Menu

عمال مصر ما بين عيدين .. انتزاع مكاسب الثورة ومحاصرة للحريات النقابية

عمال مصر

بقلم: عادل زكريا

يأتى عيد العمال على الطبقة العاملة المصرية فى مناخ عام أبرز ما يميزه هو انسداد للأفق السياسي وانحصار الحراك الاجتماعي بالمقارنة بما سبقه وتأزم للظرف الاقتصادي. وفي عمق المشهد العمالي يظهر بوضوح صعوبة الموقف الذي تقف فيه النقابات المستقلة عن الاتحاد الرسمي، اتحاد عمال نقابات مصر، المدعوم من قبل أجهزة الدولة للهيمنة على مقدرات الطبقة العاملة..حيث ترتفع وتيرة الهجمة السرشة على النقابات المستقلة التى هى احد أهم ثمرات ثورة يناير المجيدة ..

فالنقابات المستقلة من ناحية تقف أمام سلطة مركزية لها حكومة لا تعرف إلا الشكل الهرمي في القيادة والسلطة، وتحت يدها اتحاد عمالي تابع خاضع ينفذ ما تمليه عليه الأجندة الحكومية حتى وإن كان إذلال العمال وإسكات مطالبهم وبخس حقوقهم وهضم أقواتهم، فضلا عن وجود برلمان يهيمن عليه ائتلاف داعم للحكومة ولقراراتها ويسيطر على لجنة القوى العاملة به رجال الاتحاد الرسمي، وهو ما يمثل تمكينًا وتحصينًا للدولة في مواجهة النقابات المستقلة والحريات النقابية، حيث بمقدور هؤلاء الموافقة على قوانين أو تفصيل تشريعات تنتقص من الحريات النقابية وحقوق العمال وتنال من مكتسباتهم، هذا بالإضافة إلى أجهزة أمنية لا تتوانى في تنفيذ الأحكام والقرارات في حق العمال بالفصل والحبس أو التخويف والاختفاء القسري واستخدام  القوة.

ومن ناحية أخرى تقف الحركة العمالية بشكل عام في مرمى نيران الإدارات وأصحاب الأعمال وممارساتهم التعسفية في حق عمالها وقياداتها، وذلك في ظل ضعف وخلل وربما تواطؤ في منظومة الرقابة على العمالة أو سوق العمل في مصر، والسيطرة المطلقة لأصحاب الأعمال وسطوتهم التي تصل إلى حد خرق القانون دون خوف من حساب .

فعلى الرغم من ان الحركة النقابية المستقلة فى مصر قد ولدت فى مواجهة إتحاد عمال حكومى وحيد يأتمر دوما بأوامر الحاكم ، فها هو عيد العمال يأتى بعد ست سنوات من الثورة المصرية  ومازالت سياسة الدولة مستمرة في الحفاظ على مؤسسة اتحاد النقابات الرسمية لاستخدامها كعصا لضرب الحركة العمالية، ومن أجل ذلك فهي تكافئ رجالها وتحافظ عليهم بغض النظر عن فسادهم، لدرجة أن تعديل بعض مواد من قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 الذي صدّق عليه البرلمان في يوليو الماضي، جاء تحصينًا لوجودهم في مناصبهم للهيمنة على مقدرات الطبقة العاملة المصرية .

كما جاء استبعاد ممثلي النقابات المستقلة من وفد مصر المشارك بمؤتمر العمل الدولي الاخير الذي انعقد بجنيف خلال شهر يونيو 2016، واقتصار تمثيل العمال بالوفد على ممثلي النقابات التابعة للاتحاد العام لنقابات عمال مصر، ضربة جديدة للحركة النقابية المستقلة التي تعتبر الممثل الحقيقي للعمال المهدرة حقوقهم.

ومازالت معركة قانون الحريات النقابية دائرة بين مشروعين لقانونين أحدهما قدمته الحكومة دون حوار مجتمعي ودون الاعتداد بتوافق العمال عليه وبه الكثير من المخالفات الصريحة للاتفاقات الدولية، ومشروع أخر مقدم من قبل العمال توافقت عليه قيادات عمالية وممثلو نقابات واتحادات نوعية وإقليمية مستقلة، وخبراء قانونيون واقتصاديون ومهتمون بالشأن العمالي، مشروع تم إعداده وصياغته بمشاركة عمالية ونقابية واسعة النطاق، وعلى البرلمان أن يقرر أيهما يختار.

المنع من التعبير ومصادرة الحق فى التنظيم أصبح العنوان الأبرز فى سياسة السلطة الحاكمة، أفق مأزوم لا يساعد ولا يشجع على حوار مجتمعي فعال يسمح بتهيئة مناخ العمل لمزيد من الإنتاج ودوران عجلات التنمية وتحسين الاقتصاد، إنه أشبه بالوقوع في خانة “اليك”، الخانة الصعبة، المقفلة ، والزاوية التي يوضع فيها اللاعب حيث يصعب عليه الخروج منها أو الحركة.

وما نراه ونحصده اليوم من قرارات وقوانين وأحكام قضائية ضاربة للحريات النقابية هو تصعيد لما سبقه من ممارسات عكف النظام الحاكم والحكومة على إتباعها بغرض تحجيم دور النقابات المستقلة وعرقلة الحركة النقابية الحقيقية الممثلة لمطالب العمال.

