Menu

للعام الثاني على التوالي

تقريرموسم الزيتون في غزة.. خسائر فادحة يتكبدها المزارعون

أحمد زقوت

خاص_ بوابة الهدف الإخبارية

يأتي موسم الزيتون هذا العام على مزارعي قطاع غزة بوقتٍ حرج، إذّ حُرموا للعام الثاني على التوالي من قطف ثمار الزيتون بفعل الحرب المستعرة لأكثر من 350 يومًا، حيث استهدف جيش الاحتلال "الإسرائيلي" الأراضي الزراعية بالقصف عبر طائراته الحربية وقذائفه المدفعية، والتجريف بآلياته العسكرية خلال توغله في عمق القطاع، تحقيقًا لهدفه المتمثل بـ "تجويع سكان غزة"، حسبما أعلن عن ذلك وزير حربه "غالانت" في بداية العدوان.

ويحل موسم الزيتون في بداية شهر أكتوبر من كل عام، حيث يبدأ المزارعون بجنى الثمار وتخزينها بكميات وفيرة، إلى جانب تحويل جزء منها إلى المعاصر حتى يتمكنوا من الحصول على زيت الزيتون، الذي يعتبرونه رمزًا للتراث الفلسطيني الذي يدل على تمسكه بأرضه.

(120) شجرة زيتون و"تراكتور" زراعي، كانت حصيلة ما خسره المزارع أحمد أبو جراد، نتيجة تجريف أرضه الزراعية الواقعة شرق جباليا شمالي قطاع غزة قبل عدوانه في أكتوبر الماضي، حيث حرم للعام الثاني من جنى وحصاد موسم الزيتون، بالإضافة لتكبّده خسائر كبيرة في معداته الزراعية الذي يعتمد عليها في أرضه.

ويشير أبو جراد في حديثه لـ "بوابة الهدف الإخبارية"، إنّه في بداية الحرب لم يتمكن من الذهاب إلى أرضه بسبب القصف وتوغّل جيش الاحتلال فيها، لكن مع انسحابه منها تمكن من زيارتها، لكنّه لم يرى أي أشجار أو مزروعات كانت قائمة قبل العدوان، واصفًا وضع الأراضي الزراعية هناك بـ"المأساوي" نتيجة تحويلها من آليات الاحتلال إلى رمال قاحلة وسواتر رملية كي يحمي آلياته ومعداتّه العسكرية من نيران المقاومة الفلسطينية.

ويقول أبو جراد: "كل شيء زرعته بتعبي وعرقي خلال السنوات الماضية راح بغمضة عين، عشرات من أشجار الزيتون، بالإضافة إلى 30 شجرة من أنواع مختلفة من الحمضيات اقتلعها الاحتلال من أرضي"، مضيفًا أنّه في كل عام كان ينتظر بفارغ الصبر متى تثمر الأشجار حتى يتمكن من قطفها وجني الأرباح منها.

موسم قليل الإنتاج

وبشأن موسم الزيتون هذا العام، يصفه المزارع أبو جراد، بأنّه "أقل الأعوام إنتاجًا بسبب الحرب المتواصلة التي اقتلع الاحتلال فيها الأشجار والمتبقية منها عددها قليل لا تسّد احتياجات السكان الذين يعانون من مجاعة كبيرة، بالإضافة إلى الدمار الواسع في المزروعات والبنية التحتية الزراعية التي تضم شبكات الري والآبار، والشتلات الصغيرة المعدة للزراعة".

ويلفت المزارع أبو جراد، إلى أنّ خسارته صعبة لأنّ أشجار الزيتون تحتاج لسنوات طويلة حتى تكبر وتبدأ بالنمو وصولًا إلى قطف الثمار، مبيناً أنّه في كل عدوان يتكبّد خسائر ولكن هذه المرّة تعتبر الأكبر بسبب اقتلاع الأشجار بشكل كامل وإتلاف التربة، ما أدى إلى فقدانه مصدر رزقه الوحيد الذي كان يعتمد عليه لإعالة أسرته.

