Menu

اغتيال النايف.. "وظلمُ ذوي القربى أشدّ مضاضة"

الشهيد عمر

غزة _ خاص بوابة الهدف

اتّجه عمر زايد النايف للسفارة الفلسطينيّة في بلغاريا في السادس عشر من كانون الأول/2015، باعتبارها المكان الأكثر أمناً له، ولن يتم اعتقاله أو استهدافه فيها، فذهب إليها برفقة ضابط المخابرات الفلسطيني ممدوح زيدان، الذي يعمل مسؤولاً أمنيّاً في السفارة، وكان أول شخص تواصل معه عمر بعد تسلّم مذكرة الاستدعاء البلغاري.

لم تتوقّف إشارات تحميل السلطة الفلسطينية وسفارتها في بلغاريا، مسؤولية اغتيال الشهيد عمر النايف ، منذ اليوم الأول، سواء من العائلة أو أطراف أخرى، إن كان بالتقصير في حمايته أو الضلوع في الأمر.

طالبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجهات أخرى على إثر ذلك، بإقالة ومحاسبة المتورّطين والمقصّرين، تبدأ بإقالة وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي نتيجة إهماله وتقصيره السياسي والأمني في متابعة قضية النايف، وإقالة مسؤول جهاز الأمن المعني بالسفارات، واستدعاء السفير الفلسطيني من صوفيا وطاقم السفارة المعني، للتحقيق المباشر حول دورهم الذي وفّر البيئة الأفضل لعملية الاغتيال.

وتجاهلت السلطة مطالبة الجبهة الشعبية بتقديم ملف جريمة الاغتيال إلى المحاكمة الجنائية الدوليّة وتفعيله، حتى لا يبقى مجرد طلب، كما هو الحال مع ملفات أخرى. كما طالبت بفتح ملفات السفارات الفلسطينية كافة، ومعالجة أوجه القصور فيها واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإعادة الاعتبار لدورها بعيداً عن المحسوبية والفساد.

حمّلت الجبهة في ذلك الوقت، السفارة الفلسطينية في صوفيا والسفير أحمد المذبوح، المسؤولية بشأن ممارسة الضغوطات والترهيب بحق الشهيد، وعدم توفير الحد الأدنى من موجبات الأمن لحمايته، واعتبرت أن المسؤولية تطال وزارة الخارجية الفلسطينية وأجهزة الأمن المعنيّة على إهمالها وتقصيرها وموقفها اللامُبالي في متابعة ومعالجة قضية النايف.

"سوف يضعون لك السّم في الطعام ويقتلونك، والطائرة تنتظرك لتُعيدك إلى إسرائيل"، ما قاله السفير الفلسطيني في بلغاريا أحمد المذبوح لعمر، نقلاً عن شقيقه حمزة.

في يوم الاغتيال، صرّح حمزة النايف شقيق الشهيد لـ "بوابة الهدف" قائلاً "السفارة الفلسطينية في بلغاريا أبلغت زوجة أخي بأن مجموعة مجهولة اقتحمت السفارة بالأمس واعتدت عليه، ما أدّى إلى مقتله"، وأشار حمزة بأصابع الاتهام في ذلك اليوم للسفير الفلسطيني أحمد المذبوح، واعتبره شريكاً في عملية الاغتيال، فكانت السفارة منذ اليوم الأول للجوء عمر إليها، تُضيّق عليه الخناق، وحاولوا إخراجه من السفارة، وطلبوا منه المغادرة، كما أن الطاقم الأمني لم يُشكّل له حماية.

اعتبر حمزة في ذلك اليوم أن وزير الخارجية والطاقم الأمني والسفارة بكل موظفيها، يجب أن يدفعوا ثمناً سياسياً، لأنهم كانوا متعاونين ومشتركين في عملية الاغتيال، فلم يستطيعوا توفير الحماية له، "يبدو أن عمر أصبح عاراً عليهم."

عن المكالمة الأخيرة بين الشقيقين حمزة وعمر ليلة اغتياله، قال حمزة نقلاً عن عمر، أن مجموعة من طاقم أمن السفارة كانوا يهدّدونه، ومسؤول الطاقم الأمني شخصياً في السفارة واسمه "ممدوح" كان يضيّق الخناق عليه.