فعلى سبيل المثال لا الحصر أصدرت وزارة الداخلية قرارها رقم 6 لسنة 2016  بوقف اعتماد أختام النقابات المستقلة وحظر التعامل معها نهائيًا باعتبارها كيانات غير شرعية، واقتصار اعتمادات إثبات المهن على أختام وزارة القوى العاملة والتأمينات الاجتماعية أو النقابات العامة المتخصصة التابعة للاتحاد الرسمي المعترف به من قبل الدولة.

لقد جاء قرار وزارة الداخلية الخاص بحظر التعامل نهائياً مع النقابات المستقلة واعتبارها كيانات غير شرعية بناء على طلب من وزارة القوى العاملة لعدم خضوع هذه النقابات لأحكام القانون 35 لسنة 1976 الخاص بتنظيم العمل النقابيّ، والذي يصادر الحريات النقابية. وتنصّ المادّة 13 من القانون رقم 35 لسنة 1976 الخاص بتنظيم العمل النقابيّ في مصر، على أنّ للعمّال المشتغلين في مجموعات مهنيّة واحدة أو صناعات متماثلة أو مترابطة ببعضها أو مشتركة في إنتاج واحد، الحقّ في تكوين نقابة عامّة واحدة على مستوى الجمهوريّة من دون غيرها، رغم مخالفته للمواد 76 و93 من الدستور المتعلقة بحق العمال في إنشاء نقاباتهم، واختيار النقابات التي ينضمون إليها، حين نصت المادة 76 علي أن إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون. وتكون لها الشخصيّة الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم. وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، وألا يجوز حلّ مجالس إدارتها إلاّ بحكم قضائي..

كما يعتبر قرار وزارة الداخلية المشار إليه مخالفا لما ورد في إعلان منظمة العمل الدولية الخاص بالمبادئ والحقوق الأساسية في العمل الصادر عام 1998والذى يطبق على جميع الدول، وخصوصاً الاتفاقية 98 لسنة 1949 التي تمنع صاحب العمل أو وكيله من التدخل في شئون النقابات وانحيازها إلى نقابة على حساب الأخرى.

يأتى ذلك مع سعى العمال والقيادات النقابية الدائم لضمان أبسط الحقوق في تحسين ظروفهم وشروط وبيئة عملهم، من خلال مؤسسة نقابية أو كأفراد، متبعين في ذلك شتى الوسائل المشروعة من تقديم المذكرات وسرد المطالب والتفاوض وعقد الاتفاقيات والإضراب، فيتولد الصدام بينهم وبين الإدارات وأصحاب الأعمال، الذين لا يترددون في التنكيل بالعمال ومعاقبتهم لتجرئهم على المطالبة بحقوق كثير منها حقوق إنسانية قبل أي اعتبار أخر مثل الحق في الأجر العادل والحق في التأمين الطبي وغيرها، وسواء كان صاحب العمل هو الحكومة أو رجال أعمال أو حتى مستثمرين أجانب، في جميع الأحوال نرى العمال يدفعون جزاء رفع أصواتهم.

فتتكرربشكل دورى فى مواقع عديدة مشاهد مثول العمال للتحقيقات، توجيه الإدارات التهم للعمال في محاضر رسمية كأداة تهديد وضغط لتنازل العمال عن مطالبهم أو إنهاء إضرابهم، وحالات إنهاء وفض للإضرابات والاعتصامات دون تنفيذ للمطالب التي قامت من أجلها، الضغط على العمال لرفع مطالب مستحقة مالية أو متعلقة بمراعاة معايير السلامة في العمل أو غيرها من قائمة المطالب، ردود متعسفة من الإدارات من فصل وتحرير محاضر للعمال حتى يكون المطلب الرئيسى عودة المفصولين إلى العمل أو التنازل عن المحاضر عوضاً عن المطالب الأساسية التي قام من أجلها الإضراب، وغيرها من الانتهاكات الصارخة والمتكررة في حق العمال، الذين هم وقود عجلة الإنتاج.

 تعكس قرارات وممارسات مؤسسات الدولة على أرض الواقع اتجاهها لحماية التنظيم الحكومي، اتحاد نقابات عمال مصر، وفرضه على العمال باعتباره الكيان الرسمي الوحيد الممثل لهم، وهو أبعد ما يكون عن العمال ومطالبهم وحقوقهم، ولذلك هي تسخّر أجهزتها في قمع وتصفية نقابات باتت تهدد عرشه، لأنها نقابات مستقلة قامت بإرادة العمال، وعلى أكتافهم وفقاً لدستور 2014 والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر.

هكذا تعود السلطة الحالية إلى نفس سياسات نظام مبارك بكل آلياته بل ورجاله أيضاً، هكذا تعلنها السلطة الحالية في مصر لمواجهة تطلعات العمال الذين تفتحت آمالهم في الحرية بعد ثورة 25 يناير 2011، ورغم أنف الدستور.. " لا لحق العمال المصريين في تكوين نقابتهم بحرية" ، وبكل فجاجة تعمل من أجل العودة إلى التنظيم النقابي الواحد. تنظيم تابع للسلطة يأتمر بأمرها ليس له أي صلة بالعمال ومطالبهم وحقوقهم.