من الخطأ أن نعتقد أنّ زيارة دونالد ترامب لمنطقتنا هي زيارة رئيس دولة لمجموعة أخرى من الدول، فعملياً يأتي ترامب لتفقد المحميات الأمريكية في المنطقة، بهدف واضح وهو طمأنة النظم القائمة في هذه المحميات على استمرارية الرعاية والمواكبة الأمريكية لهم.
هؤلاء في الرياض وفي تل ابيب، ارتجفوا طيلة الاعوام الماضية خشية من أن تتراجع أو تنسحب أمريكا وتتركهم لمواجهة مصيرهم على يد شعوب المنطقة، وهو مصير لم يكن يتمنونه أبداً، فكل من الكيان الصهيوني، أو السلالات الحاكمة سيُلاقي هزيمته المحتومة دون الدعم الأمريكي، وسيدفع ثمن سجل الجرائم الطويل بحق الشعوب.
بعد 69 عام على الجريمة الصهيونية الكبرى بحق شعب فلسطين، يُمكن النظر ملياً في الأدوار التي لعبتها نظم الرجعية العربية في ضرب مقوّمات الصمود العربي، وإدامة مفاعيل الهزيمة، خدمة للسياسة الأمريكية والامبريالية في المنطقة، وإذا اعتبرنا أنّ الكيان الصهيوني يُمثّل قاعدة متقدّمة للعدوان الغربي على منطقتنا، فإن نظم الرجعية العربية التابعة، وفي مقدمتها السلالات الحاكمة في دول النفط العربي شكّلت باستمرار قاعدة الاسناد للكيان الصهيوني، وإختراق عميق للصف العربي، لطالما لعب أدوار مدمّرة لإضعاف الصف العربي والقدرة على المقاومة والصمود، وفي الأعوام الأخيرة تطور التعاون بين نظم النفط والكيان الصهيوني لتحالف أمني مفضوح، وشراكة عسكرية في العدوان على العديد من شعوب المنطقة، هذا كله بجانب الشراكة في الهجمة المسعورة لتصفية القضية الفلسطينية.
القمة التي أعدت لاستقبال ترامب في الرياض، من أؤلئك الحكام الذين ينتمون العائلة السعودية الحاكمة، ومن سلالات الحكم الخادمة للسياسة الامريكية، تحمل كل تلك الأجندة المعادية لشعوبنا، وهي بمثابة إعلان عن تحالف "اسلامي" تقوده السعودية لخدمة الولايات المتحدة ورديفها وربيبها الكيان الصهيوني، تحالف لن يكون إلاّ وبالاً على المنطقة، واستمراراً للعدوان في فلسطين وسوريا و اليمن والبحرين، واستعداداً لزيادة هذا العدوان.
مخاطر عدة يفرزها هذا التحالف والتسابق العربي والاسلامي للالتحاق بالركب الامريكي، لا تبدأ باستكمال مخططات التقسيم والتفتيت لبلدان عالمنا العربي، ولا ينتهي بفرض التسوية التصفوية للقضية الفلسطينية، مرورا بالخطط والاهداف المعلنة لتغذية وتسعير الحرب الطائفية، وتصعيد الحروب على قوى المقاومة بحجة مكافحة الارهاب.
الحكام في الرياض وغيرها اليوم مستعدون لتقديم كل ما يمكنهم لضمان بقاء الحماية الأمريكية لهم، بما في ذلك تصفية القضية الفلسطينية، وتقديم عشرات وربما مئات المليارات للخزينة الامريكية، بل و خوض حروب الولايات المتحدة نيابة عنها، في مواجهة كل قوى المقاومة، وكل محاولة للنهوض الحر لهذه الشعوب.
الأسوأ على الاطلاق ، هو استعداد القيادة الرسمية الفلسطينية للتعاون مع هذه الاطراف وجهودها ومساعيها، التي ليس لها الا ترجمة واحدة على الصعيد الفلسطيني، وهو تصفية القضية الفلسطينية، في مواجهة هذا كله هناك حاجة ماسة لحشد كل موارد الصمود، لوقف مخاطر هذا العدوان، والرد عليه بيقظة حقيقية من الشعوب والقوى الحية في هذه المنطقة المنكوبة بحكام لم ولن يعرفوا طريقا الا العمل الذليل في خدمة امبراطورية القتل الامريكية.