Menu

قتال شرس من أجل المنصب: نتنياهو وصراع البقاء

بوابة الهدف/ تحليل إخباري/ أحمد.م.جابر

يسافر نتنياهو إلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية، ويجتمع مع رؤساء حكومات لالزوم لهم، يلقي خطبا عجيبة في الأمم المتحدة، ويصل الأمر لأن يخاطر بأن يصفه ترامب بأنه أصعب من عباس في محلدثات السلام، والفضائح والتحقيقات تحيط به، يفتح النار على وزرائه بالدور، وفي كل هذا يقاتل جاهدا كي لايصل إلى "العشاء" الأخير مع حكومته، ولكن يبدو أن أزمة نتنياهو تكمن في قدرته على الاحتيال التي فاقت توقعاته وجعلت حلفاءه يرون به ثعبا محتالا حتى في أكثر لحظات صدقه.

في اجتماع الحكومة الصهيونية لنهاية الأسبوع، فاجأ نتنياهو وزراءه وهم يجمعون أوراقهم لمغادرة طاولة الإجتماع بدعوتهم للتأني والعودة إلى مقاعدهم، ومع تلك التعبيرات على وجهه التي تجعلهم لايعرفون ما أصابه قال لهم "لدينا حكومة جيدة جدا.. حكومة مستقرة ومتسقة.. علينا أن نحتفظ بها وأن نكون موحدين".

ما الذي أسر إلى نتنياهو حول نوايا وزرائه ليبادرهم بخطابه التحفيزي هذا؟ ربما يعود ذلك لتصريحات وزير الداخلية أييه درعي زعيم شاس أثناء مناقشة قانون التجنيد، والذي صرح أيضا "إذا كان هناك شيء سيسقط الحكومة فهو كونها تعمل يوم السبت".

ومن المعروف أن مشكلة السبت كانت وما تزال ربما أقوى قنبلة موقوتة في حقائب أي ائتلاف حكومي صهيوني، رغم أنها قديمة وليست جديدة ولم تدفع نتنياهو يوما للتصرف بهذه الطريقة.

يشير التحليل الذي كتبه يوسي فيتر في هآرتس أنه بالنسبة لشاس ويهوديت هتوراة الحزب المتدين الخاص باليهود الأشكناز، فإن سيناريو تجنيد الطلبة المتدينيين لم يعد يشكل ذلك الكابوس القديم، وليس تهديدا وجوديا فهم يخوضون حربا قانونية ويسعون لتقديم قانون جديد، وسيلعب الجميع يالأمر بعض الوقت، سيمر قانون ليبرمان ونتنياهو في الكنيست، ثم سيذهب للمحكمة العليا لعام أوعامين، مجرد لعب بالوقت ولاشيء سيتغير، ولكن هناك شيء لآخر يزعم فيتر أن نتنياهو عندما أصدر خطابه التحذيري هذا كان ينظر إلى عيني درعي.

 ولكن هناك أيضا ما يحيط بنتناهو والقضايا التي تحيط به، فبانتظاره مالايقل عن أربع جلسات من الاستجوابات، هذا لايجعله بالتأكدي يقبل المخاطرات بتفكيك الحكومة، بل لايوجد دلائل على أنه يعتزم تفكيكها، وتصريحاته تقول العكس. لكن الإجماع بين الوزراء هو أن تصرفاته وأفعاله السياسية سوف تنبع مما يعتقد أنه سيخدمه على الجبهة الجنائية القانونية المعقدة التي يواجهها.

في هذا السياق ربما ينبغي النظر إلى مبادرة وزير المالية موشيه كحلون  لتمرير ميزانية 2019 في بداية العام المقبل، خلال الدورة الشتوية للكنيست، التي تنتهي قبل عيد الفصح، 2018.  وبالنسبة للمراقبين في كيان العدو فإن الحكمة الاقتصادية للقيام بذلك مشكوك فيها. ولكن في حالة كاهلون أيضا المنطق الشخصي، هو أكثر صلابة.