ويوضّح أبو جراد، أنّه حاول "استئجار" أرضًا زراعية أخرى بها أشجار زيتون صالحة للإنتاج، لكنّه وجد أسعار تفوق قدرته المالية بفعل طول أمد الحرب، إذّ يطلب أصحاب الأرض أكثر من (5 دنانير أردني) ثمنًا لكل رطل زيتون على الشجرة، لافتًا إلى أنّ هذا السعر سيضاف عليه أجور أخرى مثل عمّال ونقل للمعصرة، بالإضافة إلى ارتفاع سعر عصر الزيتون بسبب ارتفاع سعر السولار إن وجد.

طريق الموت

المزارع محمد أبو عمشة، لم يختلف وضعه عن سابقه، إذّ خسر أيضًا عشرات أشجار الزيتون، وتعرض لخسائر كبيرة عقب قصف الاحتلال لمعداته الزراعية، وتجريف أرضه الواقعة في بيت حانون شمال القطاع".

ويتفق المزارع أبو عمشة مع أبو جراد، خلال مقابلته لـبوابة الهدف"، بالقول: إنّ "أشجار الزيتون تحتاج إلى وقتٍ طويلٍ لتثمر ويصبح إنتاجها وفيرًا، وبعد خسارة هذه الأشجار خلال هذه الحرب، سنضطر إلى زراعة شتلات مجددًا والانتظار سنوات كثيرة حتى تثمر، وهذا يجعل المزارعين في حالة صعبة للغاية".

ويؤكّد أبو عمشة، لـ"بوابة الهدف"، أنّ "أهالي القطاع اضطروا إلى قطع أشجار الزيتون وغيرها واستخدام حطبها في عمليات الطبخ والتدفئة، بسبب انقطاع غاز الطهي ونفاذ الوقود منذ بداية العدوان"، معتبرًا إقدام المواطنين على قطع الأشجار تحديدًا في المناطق الحدودية بأنّهم يسيرون في طريق الموت الحتمي، لأنّ الاحتلال يعتبرها منطقة عسكرية مغلقة ويمنع الوصول إليها، وأي شخص يتواجد في تلك المناطق يستهدف بالقصف وملاحقته بمسيرة الكواد كابتر التي لا تغادر المكان.

ويشير المزارع أبو عمشة، إلى أنّه منذ اللحظة الأولى لشن الاحتلال عدوانه تعمد بقصف معظم الأراضي الزراعية، بذريعة أنّها تشكل خطرًا عليه، لكنه لا يتورع عن تجويع أهالي القطاع وجعل حياتهم قاسية في ظل حصار المتواصل ومنع إدخال أي مواد غذائية للسكان.

أسعار مرتفعة..

وبخصوص أسعار الزيتون، توقّع أبو عمشة، أنّ يصل سعر تنكة زيت الزيتون _تباع بالدينار_ إلى أكثر من (200 دينار أردني) على أقل تقدير، أمّا سعر الجالون الذي يعبئ فيه الزيت فقد ارتفع من ( 7 شواكل) إلى (45 شيكلا)، نظرًا إلى أنّ غالبية معاصر الزيتون في القطاع قد دُمرت وأصيبت بأضرار كبيرة، إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود الذي تعتمد عليه تلك المعاصر في عملها، أمّا أصناف الزيتون، أوضّح أنّها متنوعة، وأشهرها في غزة، هي الشملالي والسري وk18، وغيرها.

وطبقًا لوزارة الزارعة، فإنّ بداية الموسم للعام الحالي في محافظات الضفة المحتلة بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول العام الجاري لأصحاب المعاصر، والعاشر من نفس الشهر للمزارعين، فيما لم يتم تحديد موعد للقطف في قطاع غزة بسبب أوضاع الحرب وصعوبتها.