أكّد في اليوم التالي عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، عمر شحادة، على وجود مؤشرات بـ "الفشل الذريع وضعف المسؤولية" لدى الخارجية الفلسطينية والسفارة، في حماية النايف.

حسب بعض المصادر، فإن آخر من تحدّث مع الشهيد كان شقيقه أحمد ليلة الجمعة، بعد ذلك هاتفه مستشار من طاقم السفارة وأخبره بأنه سيأتي إلى السفارة للحديث معه، وبقي مع عمر لبعض الوقت قبل أن يبدأ بالتقيؤ الشديد، بعد الحالة التي أصابت عمر، عرض عليه المستشار نقله إلى المشفى، إلا أنه رفض، لاحتمال تسليمه حين خروج من السفارة، بعد ذلك بدقائق دخل عدد من الأشخاص قاموا بالاعتداء بالضرب على عمر بالأيدي والعصيّ والسكاكين، ويعتقد البعض أنه حين كشف هويّاتهم، اقتضى الأمر بضربه بقصد القتل، وتركه داخل مقر السفارة.

مسؤول المالية في السفارة، زهير الأشوح، وصل عند عمر في مقر السفارة في السادسة وخمسٍ وخمسين دقيقة صباح الجمعة، وهاتف مستشار السفارة جمال عبد الرحمن، وتركوا عمر لمدة ساعة ونصف بدلاً من استدعاء طواقم الإسعاف، إلى أن استشهد، وكانت أفادت رانيا زوجة الشهيد بأن سيارة الإسعاف قد وصلت في الثانية عشر والنصف ظهراً.

حول اللجنة المُشكّلة من الرئاسة الفلسطينية والمتابِعة لمجريات التحقيق في جريمة اغتيال النايف، أوضح كاشف النايف شقيق الشهيد أنها ليست لجنة مختصة ولا تكفي لجريمة بهذا الحجم والطبيعة الخاصة، إذ كانت مكونة منه كممثل عن العائلة وعمر شحادة عن الجبهة الشعبية والدكتور تيسير جرادات المستشار في وزارة الخارجية، والسيد عارف من جهاز المخابرات الفلسطيني، واكتفوا فقط بسماع أقوال من كان لهم علاقة مباشرة من الذين شهدوا حدث الاستشهاد.

ولفت النايف إلى أن خلوّ السفارة ومحيطها من كاميرات المراقبة شكّل عائقاً كبيراً على تقدّم التحقيق ووصوله لنتائج سريعة، مؤكداً وجود التقصير والأجواء المُهيّأة لتنفيذ الاغتيال قبل وقوعه.

أيادٍ فلسطينية متواطئة في جريمة الاغتيال

في الثالث من آذار عام 2016، كشفت مصادر خاصة لـ "بوابة الهدف" أن لجنة التحقيق توصّلت إلى نتائج تتعلّق بمسؤولية السفير والسفارة الفلسطينية في صوفيا بجريمة الاغتيال، التي تمثّلت بممارسة الضغط المتواصل على الشهيد وسياسة الترهيب له بأن تواجده في السفارة سيؤدي لنتائج لا تُحمد عقباها.

إلا أن توجيهات وصلت لتيسير جرادات المشارك في اللجنة، من وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، قبل طباعة التقرير النهائي للجنة، لتغيير الصيغة التي تم التوصل إليها والتي تُحمّل السفير والسفارة المسؤولية، ما أدى إلى انقسام في لجنة التحقيق وفشلها في التوصل إلى نتيجة موحّدة.

كاشف النايف شقيق الشهيد، أوضح أنه بعد أن توصلت لجنة التحقيق لنتائج قاطعة بأن هناك جريمة اغتيال، وتوجّهوا لكتابة التقرير، فوجئوا باقتحام السفير الفلسطيني في بلغاريا أحمد المذبوح للغرفة وضرب بيده على الطاولة قائلاً "أنا لن أكون كبش فداء."

ممدوح زيدان، يقول في إفادته في الأول من آذار الماضي للجنة التحقيق "عمر لا يُمكن أن ينتحر، تفسيري أنه قد دُسّ له شيء جعله يتقيأ، وأصبح من السهل ضربه على رأسه بآلة حادة، لكن العملية غير محترفة على الإطلاق، ويُمكن أن يكون الهدف من الطريقة هو التضليل."

