Menu

#لا_للحجب

بوابة الهدف الإخبارية

#لا_للحجب

عند الحديث عن الحريات العامة أو سيادة القانون في فلسطين يقع الإنسان في إرباك حقيقي، حول الجهات المعنية بضمان هذه الحقوق والقوانين، فجميعنا يدرك الواقع المسخ الذي صنعته اتفاقية اوسلو، والذي ابتدع سلطة لا تملك شيئا من أمور السيادة، تتعرض يوميا لانتهاكات مباشرة من الاحتلال لمؤسساتها وصلاحيتها الوهمية، وأماكن سيطرتها المزعومة.

الشعور الغالب على الجمهور الفلسطيني في النظر لتغول الاحتلال على السلطة الفلسطينية هو الأسف لواقع هذه السلطة، وتوجيه النقد لمنطق وجود سلطة تحت الاحتلال، وكذلك لعلاقة السلطة بالإحتلال خصوصاً في ملف التنسيق الأمني سيء الصيت والأثر، لكن اصرار السلطة على إستعراض عضلاتها على الجمهور الفلسطيني، في مرّات عدة ينقل هذا النقد إلى مرحلة الغضب.

شركات الإنترنت في فلسطين وبإيعاز من السلطة الفلسطينية قامت بحجب 11 موقع فلسطيني على الأقل عن المتصفحين، ورغم دخول القرار حيز التنفيذ الفعلي، فلا أحد يعلم حتى الآن بشكل مؤكّد من هي الجهة التي أصدرت القرار رسمياً، فهذا القرار الذي تم نسبته للنائب العام تارة ولوزارة الاتصالات تارة أخرى لم يعترف به أحد، وبات المرجح أنه تم بناء على أوامر جهات أمنية أو جهات أخرى تنفيذية قررت أن تصنع قانونها الخاص، كما تفعل أي دورية إحتلالية تدخل لتفرض قانونها الخاص في شوارع مدننا وبلداتنا.

هناك متلازمة مرضية تصيب بعض النظم التي لا تمتلك ما يكفي من القوة للحفاظ على سيادتها في مواجهة تدخلات قوى أكبر أو أكثر عنفية، تلجأ هذه النظم الضعيفة للإنكفاء للحيز المحلي الضيق وممارسة أقصى وأشد درجات السلطوية فيه، أي أنها بأختصار تستقوي على مواطنيها، وتقرّر التدخل في كل تفاصيل حياتهم وفرض وصايتها على ما تنبس به شفاههم.

قد نتحدّث طويلاً عن سيادة القانون وضرورة ضمان الحريات العامة في فلسطين من قبل السلطة الفلسطينية، وتنافي قرار الحجب مع هذه الحقوق الأساسية، ولكن الحقيقة أنّنا جميعاً نعلم وبلا أدنى مواربة أنّ السلطة لا تستطيع ذلك، فهي بالنهاية لا تستطيع منع الاحتلال من مواصلة جرائمه بحقها وحقنا، ولكن أن تمضي السلطة قدما في تكريس دورها كأداة للقمع وتكميم الأفواه هو بمثابة رسالة للفلسطينيين بقتامة مستقبلهم في ظل وجودها واستمرار نهجها السياسي، فمن جهة هي تسد الأفق الوطني باستمرار رهانها على مسار التسوية العبثي، ومن جهة أخرى تمضي في تعنتها في لعبة الانقسام المشتركة، ومن جهة ثالثة تقرر استكمال الاستباحة الأمنية لحياة الناس وحرياتهم، في اتجاه واضح نحو مزيد من التغول والحكم البوليسي الذي لم بدأ منذ تأسيس هذه السلطة ويبدو انه ماض نحو مزيد من التصعيد في ممارساته.

لا تُبالي السلطة حتى الآن بردود فعل الجمهور والفصائل الفلسطينية والجهات الحقوقية على قرارها، ولكنها قد تجد نفسها ذات يوم، هي الضحية الأولى لسياساتها، فمن يكمم الافواه ويحجب ويمارس الوصاية، قد يكون عرضة لما يفوق بكثير بعض كلمات لا تعجبه في هذا الموقع او ذاك.