وتقدّر مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون في غزة قبيل شنّ الاحتلال عدوانه في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بنحو 40 ألف دونم وتضمّ أكثر من مليون شجرة زيتون، وكانت تنتج أكثر من 35 ألف طن سنويًا، ويُوجه نحو 30 ألف طن منها للعصر للحصول على الزيت، والبقية للتخليل في الأعوام السابقة، لكنّ في الربع الأخير من عام 2023م تعرضت معظمها إلى التدمير والتلف بسبب الحرب، وفقًا للوزارة.

بدورها، قالت الإغاثة الزراعية، إنّ "آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية المزروعة بأشجار الزيتون تعرضت للقصف والتجريف، مما أدى إلى تدمير شبه كامل للمحاصيل والبنية التحتية الزراعية، بما في ذلك أنظمة الري والمعدات الزراعية"، مضيفةً أنّ "هذا التدمير الشامل أثر بشكل مباشر على الإنتاجية الزراعية للمزارعين، وأدى إلى تقليص كبير في كميات الزيتون المنتجة".

وأشارت الإغاثة في تقريرها، إلى "توقف النشاط الزراعي في المساحة الأكبر من المناطق الزراعية وتحديدًا المناطق الشرقية من قطاع غزة مما تسبب في تذبذب سوق العمل وانخفاض فرص العمل في الزراعة وفي الصناعات القائمة عليه مثل العصر والتعبئة والتغليف، مما زاد من معدلات البطالة بين العاملين في هذا القطاع الحيوي".

ويعد قطاع الزيتون أحد أهم مكونات الاقتصاد الزراعي الفلسطيني، حيث يسهم بنسبة تصل إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي، ويمتد هذا القطاع على مساحة تقارب 75,000 هكتار في فلسطين، منها حوالي 44,000 دونم في قطاع غزة، مع ما يقارب 35,000 دونم مزروعة بأشجار الزيتون المثمر"، مشيرةً إلى أنّ موسم الزيتون في قطاع غزة أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الوطني ومصدرًا هامًا للعيش والثقافة بالنسبة للفلسطينيين، وفقًا للإغاثة.

وأكّدت الإغاثة، أنّ "الحرب الأخيرة على غزة تسببت في خسائر جسيمة لموسم الزيتون، حيث لم تقف آثارها على الجوانب الاقتصادية فقط، بل امتدت لتشمل الأبعاد الاجتماعية، والصحية، والثقافية، وحتى الهوية الوطنية"، لافتةً إلى أنّ "هذا القطاع يوفر فرص عمل لآلاف العائلات، ويعتبر زيت الزيتون الفلسطيني من بين الأفضل عالميًا بفضل جودته العالية وطريقة إنتاجه التقليدية".

وأوضحت الإغاثة، أنّ تدمير الأراضي الزراعية ونقص الموارد الغذائية أثر بشكل مباشر على الحالة الصحية للأسر النازحة، حيث أدى إلى زيادة معدلات الأمراض المرتبطة بسوء التغذية مثل نقص الفيتامينات والمعادن، كما أن فقدان الدخل أدى إلى صعوبة في الوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة، مما زاد من تفاقم الأوضاع الصحية، مبينةً أنّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الحرب أدت إلى زيادة معدلات التوتر والقلق بين المزارعين وأسرهم، مما أثر سلبًا على الصحة النفسية، وفقدان المحاصيل ومصادر الدخل الأساسية زاد من الضغوط النفسية، وأدى إلى زيادة حالات الاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى.

وتجدر الإشارة إلى أنّ القطاع الزراعي يمثل أحد أهم مكونات الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة، عبر مساهمته في توفير فرص العمل، وقد بلغت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي نحو 11% للعام 2022 وهو العام الذي قدرت فيه القيمة المضافة للنشاط الزراعي بنحو 343 مليون دولار، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.