وأوضحت الجبهة أنها امتلكت معلومات كاملة حول تفاصيل هذه الضغوطات والتهديدات من الشهيد نفسه، لذلك أصدرت بياناً في 28 كانون الأول من عام 2015 حذّرت فيه السفارة والسفير من مغبّة تسليم النايف، وهو ما يؤكد أن أيادٍ فلسطينية من داخل السفارة متواطئة في جريمة الاغتيال.

في سياق الحديث عن أوجه القصور أو ضلوع السلطة في جريمة اغتيال الشهيد النايف، أفاد القيادي في الجبهة الشعبية خالد بركات بامتلاكه وثائق ورسائل تؤكد تعرّض النايف لضغوطات من السفارة والسفير، ومماطلته في الكثير من الأمور التي من شأنها المساعدة في حماية النايف وتهديده المباشر له بتسليمه للاحتلال، كتوفير الحراسة وكاميرات المراقبة، بحجة "عدم وجود ميزانيّة لدى السفارة"، بالإضافة لاستدراج النايف عمداً للسفارة، ودور المخابرات الفلسطينية خلال فترة مكوث النايف في السفارة، الذي تمثّل بزيارة وفد أمني من المخابرات مارس الضغط على النايف، ولم يُلقِ بالاً لعدم وجود ولو شرطي واحد على الباب للحراسة وخلوّ المكان من كاميرات المراقبة.

مؤكداً أن المضايقات والتهديدات التي تعرّض لها الشهيد النايف لم تتوقّف يوماً واحداً، وأن هناك دليل على التهديد المباشر من السفير المذبوح للشهيد، بالإضافة إلى منعه من لقاء المحامين ولقاء رفاقه، ورفضوا كذلك إجراء فحص طبي عادي له.

وأكّدت عائلة الشهيد النايف أنها تملك الوثائق والشهادات التي تُدين السفير وتُثبت ممارساته التي "تتساوى مع ساديّة مديرية السجون الصهيونية"، كما عبّرت. وشدّدت العائلة على أنها ستلجأ في وقتٍ لاحق للمحاكم الفلسطينية لمقاضاة السفير وبعض أفراد طاقمه وآخرين تعمّدوا من يوم الجريمة وبطريقة منهجيّة حرف مسار التحقيقات.

كما أكّدت رانيا أرملة الشهيد، أن تهديدات السفير وصلت أيضاً إليها، إذ كان يُهددها باستمرار بأنه سوف يمنعها من دخول السفارة إذا تواصلت حملة التضامن مع عمر.

وكانت مصادر تحدّثت سابقاً عن قيام المذبوح بعقد لقاءات واجتماعات مع سفراء عرب ليشرح لهم كيف انتحر النايف بإلقاء نفسه من الطابق الثالث، ما ينفي تعرّضه لجريمة اغتيال، وهو ما حاولت عدة أطراف تسويقه لحرف النظر عن الجريمة الأساسية وتحويل جريمة اغتيال إلى انتحار.

على الرغم من عدم انتهاء أعمال لجنة التحقيق الثانية المتخصصة التي شكّلتها الرئاسة، دار الحديث عن نيّة السلطة نقل السفير المذبوح وبعض أفراد طاقمه ممّن تدور حولهم شبهات، إلى دول أخرى بنفس المُسمّى الوظيفي، وهو ما رفضته الجالية الفلسطينية في بلغاريا.

حول لجنة التحقيق الثانية التي شكّلتها الرئاسة الفلسطينية، غادرت بلغاريا دون تسليم أي تقرير حول جريمة الاغتيال، وأبلغت بأنه سيستغرق شهرين أو أكثر، ما اعتبره البعض مماطلة وتأخير في التحقيق لدفن قضية اغتيال النايف، واعتبرت العائلة هذه اللجنة "ليست سوى لجنة صوريّة هدفها ذرّ الرماد في العيون وخداع الرأي العام."

بعد عام على جريمة اغتيال النايف، وتحمّل السلطة مسؤولية اغتيال النايف، إن كان بالتقصير والإهمال أو التواطؤ، يبقى المسؤول الرئيسي عن جريمة الاغتيال، الكيان الصهيوني من خلال جهاز "الموساد" الذي لطالما حاول القضاء على المناضلين في كافة أماكن تواجدهم.