خطط كحلون الاقتصادية المثيرة للجدل يعلم الجميع أنها لاينكت أن تطبق خلال عام واحد، بل يحتاج لولاية وزارية كاملة من أربع سنوات، والشرط الأساسي لتحقيق الهدف الطموح أن ميزانية العام الماضي -2019 - يتم تمريرها من قبل الكنيست. وبدون ذلك، لن يستمر تحالف نتانياهو الرابع. وبدون ذلك، قد لا يكون كحلون قادرا على تحقيق هدفه المتمثل في الحد من مدفوعات السكن مثلا،  ولكن مشكلة كحلون إنه لايملك أي سيطرة على ما يمكن أن يقدم عليه نتنياهو، حتى قبل اتخاذ قرار من النائب العام بخصوص لائحة اتهام في أي من القضايا المثارة،  فمن جانب آخر قد يكون نتنياهو مهتما بانتخابات جديدة للحصول على حصانة متجددة تحميه مجددا منم الملاحقة القضائية،  كحلون يريد أن يبقي نتنياهو خاضعا للإئتلاف، عبر تمرير الميزانية المبكرة ما سيجعل نتنياهو يفتقد لأي عذر مقبول لإجراء انتخابات مبكرة،  إذ ماذا سيكون نظريته؟ غياب الحكم الرشيد؟ والميزانية هي تجسيد الحكم الرشيد. عدم الاستقرار؟ الميزانية هي أم كل الاستقرار. المعارضة؟ التخريب؟ وقادة الحزب سوف يقولون له: كل هذا الجهد كان من أجل لا شيء؟ هل تريد سحبنا إلى الانتخابات بسبب مصالحك الخاصة؟ وإذا استقال كفرد، سيجدون بديلا له بسهوله،  وفي الوقت المحدد من قبل القانون.

وكان نتنياهو قد صدم وزراءه جميعا حتى أقرب حلفائه عندما  أخبرهم أنه من أجل تغطية الاتفاق مع المعاقين الذي تأجل طويلا عليهم أن يوافقوا على تخفيضات شاملة في مجلس الوزراء من ميزانيات وزاراتهم الخاصة، فإنها يجب أن توافق على تخفيضات الشاملة في مجلس الوزراء من الوزارات الخاصة بهم الشكوى جاءت خصوصا من نفتالي بينت وأريه درعي، ورد فعل نتنياهو غير المعلن أنتم لم تدافعوا عني في وجه مظاهرات المعاقين، وتركتموني أواجه هذا وحيدا،  وعليكم الآن دفع الثمن.

الصراع الآخر بينهم كان على مفوض الخدمة المدنية، بالتأكيد لدى بينيت وربما كحلون ودرعي أيضا مرشحين، لكن مرشح نتنياهو هو شخص غير معروف لهم تدعى  عوفرا براخا، وهي رئيس قسم في وزارة الداخلية، والدة أحد مساعدي نتنياهو، وهم يتساءلون عن مقدار اللاشتباه في هذا الأمر ما الذي يجعلها مناسبة بالضبط لكونها مسؤولة عن نحو 70 ألف موظف حكومي؟

إذافة لذلك يسرد التقرير –ما لاداعي لذكره هنا- سجلا طويلا من التوتر في حكومة العدو والاشتباكات حول طاولة الوزراء، وهي أمور مخفية عادة عن الرأي العام، ولكن ربما فاض الكيل بنتنياهو ليلقي بخطابه العجيب.

ولكن فرص معارضيه ليست أكثر بالتأكيد من فرص حلفائه الطامحين، سواء آفي غاباي أو زعيم المعارضة هيرتسوغ، ناهيك عن أكمثر الطامحين على ما يبدو حاليا إيهود باراك، ويبدو أنه حتى يعالون يريد أن رئيس وزراء.. ولم لا يقول المنطق السياسي الذي يحكم الكيان. 

يبقى أن نتنياهو يعرف طموحات منافسيه جميعا بما فيهم حلفاءه وهو يجيد رسم الخطط وابتكار الحيل الماكرة، ويعرف أن فرص جميع هؤلاء تكاد تكون معدومة كما هي فرصه أيضا ربما..ويبدو أن مأزق السياسة الصهيونية الآن ليس في الفراغ السياسي ولكن في الامتلاء أكثر من اللازم.