأمنية التي تشهدها المحافظة، حيث أصبح تواجدهم يشكل خطرًا على حياتهم".